ميديا – الناس نيوز ::
درعا 24: “أصبح الوضع الراهن فوق احتمال البشر ولذلك أصبحنا مفتوحين على كل الاحتمالات واتمنى أن لا يكون الانهيار العام أحدها“، هذه الكلمات هي جزء من مقابلة حصرية أجرتها شبكة درعا 24 مع الفنان المعارض السوري وعضو اللجنة الدستورية جمال سليمان، والتي تحدثنا فيها معه حول المظاهرات في السويداء، ومواقفه السياسية ونظرته للحلّ في سوريا، ورأيه في حمل السلاح خلال السنوات الماضية، وحول العقوبات الأوروبية على النظام في سوريا، وواقع الدراما في الآونة الأخيرة.
- كيف تنظر للحراك الشعبي والمظاهرات في محافظة السويداء، وهل يمكن أن تحقق هذه المظاهرات مطالبها، في إسقاط النظام والانتقال السياسي وتطبيق القرار الأممي 2254، وما هي الرسالة التي توجهها للمتظاهرين؟
إن حراك السويداء هو إضافة كبيرة لنضال الشعب السوري من أجل الانتقال السياسي في سوريا إلى دولة القانون والمواطنة والسيادة والتداول السلمي للسلطة. ومن المفيد جداً أن نحدد ملامح هذا الحراك:
- إنه حراك مدني سلمي متجانس ومنظّم، لا مكان فيه للعنف.
- بعيد عن الغوغائية، هدفه وشعاره واضحان وهما تطبيق القرار الاممي 2254.
- تشارك فيه المرأة بكثافة
- يُسقط الادعاء بأنها ليست ثورة شعب، وإنما تمرد لطائفة معينة على سلطة قائمة.
- سيادة سوريا ووحدتها في مقدمة شعارات هذا الحراك.
- خطاب القادة الروحيين متطابق مع خطاب الشارع وهو خطاب سوري وطني، لا شُبهة فيه لأي مطالب تخص طائفة بعينها.
- قدرة هذا الحراك على حماية نفسه من أي تدخلات مشبوهة أو شعارات إشكالية من شأنها أن تشوه صورته، أو تحرفه عن أهدافه.
هذه اهم ملامح هذا الحراك التي مكنته من استعادة المسار الحقيقي للثورة السورية وبالتالي استقطب احتراماً وتأييداً واسعين.
- اخترت صف الاحتجاجات منذ بدايتها في 2011، واضطررت لمغادرة سوريا لاحقا، في حين تحولت هذه الاحتجاجات إلى مسلحة وتم إطلاق شعارات دينية، هل تشعر بالندم لاختيار هذا الموقف اليوم؟
صحيح أنني تعرضت لكثير من التشكيك والهجوم، ليس من النظام وحده، بل من قوى وجماعات مناهضة له، لأنني منذ البداية كان لي مواقف واضحة وصريحة، وإن كانت غير مسايرة للأمواج التي ظهرت وعلت. فكما كنت منذ البداية مؤيداً للثورة، إلا انني كنت ولا أزال معارضاً لأي شعار ديني، كما أنني معارض للعسكرة.
منذ البداية كنت مؤمناً بأن الشعار الطائفي وحمل السلاح الذي لا يمكن السيطرة عليه ولا يمكن ضبط أجنداته، سيصبّان في مصلحة النظام، وسيحرفان الثورة عن أهدافها ويبعد عنها كثير من أنصارها ومؤيديها. وخاصة أن هذا السلاح لم يتحد ولم يكن له خطاباً مشتركاً. إذ لا يكفي أن تكون ضد منظومة قائمة، بل يجب أن يكون لديك رؤية وطنية جامعة تشكل بديلاً مقنعاً للغالبية، وإلا فإنك ستتحول إلى قوة هدم فقط.
- قلت في أحد المقابلات بأن الثورة السورية هُزمت عندما تم استخدام السلاح، هل ترى الآن بأن الثورة هُزمت؟ وكيف تجد الوضع السياسي اليوم في سوريا، وهل برأيك أن الحل قادم في وقت قريب أم أن الأوضاع في البلاد ستبقى على حالها إلى المزيد من السنوات؟
عندما وقفت ضد حمل السلاح قيل لي بأن الهدف من السلاح هو حماية الثورة وحاضنتها، واليوم من حقّنا أن نسأل هل نجح السلاح في ذلك؟ الواقع يقول: لا بالتأكيد.
كلنا نعلم اليوم أنه في محطات كثيرة تم استخدام هذا السلاح ضد الثورة وحاضنتها، انظر كيف استطاعت الجماعات الجهادية أن تبتلع الجماعات الأخرى وكيف مارست في مناطق سيطرتها سياسات تصفية منظمة ضد كثير من الناشطين الذين ضحوا بأمنهم وأمانهم من أجل تحقيق هدف الثورة بالدولة الديموقراطية.
في النهاية رأينا أن غالبية السلاح في يد جماعات تعتبر الديموقراطية رجس من عمل الشيطان. ليس السلاح فقط وإنما الشعار أيضاً أصبح شعاراً غير جامع لغالبية السوريين، وهذا أدى إلى الشك في جوهر الثورة، وتراجع الإيمان بها كما أدى إلى مزيد من الضحايا ومزيد من الدمار والتشريد.
كل ذلك يجعلني كما يجعل كثيرين غيري يشعرون بالأسف الشديد، ولكنّه لم يجعلني أندم على موقفي المؤيد للثورة، كما عرفتها في أشهرها الأولى.
نعم تم هزيمة الثورة في جولتها الأولى، ليس على يد النظام فقط، بل أيضاً على يد جماعات مسلحة خلفيتها موضع شك وتساؤل والمستقبل سوف يصدمنا بحقائقها. إلا أن هذا ليس نهاية المطاف في سوريا. فبعد اثني عشر عاماً جرت فيها دماء كثيرة ما زال كثير من السوريين على العهد وحراك السويداء هو جولة جديدة في هذا الصراع ودليل ساطع على أن ما جرى بكل آلامه وأخطائه لم يكن نهاية المطاف. مازلنا نناضل سياسياً عبر الأمم المتحدة والمجتمع الاقليمي والدولي من أجل الانتقال السياسي السلمي التفاوضي كما جاء في القرار ٢٢٥٤ واتمنى أن تتحد إرادتنا جميعاً في هذا الاتجاه
نعم تم هزيمة الثورة في جولتها الأولى، ليس على يد النظام فقط، بل أيضاً على يد جماعات مسلحة خلفيتها موضع شك وتساؤل والمستقبل سوف يصدمنا بحقائقها
- في ظل عدم الإمكانية لتشكيل حكومة مدنية انتقالية، كنت في السابق مع تشكيل مجلس عسكري يدير البلاد لفترة انتقالية، هل ما زلت مع هذا الخيار؟ وألا ترى بأن الوضع المعقد في سوريا وانتشار السلاح….. يلزمه مجلساً عسكرياً لفترة محدودة؟ الكثير يقولون بأن سوريا (الآن) بحاجة إلى ديكتاتور وطني (لفترة انتقالية) لقيادتها إلى بر الأمان.
نعم قلت بالمجلس العسكري الانتقالي، ولكن مع الأسف كثير من المواقع المحسوبة على المعارضة، بدلاً من فتح نقاش موضوعي حول هذا الطرح، تعاملت معه على طريقة “لا تقربوا الصلاة”. وكي يكون الأمر واضحاً لأهلنا اريد ان أعود لتوضيح طرحي بهذه النقاط:
- العملية التفاوضية التي استمرت سنوات لم تفضِ إلى أي نتيجة، تفضي لتطبيق القرار 2254 الذي هو جوهر هذه المفاوضات، وجوهر القرار هو هيئة حكم انتقالية توافقية من النظام ومن المعارضة، تقود البلاد في المرحلة الانتقالية. وطالما أن الأمر كذلك وطالما أنه لا أمل يلوح في أفق هذه المفاوضات بينما البلاد تنزف وتقترب شيئاً فشيئاً نحو انهيار على رؤوس الجميع، فلا بد من التفكير وإيجاد مخارج حتى ولو كانت من خارج الصندوق.
- المجلس العسكري الانتقالي كما طرحته هو بديل لهيئة الحكم الانتقالية التي استحال تحقيقها ومهمته محددة، كما مهمة هذه الهيئة، وهي تطبيق مدرجات القرار الدولي 2254.
- مضى أكثر من عشر سنوات على ظهور فكرة المرحلة الانتقالية وهيئتها في وثيقة جنيف، التي تشكل جوهر القرار 2254 ومنذ ذاك الوقت إلى يومنا هذا جرت مياه كثيرة وتحولات كبيرة، وأصبح الواقع الامني في البلاد هو التحدي الأكبر أمام المرحلة الانتقالية، وهنا لا بد من التفكير بواقعية بدلاً من اجترار نفس الكلام.
- وهنا أريد أن أكون صريحاً، لأسباب كثيرة هناك تشكيك متنامي بقدرتنا كمعارضة سياسية على التوافق الداخلي، وهذا الوضع تتخذه بعض القوى الدولية كذريعة للابتعاد عن القضية السورية.
هذه أهم الاعتبارات التي جعلتني أتقدم بهذا الاقتراح الذي لقي تأييداً كما لقي رفضاً أو تشكيكاً أو تجاهلاً.
بالنسبة لي ما زلت مؤمناً بهذا الطرح لسبب واحد فقط وهو أنه أكثر الطروحات انسجاماً مع هذا الواقع المُزري وهذا الأُفق المغلق. ولا مانع عندي من نقده ومناقشته شريطة أن لا يكتفي الطرف الآخر بالعنوان فقط، بل ينتبه إلى المضمون وهو (مجلس عسكري من عسكريين منشقين وعسكريين ما زالوا في الخدمة يلتزمون بتطبيق مدرجات القرار 2254) اي يلتزمون بالانتقال السياسي في سوريا.
- في مقابلة سابقة لدرعا 24 قال المبعوث الألماني لسوريا بأن العقوبات وقانون قيصر لا تؤثر على الشعب في سوريا، وهذا رأي أمريكا وكل الأوروبيين أيضاً، ولكن يرى الكثيرون بأن العقوبات تؤثر فقط على الناس وتزيد من تدني الحالة المعيشية، ما رأيك؟
يجب أن نعترف أن قوانين العقوبات لا تحرم النظام من الموارد، التي تحرمه من تمويل استمراره، بل أيضاً تنعكس على الناس وتضيق عليهم سبل العيش. لذلك لا بد من مزيد من الضغط من أجل الحل السياسي الذي سيُساهم في رفع العقوبات.
- في أكثر من تصريح لك كان تركيزك دائماً على أن الحل في سوريا يكون عن طريق الجلوس إلى طاولة الحوار، هل ترى أن هذا الحوار ما زال متاحاً، وهل هناك أفق للعمل عليه في ظل ما وصلت إليه البلاد اليوم، وبرأيك ما الذي يعرقل هذا الحوار اليوم؟
قبل الأمم المتحدة وقبل الجامعة العربية ومبادرتها، كان هناك دعوات مخلصة من أجل حوار سوري سوري، يُعلي المصلحة الوطنية، فوق أي مصلحة، ويفضي إلى حل سياسي يغلق الباب أمام طريق جهنم، الذي قرر النظام أن يسير به.
نعم أن النظام كان عائقاً أمام الحوار والتفاوض، ولكن هناك قوى دولية وإقليمية كان لها مصالح متشابكة، وقررت أن تستفيد من هذا الصراع، ولم يسمح لطرف بحسمه، بل استمر وكلّفنا وكلّف بلدنا خسائر نحتاج إلى عقود من الزمن كي نعوضها. مازال الحل التفاوضي هو المخرج، ولكنه من ناحية ثانية، ما زال أسير التوافقات الإقليمية والدولية.
- هل ترى أن حالة العداء بين السوريين معارضين ومؤيدين، وحروبهم على مواقع التواصل الاجتماعي وتخوينهم لبعض بما فيهم الفنانين – أمر طبيعي وينتهي لاحقاً، أم أنها حالة خطيرة تهدد بنية المجتمع السوري؟
إنها مع الاسف الشديد حالة خطيرة أوجدت انقساماً كبيراً في بنية مجتمعنا. لذلك عندما نتحدث عن إعادة البناء يجب أن نتذكر أن أهم ما يجب إعادة بنائه هو هويتنا الوطنية الجامعة، التي تتجاوز الطائفية، والمناطقية، والقبلية، والعرقية. هوية تفوق في مكانتها أي هويات فرعية وانتماءات عمياء.
وانا لدي ايمان بأننا إذا وصلنا إلى الحل وحصل انتقال سياسي واستطاع السوريون تجاوز العقلية الانتقامية، ومارسوا حقهم ومسؤوليتهم في انتخاب ممثليهم فإننا قادرين مع الزمن على تجاوز انقسامات الماضي، وسنبني معا سوريا التي نتمناها كمواطنين أحرار وأيضاً كمواطنين مسؤولين.
- ظهرت في الآونة الأخيرة دعوات من بعض الناشطين في الساحل السوري ودمشق وبعض المحافظات الأخرى (ما لبثت أن تراجعت). هل من الممكن أن نشهد تحركات على مستوى أكبر في دمشق وحلب واللاذقية وطرطوس وغيرها بحسب رأيك؟
أصبح الوضع الراهن فوق احتمال البشر ولذلك أصبحنا مفتوحين على كل الاحتمالات واتمنى أن لا يكون الانهيار العام أحدها.
- كيف تُقيّم واقع الدراما السورية بشكل عام اليوم، وما رأيك بمسلسل ابتسم أيها الجنرال الذي طرح بأسلوب واضح شخصيات من نظام الحكم في سوريا من خلال قصة درامية ترتكز على أحداث وصفها كثيرون بأنها حقيقية، ولماذا لم يشارك جمال سليمان في هذا المسلسل؟
لمدة ثلاثين عاماً كانت الدراما فخر الصناعات السورية، لأنها حملت سوريا وناسها وشوارعها وقراها وجبالها وسهولها إلى كل بيت عربي وهي اليوم تقاتل كي تستمر في هذه الظروف الصعبة جداً.
ابتسم أيها الجنرال خطوة هامة في مسار دراما تتحدث عن تاريخنا المعاصر. بالنسبة لي من غير الممكن أن أكون في كل المسلسلات.
في عام 2015 قدمت مع الراحل حاتم على مسلسل “العرّاب” وهو أيضاً كما ابتسم أيها الجنرال يتحدث، وإن من زاوية مختلفة، عن تاريخنا المعاصر، ويرصد الواقع الذي أفضى إلى الثورة السورية حيث ينتهي الجزء الأول بسجن الصحافي الذي أراد فضح الفساد، بينما يتابع الشارع السوري أخبار أول مظاهرة قامت في دمشق في حي الحريقة في شباط 2011.
- هل ترى أفقاً قريباً يسمح بالعودة إلى سوريا؟
ليس بعد. أظن أنه ما زال أمامنا وقت. ولكني أرى، بعد أن أفشل النظام مبادرة العرب وتعامل معها بهذه المناورات المفضوحة، أننا في الفصل الأخير من هذا الصراع.
كما أن الأطراف الخارجية المنخرطة في صراعها على أرضنا، قد وصلت إلى أقصى ما تستطيع الوصول إليه ولم يبقَ أمامها إلا أن تصطدم ببعضها بشكل مباشر وهذا ليس مرجحاً.
نحن اليوم نحتاج إلى توافق إقليمي ودولي لأننا وبكل أسف ومرارة فقدنا سوريين (نظام ومعارضة) السيطرة على قضيتنا.