بيروت آيات بسمة وتشارلوت بروني رويترز- الناس نيوز :
في الأيام التالية لانفجار مرفأ بيروت، ظل شادي رزق يعيد مرارا وتكرارا تشغيل لقطات فيديو صورها بهاتفه المحمول.
سجل رزق اللقطات من شرفة مكتبه المقابل للمرفأ، وتظهر فيها ألسنة لهب وأعمدة دخان تعلو في عنان السماء بسبب مواد كان بعض المسؤولين يعرفون أنها شديدة الانفجار. وفجأة وقع انفجار هائل وتهشمت النوافذ وتطاير الزجاج، واسودت شاشة الهاتف.
قال الرجل الذي يبلغ من العمر 36 عاما، وكان يعمل في شركة لتقديم خدمات الإنترنت قبل أن تتصدع جدران حياته مع تصدع مكاتب الشركة في الرابع من أغسطس آب “كانت هناك 20 دقيقة (قبل الانفجار)، كان عليهم أن يطلبوا منا الإخلاء، ويوقفوا حركة المرور”.
ووسط صراخ زملائه المصابين، سمع رنين هاتف المكتب. كان قد فقد بصره مؤقتا، ومد يده والتقط السماعة وكان على الطرف الآخر عميل يشتكي من بطء سرعة الإنترنت.
رد عليه “نحن نموت هنا. من فضلك اتصل بالإسعاف”. والآن يشعر رزق بالامتنان لهذه المكالمة لأنها ساعدته في العثور على الهاتف للاتصال بالمنزل.
أضاف “كانت أختي هي التي ردت علي، قلت لها أنا أموت وطلبت منها أن تبلغ الجميع تحياتي وسلامي… وأن تبقى على الخط معي”.
نجا رزق بنحو 350 غرزة في أجزاء متفرقة في جسده منها غرز عديدة في وجهه، لكنه لا يزال يعاني مشاكل في البصر.
قال إن أكبر أسباب المرارة التي يشعر بها بعد شهر من الواقعة هو عدم استجواب أو اعتقال أي مسؤول حكومي بعد انفجار 2750 طنا من نترات الأمونيوم كانت مخزنة في المرفأ لسنوات دون أي إجراءات سلامة.
يرى رزق أن “لبنان سيظل جميلا دائما، لكن من يحكمونه يجعلونه قبيحا جدا ومؤلما جدا. أصبح في غاية القبح رغم جماله”.
شادي رزق كان واحدا من عشرات الآلاف الذين شاركوا في احتجاجات في أكتوبر تشرين الأول على نظام الحكم الطائفي والفساد المستشري والانهيار الاقتصادي الذي زاد إيلاما بعد فقد أسباب الرزق وسبل العيش فجأة وانهيار منازل نحو ربع مليون مواطن.
قال “حاولنا أن نصنع ثورة. سعينا للتغيير. حاولنا الكثير ولم يتحقق شيء. الأوضاع في الواقع تزداد سوءا”.
عندما أزال جراح التجميل جو بارود الخيوط من وجه رزق، كان الاثنان يدركان أنه لن يعود أبدا كما كان.
قال بارود، الذي عالج عشرات ممن أصيبوا بجروح في الوجه في الانفجار الذي أودى بحياة 190 شخصا على الأقل، “الندوب لا تزول تماما لا من الروح ولا من الجسد.. الزمن كفيل بتطييب الجراح، لكن الجلد لن يعود إلى طبيعته أبدا”.
قرر رزق الذي تلاحقه ذكريات المشهد الأليم العودة إلى مبنى مكتبه في حي مار مخايل الذي بات يعمه الخراب. وهناك، مع أقرب أصدقائه، بكى للمرة الأولى، وتعانق الحزن مع السكينة والعزيمة.
وقال “لن ننسى أبدا.. لن نغفر أبدا”.