fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

لقطة مع السيد الرئيس

ممدوح حمادة

كانت الجدران في غرف منزل جوهر تكتظ  بالإطارات التي يحتوي كل منها على صورة من مناسبة ما، تجمعه بمسؤولين من مستويات مختلفة، تصل إلى مستوى وزير أحيانا، وما كان يميز كل تلك الصور هو أن جوهر في جميعها يطل برأسه من خلف صف المسؤولين، وتحديدا في النقطة التي يقف فيها أرفع مسؤول بينهم، مرة تشاهده يطل بعينيه من خلف رأس المسؤول، ومرة تشاهد رأسه كاملا، ومرة تشاهده حتى كتفيه، ذلك كان يتعلق بالدرجة الأولى بطول ذلك المسؤول، وبارتفاع الأداة التي يتسنى لجوهر الوقوف عليها، ومن هنا يمكن أن نفهم احترام وحب جوهر للمسؤولين قصار القامة، أكثر من أولئك الذين كانوا يتمتعون بطولها، أما أعز صورة على قلبه، والتي كانت تتوسط صدر الجدار المقابل للباب في غرفة الضيوف، فكانت تلك الصورة التي تجمعه في عناق حميم مع المحافظ، أما الحقيقة فإن ذلك لم يكن عناقا على الإطلاق، ففي ذلك اليوم لم يجد جوهر ما يضعه تحت قدميه لكي يتمكن من الظهور في الصورة خلف المحافظ، سوى تنكة قديمة كان يستخدمها عمال البناء لنقل الأسمنت، ولكنها، ما إن صعد إليها حتى تهاوت تحته وسقط فتلقفه المحافظ ووجه له أقذع الشتائم، ولكن من حسن حظ جوهر أن عدسة الكاميرا لا تلتقط الشتائم.

يقف جوهر اليوم أمام هذه الصور التي تباهى بها سنين طويلة، ويفكر ما الذي سيفعله بها، فبعد الصورة التي ستلتقط له في الأسبوع القادم ستصبح هذه الصور كلها بلا  أدنى قيمة، لا  تساوي قشرة بصلة، فقد دعي جوهر صباح اليوم إلى مركز الناحية وأبلغه أمين الفرقة الحزبية  بأنه سيكون ضمن مجموعة مختارة من سكان قرى المنطقة، تشكل الوفد الذي سيكون ضمن اللقاء التاريخي المشهود، الذي سيجتمع فيه السيد الرئيس مع الفلاحين والذي ربما لن يتكرر في حياته مرتين، قفز جوهر الذي لم يتمالك اعصابه وصرخ بفرح:

– السيد الرئيس؟

– السيد الرئيس.

أجابه الرفيق أمين الفرقة وهو يهز راسه مؤكدا فأردف جوهر:

– السيد رئيس وجها لوجه .. هكذا كما أراك الآن ؟

– نعم .. وسيصافح الجميع

خطف جوهر رأس الرفيق أمين الفرقة من بين كتفيه لدرجة جعلت الأخير يشعر وكأن أحدا انتزع رأسه الذي انهال جوهر عليه بالقبل بينما أخذ أمين الفرقة يوجه اللكمات لبطن جوهر لكي يترك راسه ثم عندما تركه جوهر بصق أمين الفرقة في راحتيه وأخذ يمسح شعر رأسه الذي انكشف عن صلعته قائلا لجوهر بغضب:

– رأس هذا يا رجل وليس رأس بطيخ.

اعتذر جوهر وانصرف.

فرحة الرفيق جوهر لم تكن  باللقاء المنتظر مع الرئيس بقدر ما كانت بالصورة التي سيتم التقاطها في نهاية اللقاء معه وهو يصافح الحضور مودعا، ومنذ أن أُبلغ بخبر اختياره كواحد من النخبة المختارة لحضور هذا اللقاء التاريخي، لم تكف مخيلة جوهر عن العمل لا في اليقظة ولا في المنام، كان يفكر بما سيرتديه في اللقاء، وكيف سيصافح الرئيس، هل يبتسم معبرا عن فرحته؟ أم يحتفظ برزانته لمنح الصورة هيبة إضافية؟ أم يقف باستعداد؟  أم يؤدي التحية في سلوك رمزي معناه أننا كلنا جنودك؟ والكثير من الأشياء الأخرى، ولكن أكثر ما كان يؤرقه هو أن الصورة الموعودة ستفقد قيمتها بين مجموعة الصور الكثيرة التي تزين جدران بيته، وربما لن ينتبه لها البعض إذا لم يقم هو بتنبيهه، وهذا ما لا يريد فعله، إنه يريد للضيف أن يرى صورته وهو يصافح الرئيس بمجرد تجاوزه لعتبة المنزل، من يكون المحافظ، وحتى وزير الري هذا المتعجرف الذي لعجرفته شعر جوهر بوطأته أكثر مما شعر بوطأة الجفاف، من يكون هذا الإمعة مقارنة مع الرئيس؟ إنهم جميعا لا شيء مقارنة به، صفر على الشمال، هكذا كان يفكر جوهر وكأنما يبحث عن المبررات لكي يفعل ما قرر فعله، وبدون تردد نهض جوهر في شبه انتفاضة من مكانه وبدأ بنزع الإطارات عن المسامير، ويلقي بها على “الدشك” (التسمية التي كان يطلقها جوهر على الأريكة العتيقة المتبقية من عهد الراصورات)، ولم يكن يخفي ازدراءه لهذه الشخصيات، معبرا عن ذلك الازدراء بزم شفتيه وتقليص ملامح وجهه وكأنه يشم رائحة كريهة،  غير أنه خص شخصيتين منهما بتعليق إضافه على ملامح الاشمئزاز، الشخصية الأولى هي المحافظ الذي خاطبه جوهر وهو يرمي صورته على الدشك قائلا:

– إمعة.

رغم أنه لا يعرف معنى هذه الكلمة، غير أنها على ما يبدو كانت تعجبه، ويأتي حقده على المحافظ كما ذكرنا بسبب الشتائم التي وجهها له في الصورة التي كان يحتضنه فيها، أما سبب حقده على وزيرالري فلم نتبين سببه، حيث شيع جوهر صورته أيضا قائلا:

– زبال في البلدية كثير عليك.. لو أعرف أي حمار عينك وزيرا؟

أما  بقية الصور فرماها مكتفيا بملامح الاشمئزاز دون أن يضيف أي تعليقات.

 الصورة يجب أن تكون بمفردها على الحائط، لا داعي لأي تشويش كان، ولكنه بعد أن نزع الصور وجلس على الفراش، فكر قليلا وبدت ملامح وجهه جدية كما لم تبد كذلك من قبل، ثم نهض قائلا:

– لا تقل فول قبل أن يصبح في المكيول.

 أعاد الصور إلى مكانها مقررا تركها حتى تصبح تلك الصورة الموعودة في حوزته، وقد فعل ذلك لأسباب إضافية أخرى، فهو لا يحب الجدران العارية، وفي نفس الوقت لا يحب أن يرى أشياء تافهة معلقة عليها، وهو إن جرد هذه الحيطان من ساكنيها الذين في الصور سيجد المسامير التي كانت معلقة عليها، في غضون ساعة وربما أقل، وقد علقت فوقها المناشف وقطع الثياب المختلفة، فقرر ألا يترك لزوجته مثل هذه الفرصة الذهبية، وجلس يملأ  الاستمارة التي طلب منه أمين الفرقة أن يملأها لكي ترفع للجهات المسؤولة من أجل دراسة المرشحين لتلك المقابلة، وبعد أن انتهى من الاستمارة سحب درج الطاولة وأخرج من هناك دستة من الصور الشخصية التي فاضت عن حاجة الوثائق التي التقطها من أجلها سابقا، ولأنه وجد صعوبة في انتقاء الصورتين اللتين سيرفقهما بتلك الاستمارة، فقد اضطر لطلب المشورة من زوجته التي أشارت إلى أول صورتين وقعتا تحت سبابتها، ولكن الصورتين لم تعجبانه، كما أنه لم يعثر على صورتين أخريين فقرر أن يمر صباحا إلى محل التصوير ويلتقط صورة جديدة تليق بالمناسبة وفي الوقت نفسه يسأل أبا أنيس المصور إلى أي حجم يمكن تكبير الصورة، فهو يريدها أن تملأ الجدار، إن كان ذلك ممكنا، وعندما احتجت زوجته قائلة:

– عندك مئة صورة، لماذا هذا التبذير؟

رد قائلا

– هذا رئيس وليس وزير الري الإمعة .. ولكل مقال مقام .

ثم صفن مفكرا ( أيها تأتي أولا مقام أم مقال؟) ثم لوح بيده تعبيرا عن عدم أهمية الموضوع وقال:

– دخيلك.. مين سائل.

في اليوم التالي عندما سلم جوهر الاستمارة والصورتين للرفيق أبو طارق، كان يغمره الفرح لأن أبا أنيس المصور أبلغه بأن الصورة يمكن تكبيرها إلى الحجم الذي يريده، ولكي تتم الفرحة فقد سأل جوهر أمين الفرقة من باب التحسب، هل يسمح له بأن يتحدث عن هذا اللقاء مع الرفاق (المناظلين) وبقية الجماهير أم أنه يفضل الصمت لدواعٍ أمنية؟ فأجابه أبو طارق، بأنه لا يوجد مشكلة في الموضوع وكما في كل مرة نبهه أن ينطق الضاد بشكل صحيح منبها إياه إلى أن الضاد هو الحرف الذي يميز العربية وأن أيديولوجية الحزب تعتمد عليه كثيرا، فأعرب جوهر عن علمه بالموضوع وقال:

– أعرف.. أعرف.. لسان (الظاد) يجمعنا بغسان وعدنان ..مفهوم.

بعد أن حصل جوهر على الضوء الأخضر، استقل الحافلة المتوجهة إلى قريته فور خروجه من عند أمين الفرقة، وفي الطريق الذي لا يستغرق أكثر من ربع ساعة، وجد ما يكفي من الوقت للحديث عن هذا اللقاء مع كل من ركب الحافلة، وعندما ترجل لم يذهب إلى بيته مباشرة، بل توجه إلى دكان القرية واشترى كيلوغراما من الحلوى، التي لا يشتريها عادة، وقد فعل ذلك بناء على المخطط الذي كان قد رسمه في الطريق، والذي يقتضي أن يدخل جوهر إلى دكان عبودي ويطلب منه أن يعطيه كيلوغراما من الهريسة، فيستغرب عبودي بدوره طلب جوهر الذي لا يشتري الهريسة عادة ويسأله:

– خير يا جوهر.. ليس من عادتك شراء الهريسة.

فيرد عليه جوهر بنوع من اللامبالاة يظهر وكان الأمر عادي بالنسبة له:

– أنت على حق، ولكن هناك مناسبة تستحق أن نقدم الحلوى لأجلها.

فيثير بهذا الكلام فضول عبودي الذي سيقوم بسؤاله:

–  و ما هي هذه المناسبة؟

فيبدأ ساعتها جوهر وبكل رزانة بسرد ما يريد سرده قائلا (بحسب المخطط أيضا)

–  لقد دعيت إلى لقاء تاريخي مع السيد الرئيس في الخامس عشر من الشهر الحالي، وأنا الوحيد الذي دعي من قريتنا.

فتجحظ عينا عبودي لما يسمعه ولا يصدق ما يقوله جوهر، ويشعر بحسد كبير نحوه.

ولكن الأمور جاءت مغايرة تماما لما تصوره جوهر في مخططه، حيث إن عبودي لم يفعل كما رسم له جوهر في مخيلته، وإنما قام بوزن الهريسة وقدمها لجوهر وتابع عمله دون أن يوجه له أي سؤال عن سبب شرائه الحلوى، مما جعل جوهر يصاب بالخيبة، ويسأله بنبرة لا تخلو من العتب:

– لم تسألني عن سبب شرائي للهريسة؟

– ولما أسألك، هل تريدني أن أقوم بالسؤال عن السبب كلما قام شخص بشراء قطعة هريسة؟

– عليك أن تسألني.

قال جوهر بنبرة صارمة مقررا اختصار الطريق على عناد عبودي فسأله هذا عن السبب، وقام جوهر برواية القصة له مضفيا على نبرته ما يليق بالمناسبات التاريخية من تلوينات صوتية حتى تظنه في بعض الأماكن من حديثه يقرأ شعرا، ولكن عبودي رغم استماتة جوهر، لم يبد عليه أي تأثر، واكتفى بالقول :

–  يا سيدي مبروك.

 فعل ذلك وهو يتناول قطرميز البزر عن أحد الرفوف، ولم يكلف نفسه حتى بالالتفات إلى جوهر مما تسبب لجوهر بالخيبة وولّد في نفسه بعض الحقد على عبودي في تلك اللحظة، وتمنى لو أنه يرفعه إلى فوق رأسه ويرمي به على الأرض، ولكنه أخذ الهريسة وانصرف.

وضع جوهر نصية الهريسة على الطاولة في غرفة الضيوف ثم تناول بطانية وعلقها على الجدار  فاكتشف أن حجمها ملائم جدا، فقام بأخذ قياساتها موضحا لزوجته أنه سيكبر الصورة إلى هذا الحجم.

في المساء غادر جوهر القرية وقد وضع في جيبه كل مدخراته النقدية وحطم حصالة ابنه التي كان فيها بعض القطع النقدية، ولم يترك زوجته قبل أن تخرج من عبها ما كانت قد دفنته هناك ثمن الجوز لمونة المكدوس، وعاد في حوالي العاشرة ليلا وفي يده كيس كبير تتدلى داخله بدلة رسمية مقلمة زرقاء اللون، معها قميص وربطة عنق انتقاهما له صاحب المحل بعد أن روى له سبب شرائه للبدلة، وفي اليد الأخرى كانت هناك علبة فيها حذاء أسود لامع، وعندما وصل إلى البيت خلع شرواله وثيابه الأخرى واستبدلها بالثياب الجديدة التي اشتراها للتو، ولم يخف إعجابه بنفسه عندما وقف أمام المرآة، أما زوجته فقد وضعت يدها على فمها لتخفي ابتسامتها التي خرجت إلى شفتيها عنوة عندما شاهدت جوهر لأول مرة في حياتها في البدلة ونعتته بنبرة نصفها سخرية ونصفها إعجاب:

–  خواجا.

ولكن أمين الفرقة الحزبية لم يبتسم عندما ظهر جوهر في بابه صباح اليوم التالي بتلك البدلة الزرقاء، فقد غضب ووبخه:

– السيد الرئيس قادم ليقابل الفلاحين لا لكي يقابل برلسكوني.. أصلا التوجيهات من فوق بأن يقوم كل من يرتدي طقما بارتداء شروال أو قمباز يوم اللقاء، من أجل هذا اللقاء نريد فلاحين لا أفندية.

 وطلب منه أن يذهب على الفور ويخلع هذه البدلة لأن  الأشخاص الذين يفترض أن تعرضهم نشرات الأخبار يجب أن يكونوا إما في شروال أو في قمباز، ومع أن جوهر امتعض للنبرة التي كان يتحدث بها أمين الفرقة معه، إلا أنه بلع الإهانة التي لا تستحق أن يتوقف المرء عندها مقارنة بالشرف الذي سيحصل عليه بعد تلك المقابلة المجيدة وبترشيح أمين الفرقة بالذات، والذي أكرمه اليوم وكلفه بأن يدون مطالب الفلاحين لكي يتم تقديمها في اللقاء للسيد الرئيس، وهذا شرف لا يحصل عليه حتى واحد بالمئة من المناضلين، السيد الرئيس سيمسك بين يديه الورقة التي كانت بين يدي جوهر، يا إلهي، أمر لا يصدق، وسيقرأ ما كتبه جوهر بخط يده، هذا كثير، كثير حقا، يجب الانتباه للأخطاء الإملائية، ولكن أين المشكلة، يمكن تنقيحها بمساعدة الأستاذ.

ولكي لا يتهم جوهر بأنه عائلي الهوى وهذا ما يتناقض مع مبادئ الحزب، لا سمح الله فقد توجه بداية إلى عائلة الخصوم في قريته، الذين كانوا بدورهم في حالة امتعاض لأن الخيار وقع على جوهر، ولكنهم لم يكونوا يظهرون ذلك.

دون جوهر المطالب وكان على وشك الوقوف عندما سقطت به الكرسي التي كسرت إحدى أرجلها، ثم سارت الأمور بسرعة لم ينتبه فيها جوهر لنفسه إلا في المستوصف حيث كان الطبيب يلف له الجبس على يده، من تحت الكتف بقليل وحتى المعصم ويخبره:

– ثلاثة كسور مضاعفة.

مما جعل جوهر يحتج

– أففف يا دكتور ثلاثة كسور؟ .. لقد سقطت عن الكرسي وليس من الطابق العاشر.

– لأنك ثقيل.

قال له الدكتور وتابع لف الجبس على يده.

في البيت كان عدد كبير من سكان القرية متحلقين حول فراش جوهر للاطمئنان عن صحته، عندما أطلق جهاز الهاتف الخلوي نغمة مميزة جعلت جوهر يعلن للحاضرين بنبرة ارتياح:

– الرفيق أبو طارق.. لا بد أنه سمع بما جرى معي ولذلك يتصل ليطمئن.

وبالفعل فإن ملامح الارتياح التي تعمقت على وجه جوهر كانت توحي بأن كلمات أبي طارق التي لم تكن مسموعة للحضور تعبر عن الاهتمام الذي تبديه قيادة الفرقة بصحة الرفيق جوهر، ولكن شيئا ما قيل على الطرف الآخر جعل جوهر يقفز من الفراش صارخا:

– هذا ليس كلاما.. بعد أن وصلت اللقمة للفم؟

لم يتمكن أحد من سماع الجواب على السؤال الذي أطلقوه جميعا:

– ما الذي حصل؟

لأن جوهر كان قد غادر الغرفة قبل أن يتناهى إلى سمعه سؤالهم، ولم يكن هذا يقلقه أصلا.

في الفرقة الحزبية كان الرفيق أمين الفرقة يجلس خلف طاولته حين دفع جوهر الباب برجله ودخل صارخا:

– ما هذا يا رفيق أبو طارق.. ألا يستطيع المواطن أن يكسر يده في هذا البلد.. فورا تقوم الحكومة بحرمانه من حقوقه المدنية، ما هذا؟!!

– لا تحشر الحكومة في الموضوع.

قال أبو طارق بنبرة لا تخلو من التهديد ثم أردف:

– الحكومة لا علاقة لها بالموضوع، قيادة الفرقة اتخذت القرار.

امتعض جوهر أكثر

– أنتم؟.. الحزب الذي أفنيت عمري وأنا أناظل في صفوفه.. ولماذا يا رفيق أبو طارق.. ما الذي فعلته حتى يعاقبني حزبي.. هل هناك في النظام الداخلي ما يمنع المناظل من كسر يده

– لا تتفوه بهذا الكلام الفارغ يا رفيق جوهر.. الفرقة لم تقرر ذلك هكذا.. الفرقة استشارت جهات مختصة.. تم شطب اسمك لضرورات أمنية.

لم يفهم جوهر هذا التلميح القذر، كما وصفه في داخله، وتساءل:

– أنا؟.. لدوافع أمنية.. ما هذا الكلام يا رفيق أبو طارق..إذا كان يمكن الاشتباه بالحجر لدواع أمنية فإنه لا يمكن الاشتباه بي.

تململ أبو طارق في مكانه وبدا على وشك الانفجار ثم نفث من صدره هواء حبيسا وطلب من جوهر الهدوء، وأوضح له أن الرفاق في فروع الأمن يشتبهون بأنفسهم ولا  يشتبهون بجوهر، الأمر الذي أثلج صدر جوهر وجعله يهدأ قليلا ، بعدها بيّن له أبو طارق أن الجهات المختصة التي شطبت اسمه من القائمة هي جهات أعلى مما يتصور، وهمس له من تكون ففغر جوهر فمه وجحظت عيناه قليلا وتساءل:

– وصل الأمر إلى هناك؟

– نعم يا رفيق جوهر.. هذا رئيس يا أخي .. مش مدير  ناحية ..  ماذا تظن إذا.. المساعد عبدو اللي شطب اسمك؟ .. المساعد عبدو لا يمون على مؤخرته في هذه الموضوعات، هذه أمور لا مزاح فيها، ما أدراهم أن تحت الجبصين مواد ناسفة أو سلاح ما..

قفز جوهر وضرب بكفه على صدره مستغربا :

– أنا؟

– يا أخي أنا أعرفك.. ولكن هؤلاء لا يعرفونك، وحتى لو عرفوك، فهذا أمر لا مجاملة فيه، ربما وأنت نائم تسللت الإمبريالية ووضعت لك قنبلة موقوتة تحت الجبصين يا أخي.. من دون أن تعلم

– أفففف.. وأنا نائم سيفعلون كل هذه الأشياء؟ إذا كان الشخص ميتا سيحس .

– يا أخي مخدر.. الإمبريالية خدرتك ووضعت القنبلة الموقوتة بالجبصين.

– لا مشكلة، أُحضر معي صورة أشعة تثبت أنه لا يوجد تحت الجبصين شيء..نحن في عصر العلم والتقنيات

– وما أدراهم أن هذه الصورة ليدك أنت تحديدا؟  شغل مخك يا رفيق جوهر

– أحضر لهم تقريرا من الطبيب أن الصورة ليدي؟

– وما الذي أدراك أن الإمبريالية الأمريكية لم تشتر الطبيب .

– وحد الله يا رفيق، الإمبريالية لن تشتري نصف الشعب السوري لكي تضع لي قنبلة تحت الجبصين.

عندها انفجر أبو طارق ولم يعد يحتمل

– أخي، ما لك لقاء مع السيد الرئيس، وأعلى ما في خيلك اركبه، العمى، ما هذا يا.

تأمل جوهر أبا طارق طويلا وكله يرتجف وشفتاه تتراقصان على وشك أن تنطقا شيئا مهما، ولكنه فضل عدم الكلام واكتفى بحركة من يده تدل على مدى ضيقه وانزعاجه واستدار منصرفا.

في الطريق كان جوهر ينتحب ولكن دون أن يذرف دمعا، ربما من الأصح القول إن روحه كانت تنتحب، وكان قد استسلم للأمر الواقع وأدرك أنه لا مجال للقاء الرئيس، ولكن أبو أنيس الذي ندهه من الخلف أيقظه من نحيب روحه، وأيقظ له جروحه حين أعلمه أن الإطار جاهز، ولكن ورغم الحسرة التي سيطرت عليه عندما شاهد الإطار في محل أبو انيس المصور، فقد تفتق ذهنه عن فكرة ربما تحل له موضوعه، فطلب من ابو أنيس الحفاظ على الإطار عنده في المحل ريثما يعود.

كما اقتحم جوهر مكتب أبي طارق في قيادة الفرقة، قام باقتحام مكتب الطبيب مدير المستوصف، الذي قام بتجبير يده، مما جعل الطبيب يجفل بادئ الأمر، وكان ينوي أن يوبخ جوهر على طريقته في الدخول عندما يلتقط أنفاسه، ولكن جوهر لم يفسح له المجال أبدا، فقد طلب منه فور دخوله أن ينزع له الجبس، مبررا طلبه بأن اليد يده وهو حر فيها، ولكن الطبيب تعامل مع طلبه كما يتعامل مع شخص مختل عقليا، وحاول أن يشرح له المضاعفات التي ربما تحصل إذا فك الجبس، غير أن جوهر لم يدعه يكمل، إذ أخرج من جيبه حفنة من النقود الورقية والمعدنية ودسها في جيب مريول الطبيب قائلا:

– حلال زلال عليك دكتور..فك لي الجبصين.

فما كان من الطبيب إلا أن طرده ورمى له النقود في إثره، فقام جوهر بجمعها بيد واحدة موجها عدة تهم للطبيب، أهمها انه لا يقوم بخدمة المواطنين إلا بالواسطة، وهذا جعله يفكر بموضوع الواسطة  فاتصل بأحد أقاربه الذي تربطه علاقة جيدة بالطبيب وطلب منه أن يقوم بواسطة الخير، فجاء قريبه وطلب من الطبيب أن يساعد جوهر، ولكن القريب عندما علم ما هو الموضوع الذي يتوسط فيه شعر بخجل كبير وطرد جوهر بدوره كما يطرد ولدا مذنبا.

 خرج جوهر ممتعضا وقد بدأت تسيطر عليه فكرة المؤامرة، ولم يخرج من باب المستوصف حتى كانت قد اتضحت خيوط هذه المؤامرة:

– السفلة، أنا أهتم بمطالبهم وأذهب إليهم لتسجيلها وهم يطعنونني في الظهر ويجلسونني على كرسي مكسور.

وهكذا فقد تبين أن أفراد العائلة المنافسة وراء الموضوع، وأن الطبيب منخرط معهم في المؤامرة، وما قصة الكسور الثلاثة المضاعفة إلا أسطورة من نسج خياله من اجل تعقيد الموضوع، أيعقل أن يصاب شخص سقط عن كرسي بثلاثة كسور مضاعفة؟ هراء.

لم يتمالك أمين الفرقة نفسه وانفجر ضاحكا حين سمع بفرضية  المؤامرة مما حدا بجوهر لاتهامه بالاشتراك بالمؤامرة، وبالإساءة  لأهداف الحزب في العدالة والمساواة، وأنهم يميزون بين المواطنين، ولم يتوانَ عن القيام بنقد لاذع تداعى إلى ذهنه مع تيار التداعيات التي كانت تنساب في رأسه، فاتهمه بالتملق وبأنه انتهازي، وقد حرم جوهر من المشاركة ليس بسبب الدواعي الأمنية كما ادعى، وإنما لأن جوهر لا يستطيع التصفيق بيد واحدة، ولكي يدحض له أمين الفرقة أقواله ذكره بأن عصام بيد واحدة وأن اسمه في رأس القائمة، وبما أن كل كلمة في هذه الساعات العصيبة على جوهر كانت توحي له بمخرج جديد من الأزمة، فقد خطر له أن يتخلص من يده، وتوجه فورا إلى المستوصف ليطلب من الطبيب قطعها بحجة إصابتها بالغرغرينا، ولكنه في الطريق هدأ قليلا وسخر من نفسه على هذه الفكرة السخيفة، وغير طريقه متوجها باتجاه موقف الباص الذي يتوجه إلى قريتهم، واستسلم مرة أخرى للأمر الواقع وعادت روحة تنتحب من جديد.

ولكن وكما كانت تقول أمه (لا شدة على مخلوق دامت) فقد سخر له القدر شخصا من معارفه القدماء قادم إلى القرية في زيارة لأهله، سأله عن أحواله وسبب هذا الحزن الذي يتدفق من عينيه، ما دفع جوهر لأن يتنهد بحسرة ويقول:

– إييه.. وظلم ذوي القربى أشد (مظاظة) على النفس..

ثم شرح له حجم المؤامرة المحاكة ضده وما جرى من أمر اللقاء، فنصحه الصديق بأن لا يستمع إلى كل هؤلاء ويتوجه إلى المساعد إسماعيل وهو يحل له كل المشاكل.

ولأن الغريق يتعلق بقشة فقد نزل جوهر من الباص فورا وركب في الباص المعاكس وتوجه إلى المساعد إسماعيل في أحد الفروع الأمنية، المساعد إسماعيل الملقب  بأبي صبحي لم يتركه يكمل كلامه  وضغط زرا في الهاتف قبل أن يفهم ما يجري ووضعه على السماعة الخارجية، حيث سمع جوهر صوت الرفيق أبي طارق على الطرف المقابل يقول:

– آلو..

ثم دار الحوار الذي سمعه جوهر كله وقام فيه المساعد إسماعيل بتوبيخ أبي طارق كما لو أنه يوبخ ولدا صغيرا، وبنفس الوقت كان أبو طارق يتحمل الإهانات صاغرا، وعلم جوهر أن التضحية به تمت لا بسبب الدواعي الأمنية كما قال أبو طارق ولا بسبب الجبس، وأن ذلك جرى فقط لأن المتنفذين في الناحية يريدون تسجيل معارفهم وأقاربهم، وكاد جوهر يجن جنونه عندما علم بوجود اسم أحد أولئك الذين يسميهم جوهر بالمعارضة فقال لأبي طارق موبخا عندما التقاه:

– ألا تخجل من نفسك؟ تشطب من القائمة اسم (المناظل) وتضع اسم (المعارظ)

وهكذا عادت الأمور إلى مجاريها وعاد جوهر يسجل المطالب وأخذ الإطار من محل أبي أنيس ودفع ثمنه وجلس ينتظر اللقاء المنشود ويعد حتى الدقائق في انتظاره.

وأخيرا جاء الموعد ووجد جوهر نفسه يقف في آخر طابور مؤلف من ثلاثين شخصا يخضع الواقفون فيه لعملية تفتيش دقيقة قبل أن يسمح لهم بالدخول، وعندما وصل الدور إلى جوهر تم تفتيشه وبطبيعة الحال لم يعثر على ما يثير الشبهات وكاد الحلم يتحقق لو أن جوهر لم ينس هويته في البيت، عندما طلبوها منه في البداية مد يده بثقة  إلى جيب جاكته الداخلي ولكنه لم يجد شيئاـ ثم إلى جيب شرواله، فلم يجد هناك شيئا أيضا، عندها اخذ ينقب كالمجنون في جيوبه التي لم يعثر فيها على ما يثبت شخصيته فطلب منه الحراس أن يغادر المكان، وعبثا كان يحاول أن يستدعي لهم شهودا يثبتون أنه جوهر المسجل اسمه في اللائحة، حيث حمله شخص ووضعه عند السور الخارجي وطلب من الحراس عدم السماح له بالدخول.

في هذه المرة وعندما كان جالسا في الباص العائد إلى القرية لم تكن روح جوهر فقط التي تنتحب، كان كل شيء فيه ينتحب كانت دموعه تنهمر بصمت وكان يتنهنه بين الحين والآخر، ولم يتحرش به أحد سائلا عن السبب ، فالجميع كانوا يعرفون السبب.

عانى جوهر من الاكتئاب لأكثر من شهر ثم حمل الإطار وأخذه إلى دكان عبودي الذي نظر إلى جوهر الواقف داخل أضلاع الإطار ممسكا به من طرفيه بكلتا يديه وسأله عندما اقترح عليه جوهر أن يعرضه في دكانه فربما يشتريه أحد أبناء البلد فلا يضطر لحمله مرة أخرى إلى محل المصور أبي أنيس ليبيعه له بنصف ثمنه، فقبل عبودي العرض وسأله عن هذا  الإطار فقال جوهر:

– هذا إطار الصورة.

– أي صورة؟

سأل عبودي مستوضحا، فأجابه جوهر:

– الصورة التي لم أتصورها.

————————————————————————-

ممدوح حمادة

المنشورات ذات الصلة