عمر أبو نبوت – الناس نيوز :
إعلان رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد،الأحد 25 يوليو/تموز 2021، تجميد عمل واختصاصات المجلس النيابي لمدة 30 يوماً، رفع الحصانة البرلمانية عن أعضاء مجلس نواب الشعب، ترؤس النيابة العمومية، إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي من مهامه، وتولي رئاسة الجمهورية السلطة التنفيذية بمساعدة حكومة جديدة يرأسها رئيس حكومة سيتم تعيينه من قبل رئيس الجمهورية، ولكنه يبقى مسؤولاً وحكومته أمام الأخير.
وقد أثار هذا الإعلان الرأي العام العربي والغربي حول دستورية القرارات الصادرة عن رئاسة الجمهورية.
حيث صنفت ( حسب بعض التيارات ) بالخطيرة التي تهدد الديمقراطية التونسية الفتية بعد تفعيل رئاسة الجمهورية حالة الاستثناء المنصوص عليها بالفصل ( المادة ) 80 من الدستور التونسي.
أزمة صحية
تعيش الجمهورية التونسية أزمات متعددة بلغت ذروتها في 25 يوليو/تموز 2021 في الذكرى الرابعة والستين لإعلان الجمهورية.
حيث شهدت تونس تحركات شعبية في مختلف المدن مطالبة بحل مجلس نواب الشعب وبرحيل الحكومة، وذلك بسبب سوء إدارة السلطة الحاكمة للأزمة الصحية المتمثلة بجائحة “كوفيد-19”. حيث سجلت وزارة الصحة التونسية يوم السبت 24 يوليو/تموز 2021 أعلى نسبة يومية في وفيات “كوفيد-19” والتي وصلت إلى 317 وفاة.
كما أعلنت تسجيل أكثر من 5624 إصابة جديدة بــ “كوفيد-19”.
وفي السياق نفسه، قالت منظمة الصحة العالمية بأن تونس تشهد أعلى حصيلة يومية لوفيات “كوفيد-19” في أفريقيا والعالم العربي.
في حين، يؤكد بعض المحللين بأن الأزمة الصحية خلقت صراعاً جديداً بين قصر قرطاج الرئاسي وقصر الحكومة بالقصبة، فهناك حالة عدم تنسيق وتوافق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حول آلية إدارة الأزمة الصحية.
ويقول البعض إن الرئيس سعيد ، هو جزء من الأزمة عبر توظيف سياسي شعبوي للمساعدات من شأنه أن يساهم في تعميق الأزمة السياسية والصحية، في ظل العجز عن التوصل إلى الاستفادة من هذه المساعدات التي ما زال أغلبها مخزن ولم يوجه لمستحقيه.
وتلقت تونس إمدادات شملت أكثر من ثلاثة ملايين جرعة لقاح من عدة بلدان عربية وغربية.
أزمة مالية واقتصادية
تعاني تونس أيضاً من أزمة إفلاس تراجع فيها الإنتاج والخدمات وتزايدت فيها البطالة وتدهور فيها مستوى معيشة الشعب.
وتشير مؤشرات التدهور إلى ارتفاع معدل البطالة الرسمي إلى 18 بالمائة وانكماش الاقتصاد بمستوى وصل إلى 9 بالمئة خلال العام الماضي 2020، كما تعاني المالية العمومية عجزاً مالياً بلغ 11.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
أزمة عدم وجود أغلبية برلمانية
هذه الأزمات الصحية والاقتصادية ناجمة عن الشلل السياسي بين السلطة التنفيذية والتشريعية. حيث شلت الخلافات بين رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب إدارة البلاد والسلطات العامة. وأشارت فرانس انفو إلى أنه “جاء إعلان تطبيق الفصل 80 من الدستور من قبل قيس سعيد لإنهاء حالة عدم الاستقرار في البلاد والانسداد السياسي الدائم”.
ولفهم كيف وصلت تونس إلى مثل هذه الأزمة السياسية، يجب الرجوع إلى الوراء لمدة عامين. في عام 2019 شهدت الجمهورية التونسية انتخابات رئاسية فاز فيها قيس سعيد، وهو مرشح مستقل، بنسبة 72% من الأصوات. لكن، بعد الانتخابات التشريعية لم تتشكل أغلبية مطلقة في مجلس النواب التونسي مما فرض على الأحزاب التونسية مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية. وتحتاج أي حكومة إلى 109 مقاعد كحد أدنى لتأمين نسبة خمسين زائد واحد الضرورية لنيل الثقة.
وأوضح الباحث في مركز البحوث الدولية لمعهد العلوم السياسية في باريس، بيليغ نابلي، بأنه “لا توجد أغلبية واضحة يمكن أن توجه قرارات البرلمان أو الحكومة. إن غياب الأغلبية السياسية الواضحة هو الذي أدى إلى تأجيج الانسداد المؤسسي”.
فقد تم تعيين ثلاثة رؤساء للحكومة في أقل من عام بسبب عدم وجود أغلبية واضحة.
ويتابع نابلي “إنها ليست مواجهة أيديولوجية بقدر ما هي مواجهة مع من هم في السلطة. القضية الجوهرية هي معرفة من يمارس السلطة فعلياً داخل نظام طبيعته معقدة للغاية، لا سيما أن الدستور حديث، والديمقراطية فتية”.
وينص الدستور التونسي على نظام برلماني مختلط يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات محدودة، محصورة في مجالات الدبلوماسية والأمن. وينهي الباحث نابلي “مع قرار الرئيس قيس سعيد بتطبيق الفصل 80 من الدستور تبحث الديمقراطية الفتية عن نفسها، “لمعرفة ما إذا كان النظام السياسي التونسي رئاسياً أم برلمانياً”.
ومن المرجح تعديل النظام السياسي التونسي من نظام برلماني إلى نظام رئاسي يعطي رئيس الجمهورية صلاحيات ومسؤوليات أوسع في إدارة البلاد. وسبق أن ألمح قيس سعيد منذ حملته الانتخابية قبل عامين إلى رغبته في تغيير النظام إلى نظام رئاسي.
غياب المحكمة الدستورية التونسية يعتبر نقطة هامة في الأزمة السياسية الراهنة. حيث يفترض من المحكمة الدستورية الفصل في الخلافات القانونية الدستورية بين مؤسسات الدولة ولتجاوز الشلل السياسي بين السلطةالتنفيذية والتشريعية. أكدت صحيفة واشنطن بوست أن “بعد 7 سنوات منالمصادقة على الدستور، أدى الخلاف السياسي بشأن تشكيل المحكمة إلى منع إنشائها”.
في حين بدأ حزب النهضة في إعادة النقاش في مجلس النواب للتصويت على قانون المحكمة الدستورية من أجل وضع حداً للخلافات السياسية، كان لرئيس الجمهورية قيس سعيد رأي آخر على ذلك وقال “القوانين أصبحت توضع على المقاس، كاللباس وكالحذاء ولن أقبل بوضع قوانين على مقاس الحكام. لن أقبل بمحكمة لتصفية الحسابات. بعد أكثر من خمس سنوات وبعد سبات عميق وبعد شقاق، تذكرو المحكمة الدستورية الآن”
الرأي العام التونسي
انقسم الرأي العام التونسي والعربي وحتى الغربي في الساعات التي أعقبت إعلان الرئيس قيس سيعد، تجميد أعمال البرلمان وإعفاء الحكومة، إلى معارضين وموالين، في حين تجمعت حشود شعبية ضخمة لدعم قرارات رئاسة الجمهورية في العاصمة وعدة مدن أخرى، تعالت المظاهرات المناهضة لهذه الإجراءات في شوارع تونسية أخرى وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
ويصف البعض قرارات الرئيس بـ “المنطقية”،قائلين إنها تعبر عن حالة الغضب الشعبي من “فشل المنظومة السياسية التي قادت تونس إلى أن تصبح دولة فاشلة على جميع الأصعدة، الصحية والاقتصادية الاجتماعية، مضافا إليها أزمة سياسية خانقة”.
ويتمثل صوت حزب النهضة ( الأخوان المسلمين ) بوصف بلقاسم حسن، عضو المكتب السياسي لحزب النهضة، الاحتفالات بـ “الانقلاب””هناك من يعارض الحكومة والبرلمان والنهضة” التي تشكل أكبر كتلة نيابية في المجلس (54 نائب من أصل 217).
ونقلت واشنطن بوست عن الأستاذ في كلية ويليام وماري بالولايات المتحدة، شاران غريوال، قوله: “لا يزال قيس سعّيد الشخصية الأكثر شعبية في تونس، وبعيداً عن قاعدته، من المرجح أن تروق تحركاته أيضاً للتونسيين الذين يسعون إلى رئاسة قوية”. وذكرت الصحيفة أن المشاعر الشعبية تبدو إلى حد كبير إلى جانب الرئيس، مع تصاعد الانتقادات للحكومة في الأشهر الأخيرة، مشيراً إلى أنه حافظ على دعم قوي في استطلاعات الرأي العام.
تعيش الجمهورية التونسية أزمات خطرة منذ بدء الربيع العربي، وتمثل الأزمة السياسية الراهنة اختباراً وجودياً لمصير الديمقراطية التونسية الفتية.
كما أن الأزمة السياسية الراهنة لا تكمن في خلاف شخصي أيديولوجي ضد النهضة، إنما في فشل الحكومات التونسية السابقة في إدارة الأزمات المالية، الاقتصادية، الصحية والسياسية في ظل انتشار الفساد في بعض المؤسسات وغياب دور المحكمة الدستورية.