الناس نيوز – كسينيا سفيتلوفا
ترجمة د. علي حافظ
أثار الاستطلاع الذي نشره موقع إلكتروني غير معروف مؤيد للكرملين، مناقشات حول رفض هذا الأخير المحتمل دعم الرئيس السوري بشار الأسد – حليف روسيا في الشرق الأوسط منذ فترة طويلة. على الرغم من أن عدم الرِضا عن الأسد ينمو فعلياً في موسكو، فلا يوجد سبب للاعتقاد بأن فلاديمير بوتين غير لعبته في المنطقة.
في منتصف أبريل/نيسان، نشرت منظمة غير معروفة مؤيدة للكرملين تدعى “صندوق حماية القيم الوطنية” استطلاعاً للمواطنين السوريين على موقعها على الإنترنت fznc.world. (تم حذف المادة منذ ذلك الحين، ولكن نسخة غوغل المخفية لا تزال متاحة). بحسب الاستطلاع، لا يرى السوريون أي تغييرات إيجابية في حياتهم، مشيرين إلى عدد من المشاكل الخطيرة في البلاد، بما في ذلك انخفاض الأجور ومستوى المعيشة والفساد وانقطاع التيار الكهربائي وغياب السلطات المحلية المؤهلة.
من الواضح أن كل هذه المشاكل ستصبح محورية في الأجندة السياسية لعام 2021، عندما ستُجرى الانتخابات الرئاسية المقبلة في سوريا.
أظهر الاستطلاع أن 32 ٪ فقط من السوريين مستعدون للتصويت لصالح الرئيس الحالي بشار الأسد، بينما يزداد الطلب على “سياسيين أقوياء جدد” وإصلاحات اقتصادية.
جذب منشور الصندوق اهتمام وسائل الإعلام السعودية والقطرية والإسرائيلية وحتى الأمريكية، مما أثار نقاشات حول ما إذا كان الاستطلاع يعكس نوايا الكرملين بإخراج الأسد من السلطة.
الصراع الأخير بين الأسد وابن خاله المؤثر رامي مخلوف المخزي، زاد من اشتعال النار على ما يبدو: حتى هذه اللحظة، كان من غير الوارد أن يقف الأسد ضد أقاربه خلال عمليات تطهير النخبة من رجال الأعمال الفاسدين.
اقترح بعض الخبراء أن مخلوف يمكنه الآن معارضة الأسد، وتشكيل تهديد له. ومع ذلك، فإن هذا مثير للجدل إلى حد كبير، لأن ابن الخال المظلوم سيضطر إلى العمل بمفرده، ليس فقط في مواجهة الأسد، وإنما أيضاً جيشه، الذي تسيطر عليه روسيا بشكل أساسي.
للإجابة على سؤال حول خطط الكرملين فيما يتعلق بالأسد، يمكنك إلقاء نظرة على مصدر الاستطلاع.
يسيطر على “صندوق حماية القيم الوطنية” وموقعه الإلكتروني الأوليغارشي يفغيني بريغوجين، الذي يرتبط بعلاقات وثيقة مع فلاديمير بوتين، ويملك الشركة العسكرية الخاصة “فاغنر” العاملة في سوريا وليبيا ودول أفريقية أخرى. علاوة على ذلك، فإن وسائل الإعلام الروسية، التي نشرت نتائج الاستطلاع وأطلقت مناقشات حول التغيير القادم للأسد، تخضع أيضاً لسيطرة بريغوجين.
من الواضح أن جميع القرارات المهمة في روسيا يتخذها شخص واحد، لكن الأشخاص في دائرته، سواء في القيادة السياسية أو بين النخبة التجارية، لديهم وجهات نظر مختلفة ومتضاربة في بعض الأحيان حول سوريا والأسد. من أجل ذلك اشتكى العام الماضي العديد من رجال الأعمال الروس بأنهم لا يحصلون على فوائد مرجوة من الوجود الروسي المهيمن في سوريا: على سبيل المثال ما يتعلق بالعقود الحكومية لاسيما في قطاع الطاقة.
في بداية هذا العام، وقع بريغوجين على عدد من الاتفاقيات مع الحكومة السورية، ولكن تأجّل تنفيذها.
قد يكون سبب الاستطلاع أيضاً عدم رضا موسكو عن سلوك الأسد. فالموقف السلبي يختمر لسنوات عديدة، ولكن في ظل الأزمة الحالية يمكن أن يصل إلى نقطة الغليان.
هناك رواية أخرى مفادها أن الكرملين، من خلال نشر نتائج الاستطلاع، يحاول إرسال إشارة إلى الغرب، حيث يوجد الآن نقاش حول ما تريد موسكو حقاً قوله.
يمكن للمرء أن يجادل حول ما إذا كانت نتائج الاستطلاع توحي بنتيجة الخلافات التجارية بين بريغوجين والنظام السوري، أو برسالة الكرملين إلى دمشق أو الغرب؛ ولكن هناك شيء واحد واضح: لا يتم الحفاظ على الوجود الروسي في سوريا من أجل الأسد، ولكن باسم مصالح الكرملين. وطالما أن الأسد يخدم هذه المصالح، فسيبقى في السلطة.. هناك حجتان على الأقل لدعم هذا الموقف:
أولاً، على الرغم من أن الأسد أبعد ما يكون عن الشريك المثالي لموسكو (لم يكن لدى الكرملين أي أوهام بشأنه)، فهو السياسي الوحيد الذي دعا روسيا رسمياً لمحاربة “داعش” في سوريا.. غالباً ما تستخدم روسيا هذه الحجة للتأكيد على شرعية وجودها في سوريا!
ثانياً، استبدال الأسد محفوف بالمخاطر بالنسبة لروسيا.. حيث تم النظر في هذا الخيار، لكن الكرملين رفضه!
يمكن لأي صانع قرار داخل النظام السوري أن يفقد مكانه ونفوذه بسرعة. مثال على السياسة السورية الغادرة هو الحادث المثير للاهتمام مع نائب الرئيس السابق فاروق الشرع.. بعد فترة وجيزة من اقتراح تركيا (وربما روسيا) اسمه كبديل محتمل للأسد في عام 2012، عُزل من السلطة؛ وزُعم أنه وضع قيد الإقامة الجبرية.
من ناحية أخرى، لن يتمكن شخص غريب عن النظام من السيطرة على هياكل السلطة، والحصول على دعم إيران لتوريد الأسلحة والنفط والعمالة، وفي الوقت نفسه الحفاظ على الوجود الروسي في سوريا.
من الواضح أن دول الخليج والمعارضة السورية تفضل تفسير الاستطلاع على أنه سبب للأمل في التغيير القادم في سوريا. علاوة على ذلك، وبسبب الأسد، تباطأت عملية إعادة بناء سوريا وتأخر تسليم المساعدات الإنسانية، التي تحتاجها البلاد بشدة.
يجب على الغرب أن يقيّم الوضع بشكل واقعي، وأن ينتقد الاستطلاع نفسه والمناقشات التي تدور حوله.
على عكس التفاؤل غير المعقول لبعض المراقبين، لا تنوي روسيا مغادرة سوريا وترك منشآت عسكرية قيمة: القاعدة الجوية في حميميم، القاعدة البحرية في ميناء طرطوس المتوسطي الدافئ، وقاعدة الحوامات في القامشلي.
على الأرجح، سيبقى الأسد على رأس سوريا في السنوات القادمة، متمتعاً بدعم إيران (التي تحب الفوضى في المنطقة) وروسيا، على الرغم من السخط المتزايد من طرف موسكو.. لا يوجد سبب للاعتقاد بأن استراتيجية بوتين لتعزيز وتقوية موقف روسيا في الشرق الأوسط قد تغيرت. سيبقى “صبيّه” في سوريا – بشار الأسد – الشخصية المركزية في هذه اللعبة.
- كسينيا سفيتلوفا: كبيرة الباحثين في “معهد السياسة والاستراتيجية” التابع لـ “مركز هرتسليا متعدد التخصصات”، ومديرة برنامج إسرائيل والشرق الأوسط في “معهد ميتافيم”، وبرلمانية سابقة بالكنيست.
** كاتب وصحفي ومترجم سوري
*** المقال موجود على الرابط:
https://imrussia.org/ru/%D0%B0%D0%BD%D0%B0%D0%BB%D0%B8%D1%82%D0%B8%D0%BA%D0%B0/3113-%D0%BF%D0%BE%D1%87%D0%B5%D0%BC%D1%83-%D0%BA%D1%80%D0%B5%D0%BC%D0%BB%D1%8C-%D0%BD%D0%B5-%D1%81%D0%B4%D0%B0%D0%B5%D1%82-%D0%B0%D1%81%D0%B0%D0%B4%D0%B0