ميديا – الناس نيوز ::
توماس فريدمان – نيويورك تايمز – وأنا أشاهد اليوم حرب إسرائيل وحماس في غزة فأنني أفكر في أحد زعماء العالم الذين أعجبت بهم كثيرًا: مانموهان سينغ.
كان سنغ رئيسًا لوزراء الهند في أواخر نوفمبر 2008، عندما اخترق عشرة مسلحين جهاديين باكستانيين من جماعة لشكر طيبة، والتي يُعتقد على نطاق واسع أنها مرتبطة بالمخابرات العسكرية الباكستانية، الهند وقتلوا أكثر من 160 شخصًا في مومباي، بمن فيهم 61 شخصًا في فندقين فاخرين.
ماذا كان رد سينغ العسكري على النسخة الهندية من هجمات 11 سبتمبر؟
لم يفعل شيئًا.
لم ينتقم سينغ عسكريًا من باكستان أو معسكرات لشكر طيبة في باكستان ابدًا. كان تحفظًا مذهلاً.
شرح وزير خارجية الهند في ذلك الوقت، شيفشانكار مينون في كتابه “الخيارات: داخل صنع السياسة الخارجية الهندية” السبب وراء قرار سينغ الشهير، مع إبراز هذه النقاط الرئيسية:
كتب مينون “ضغطت أنا نفسي في ذلك الوقت من أجل القيام بانتقام مرئي فوري” ضد قواعد الجهاديين أو ضد المخابرات العسكرية الباكستانية، “التي كانت واضحة في تواطئها”، “القيام بذلك كان سيكون مرضيًا عاطفيًا إلى حد ما وسيساعد على محو عار عدم كفاءة الشرطة ووكالات الأمن الهندية التي أظهرتها”.
وتابع قائلاً: “لكن بعد التفكير الرزين وبأثر رجعي، أعتقد أن القرار بعدم الانتقام عسكريًا والتركيز على الوسائل الدبلوماسية والسرية وغيرها كان القرار الصحيح في ذلك الوقت والمكان”.
كان السبب الرئيسي بينها، كما شرح مينون، هو أن أي رد عسكري كان سيخفي بسرعة مدى فظاعة وسوء الهجوم على المدنيين والسياح الهنود؛ “حقيقة هجوم إرهابي من باكستان على الهند مع تورط رسمي على الجانب الباكستاني” كان سيضيع.
ما إن تنتقم الهند، سيكون لدى العالم على الفور ما يسميه مينون “ردة فعل عادية” وهو اعتبار ما يجري مجرد اشتباك باكستاني هندي آخر – لا شيء غير عادي هنا.
علاوة على ذلك، كتب مينون، “هجوم هندي على باكستان كان سيوحد باكستان خلف الجيش الباكستاني، الذي كان يواجه ازدراءً محليًا متزايدًا”، و”كان الهجوم على باكستان سيضعف أيضًا الحكومة المدنية في باكستان، التي انتُخبت للتو، والتي سعت إلى علاقة أفضل بكثير مع الهند مما كان الجيش الباكستاني على استعداد للنظر فيه” وتابع قائلاً: “كانت حربا وهمية، وربما حربا حقيقية، هي بالضبط ما كان يريده الجيش الباكستاني لدعم موقفه الداخلي”.
بالإضافة إلى ذلك، كتب أن “الحرب، حتى الحرب الناجحة، كانت ستفرض تكاليف وتعيق تقدم الاقتصاد الهندي في الوقت الذي كان فيه الاقتصاد العالمي في أزمة مالية غير مسبوقة في نوفمبر 2008”.
وفي الختام، قال مينون إنه “من خلال عدم مهاجمة باكستان، كانت الهند حرة في السعي لجميع الوسائل القانونية والسرية لتحقيق أهدافها في تقديم مرتكبي الجرائم إلى العدالة، وتوحيد المجتمع الدولي لفرض عواقب على باكستان لسلوكها وتعزيز احتمال عدم وقوع هجوم مماثل مرة أخرى”.
أدرك أن إسرائيل ليست الهند – بلدًا يضم 1.4 مليار نسمة، يغطي أراضٍ واسعة.
إن فقدان أكثر من 160 شخصًا في مومباي، بعضهم من السياح، لم يتم الشعور به في كل بيت وقرية، كما شعر الإسرائيليون بوفاة وتشويه واختطاف ما يقرب من 1400 إسرائيلي على أيدي حماس، كما تمتلك باكستان أسلحة نووية لردع الانتقام، لكن من المفيد تأمل التباين بين رد الهند على الهجوم الإرهابي في مومباي ورد إسرائيل على مذبحة حماس.
بعد الرعب الأولي من وحشية هجوم حماس غير المسبوق على الأطفال وكبار السن الإسرائيليين وحفلة الرقص، ماذا حدث؟ لقد تحول السرد بسرعة إلى وحشية الهجوم الإسرائيلي المضاد على المدنيين الغزيين، الذين انغمست حماس بينهم.
خففت الضربة الإسرائيلية المضادة الضخمة من رعب حماس وجعلتهم بدلاً من ذلك أبطالاً في نظر البعض، كما أجبرت حلفاء إسرائيل العرب الجدد في اتفاقيات إبراهيم على ابعاد أنفسهم عن الدولة اليهودية.
وفي الوقت نفسه، مع استدعاء حوالي 360 الفًا من الجنود الاحتياط من المرجح تقريبًا أن يتراجع الاقتصاد الإسرائيلي إذا استغرق طرد إسرائيل لحماس من غزة أشهرًا.
حيث من المتوقع أن يتقلص الاقتصاد الإسرائيلي أكثر من 10٪ على أساس سنوي للأشهر الثلاثة الأخيرة من العام، هذا بعد أن صنفت مجلة ذي إيكونوميست اقتصاد إسرائيل في المرتبة الرابعة بين أفضل الاقتصادات أداءً بين دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عام 2022.
على المستوى الشخصي، أنا مصدوم من رد فعل أولئك الطلاب والتقدميين الذين انحازوا إلى حماس ضد إسرائيل – في بعض الحالات، حتى قبل أن تنتقم – كما لو أن الشعب اليهودي لم يكن مخولاً بتقرير المصير أو الدفاع عن النفس في أي جزء من وطنهم الأصلي.
يفشل هذا الرد في الانتباه أيضًا إلى أن إسرائيل، مع كل عيوبها، هي مجتمع متعدد الثقافات حيث يشكل العرب والدروز تقريبًا نصف الاطباء المتخرجين اليوم، في مقابل ان حماس لا تتسامح مع المعارضة أو الأفراد من مجتمع الميم وكرست نفسها لمحو الدولة اليهودية من على وجه الأرض.
لذلك أشعر بالتعاطف مع الخيارات المروعة التي واجهتها حكومة إسرائيل بعد أسوأ مذبحة لليهود منذ المحرقة، لكنني نظرًا لمتابعتي الوثيقة لرد سينغ الفريد على الهجمات الإرهابية في مومباي، دعوت على الفور إلى رد إسرائيلي أكثر دقة ومدروسًا بعناية.
كان يجب أن تسمي هذه العملية إنقاذ رهائننا وتركز على القبض على قتلة الأطفال وكبار السن وقتلهم حيث يمكن لكل أب وأم فهم ذلك.
لكن حكومة نتنياهو سارعت على الفور إلى تنفيذ خطة لـ “محو” حماس “من على وجه الأرض” كما قال وزير الدفاع يوآف غالانت، وفي غضون ثلاثة أسابيع ألحقت إسرائيل بسهولة أكثر من ثلاثة أضعاف عدد الضحايا المدنيين والدمار في غزة مما لحق بإسرائيل، في حين التزمت بالسيطرة العسكرية على غزة – عملية تعادل، على أساس السكان النسبي، قرار الولايات المتحدة تقريبًا باحتلال نصف المكسيك في وقت قصير، وستكون خطة إسرائيل، وفقًا لنتنياهو، “معركة طويلة وصعبة” لـ “تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس وإعادة الرهائن إلى الوطن”.
كما قلت، إسرائيل ليست الهند، ولا يمكن توقع أن تقدم الخد الآخر – ليس في منطقة الشرق الأوسط، ولكن ما هي خطة نتنياهو؟
يقول لي المسؤولون الإسرائيليون الذين أتحدث إليهم إنهم يعرفون أمرين بالتأكيد: أن حماس لن تحكم غزة مرة أخرى، وأن إسرائيل لن تحكم غزة ما بعد حماس، ويشيرون إلى أنهم سيضعون ترتيبًا يشبه ما يُرى اليوم في أجزاء من الضفة الغربية، مع إدارة الفلسطينيين في غزة للحياة اليومية وفرق الأمن العسكرية الإسرائيلية وشين بيت توفر القوة العسكرية في الخلفية.
هذه عبارة عن خطة غير مكتملة الأركان.
من هم هؤلاء الفلسطينيون الذين سيتم تجنيدهم لحكم غزة نيابة عن إسرائيل؟ وماذا يحدث صباح اليوم التالي بعد أن يتم العثور على فلسطيني يعمل لصالح إسرائيل في غزة مقتولاً في زقاق مع ملاحظة مثبتة على صدره: “خائن” بتوقيع من “الجناح السري لحماس”.
علاوة على ذلك، من سيدفع ثمن سيطرة إسرائيل والرعاية الصحية والتعليم لـ 2.2 مليون شخص في غزة؟ ارجو ان ترفع يدك إذا كنت تعتقد أن الاتحاد الأوروبي أو دول الخليج العربية أو الكتلة التقدمية الكبيرة في مجلس النواب الأمريكي ستمول الإشراف الإسرائيلي غير المحدود على غزة، في نفس الوقت الذي تعهد نتنياهو وعصابته من المتعصبين اليهود بضم الضفة الغربية دون المساواة في الحقوق للفلسطينيين هناك.
يمكن أن ترهق تكلفة احتلال غزة الجيش والاقتصاد الإسرائيلي لسنوات قادمة.
فوق كل ذلك، كيف ستتمكن إسرائيل من إدارة عملية معقدة للغاية عندما لا يوجد – لأسباب وجيهة – ثقة كافية في نتنياهو؟
أشار نتنياهو إلى رؤساء الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية وشين بيت على أنهم المسؤولون عن فشل اكتشاف الهجوم المفاجئ لحماس بينما تبرأ من أي لوم، وبعد يوم واحد، أجبر الرأي العام الإسرائيلي المغتاظ رئيس الوزراء على سحب اتهاماته التي اطلقها خلال زمن الحرب ضد زملائه، ولكن كان الضرر قد وقع فعلا.
ليس لدى نتنياهو فريق يدعمه من القادرين على طرح الاسئلة الصعبة بل لديه فريق من الأشخاص ُطلب منهم اتخاذ خيارات مؤلمة طويلة المدى مع معرفتهم أن رئيس وزرائهم شخص ذو اخلاق منخفضة للغاية بحيث سيلومهم على كل ما يسير بشكل خاطئ ويستأثر بكل الفضل على أي شيء يسير بشكل صحيح.
باختصار يا عزيزي القارئ، أنا أفهم لماذا تعتقد إسرائيل أنها بحاجة إلى تدمير حماس وبالتالي ردع الآخرين في المنطقة من التفكير في مثل هذا الأمر، ولكن الرؤية من واشنطن هي أن قيادة إسرائيل لا تملك خطة قابلة للتنفيذ لتحقيق النصر أو قائد يمكنه التعامل مع ضغوط وتعقيدات هذه الأزمة.
تحتاج إسرائيل إلى معرفة أن تحمل حليفتها الأمريكية لحصيلة القتلى المدنيين الكبيرة في غزة في عملية عسكرية مفتوحة النهاية محدود، وفي الواقع، قد نقترب قريبًا من الحد.
يجب على إسرائيل إبقاء الباب مفتوحًا لوقف إطلاق نار إنساني وتبادل الأسرى مما سيسمح أيضًا لإسرائيل بالتوقف والتفكير بالضبط في المكان الذي تتجه إليه مع عمليتها العسكرية المتسرعة في غزة – والثمن الذي يمكن أن تدفعه على المدى الطويل.
لهذا السبب أثير المثال الهندي هنا، لأن الاستخدام المستهدف للقوة بأهداف محدودة وقابلة للتحقيق قد يخدم أمن إسرائيل وازدهارها على المدى الطويل أكثر من حرب مفتوحة النهاية لاستئصال حماس.
يمكن لمثل هذا التوقف أيضًا أن يتيح لسكان غزة تقييم ما فعله هجوم حماس على إسرائيل – ورد فعل إسرائيل المتوقع تمامًا – بحياتهم وعائلاتهم ومنازلهم وأعمالهم.
ماذا كانت حماس تعتقد بالضبط أنها ستنجزه من هذه الحرب لسكان غزة، والآلاف منهم كانوا يذهبون إلى العمل في إسرائيل كل يوم أو يصدرون المنتجات الزراعية وغيرها من السلع عبر الحدود بين غزة وإسرائيل قبل بضعة أسابيع فقط؟
حصلت حماس على الكثير من التفهم ولم تحصل على ما يكفي من الأسئلة الصعبة.
أريد أن أرى قادة حماس يخرجون من أنفاقهم تحت المستشفيات وينظرون شعبهم، ووسائل الإعلام العالمية، في العين ويخبروننا جميعًا لماذا اعتقدوا أن تشويه واختطاف أطفال وأناس مسنين وتشويههم وإطلاق هذا الرد الفعل المروع على أطفال ومسني غزة ومن بينهم من هم جيرانهم وأفراد عائلاتهم ايضا.
لطالما اعتقدت أنه يمكن تلخيص الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ أوائل القرن العشرين في سطر واحد: صراع، ثم هدنة، صراع، ثم هدنة، صراع، ثم هدنة، صراع، ثم هدنة، صراع ثم هدنة لكن الفرق الأهم بين الطرفين هو ما فعله كل منهما خلال فترات التوقف.
بنت إسرائيل مجتمعًا واقتصادًا مثيرًا للإعجاب، حتى لو كان معيبًا، واستخدمت حماس معظم مواردها وبنت أنفاقا هجومية.
ارجوك يا إسرائيل، لا تضيعي في تلك الأنفاق.