لودي شامية…اسمٌ قد لا يعني شيء بالنسبة للجيل الجديد من السوريين، ولكن جيل الستينيات يعرفه جيداً. فقد كانت هذه الصبية تحكم سورية في بداية عهد البعث، عن طريق الرائد سليم حاطوم، أحد قادة حزب البعث العسكريين. لا نعرف عن لودي شامية إلّا القليل القليل، فالبعض يقول إنها مارونية من لبنان، جاءت إلى سورية لتغني في إذاعة دمشق في مطلع الستينيات، وأخرين يقولون إنها دمشقية من حيّ الميدان، أو من أهالي جبل الدروز. الثابت الوحيد هو أنها من مواليد سنة 1942 وأن سليم حاطوم وقع في حبها بعد انقلاب 8 مارس/آذار 1963، بعد أن غنّت للبعث القصيدة الشهيرة “الدهر دارت دورته والبعث قامت ثورته”.
كان الكثير من الضباط الكبار يومها يقيمون علاقات غرامية من فنانات مشهورات، ومنهم رئيس الدولة أمين الحافظ، الذي عشق الممثلة السورية ملك سكر، والمشير عبد الحكيم عامر، الذي تزوج الممثلة المصرية برلنتي عبد الحميد. ويبدو أن سليم حاطوم قد مضى في نفس الطريق، وهو ضابط درزي كان في الخامسة والثلاثين من عمره يوم مشاركته في انقلاب 8 مارس/آذار، الذي قاده مجموعة من الضباط الناصريين والبعثيين ضد رئيس الجمهورية ناظم القدسي.
كان حاطوم، وبشهادة جميع مؤرخي تلك المرحلة، ضابطاً أرعناً ومتهوراً وسفاحاً، يعشق السلطة ومستعداً لدهس وتحطيم كل من يقف في وجه طموحه السياسي. ولذلك، قررت القيادة العسكرية يومها تعيينه في منصب متواضع لا يرقى إلى طموحه السياسي، فقد أوكل إليه حماية مبنى الإذاعة والتلفزيون في ساحة الأمويين، في وقت كان يطمح لتولّي وزارة الدفاع. ومن هذا الموقع تعرف حاطوم على لودي شامية.
في كتاب “نساء وعشيقات في حياة مشاهير زعماء سورية”، يقول الصحفي السوري هاني الخيّر: “كانت لودي شامية محدودة الذكاء… محدودة الثقافة… محدودة التجربة الحياتية… وكان صوتها دافئاً حزيناً. امتازت بأنوثة غامضة وفتنة ساذجة”. أمّا عن وظيفتها في إذاعة دمشق فكانت ضمن جوقة الكورس التابعة لوزارة الثقافة السورية. أحبها سليم حاطوم حباً جمّاً، وصار يغدق عليها بالمال والهدايا والدعم، حيث صارت وصلاتها الغنائية تُذاع على مدار الساعة في إذاعة دمشق، علماً أن الكثير من المطربات السوريات العاملات في الإذاعة يومها كنّ أقدر منها فنياً. وعندما نصحها بعض الزملاء بأن تطور موهبتها وتقلع عن السهر والشرب، وألّا تعتمد فقط على دعم سليم حاطوم، لأنه، وبحسب تعبيرهم، لا يمكنه أن يدوم، ثار وغضب وأمر بمعاقبتهم وفصلهم عن العمل.
وقد شمل هذا الغضب الكثير من الفنانين من أصدقاء لودي مثل عازف الكمان مروان المصري، والمطرب رفيق شكري، والممثل شاكر بريخان، الذي قام سليم حاطوم باعتقاله بسبب رفضه تلحين أغنية للودي شامية. كانت تدخل على الإذاعة لتسجل أغنية، وعندما لا تجد شاغراً في استوديوهات الصوت، تطلب من حاطوم المؤازرة، فكان يرسل عناصره من “المغاوير” لطرد أي فنان من الاستوديو، مهما علي شأنه، وإفساح المجال لها بالدخول.
وقد تحولت لودي شامية من نجمة إلى صانعة نجوم، وكان بإمكانها، باتصال صغير مع حاطوم أن ترفع من تشاء وتحطم من تشاء من مطربين وموسيقيين وممثلين، وصارت هي الأمر الناهي في الإذاعة والتلفزيون حتى أن قرر سليم حاطوم التقدم في طموحه السياسي في يوم 8 سبتمبر/أيلول 1966، منهياً بذلك حياته ومسيرتها الفنية معاً.
حاول يومها تنفيذ انقلاب عسكري ضد اللواء صلاح جديد ورئيس الدولة نور الدين الأتاسي، وقام باحتجازهما في مقر حزب البعث في السويداء. أجهض الانقلاب من قبل وزير الدفاع في حينها، اللواء حافظ الأسد، وفرّ سليم حاطوم إلى الأردن. وفجأة اختفت أغاني لودي شامية من إذاعة دمشق، وشطب ذكرها من الصحف كما طالبتها السلطات السورية بإعادة بعض المال الذي قبضته من سليم حاطوم. وقد جاء على لسانها في محضر التحقيق بأنها قبضت 50 ألف ليرة سورية لشراء سيارة وقامت بإعادة 16500 ليرة منها إلى خزينة الدولة، وتعهدت بإعادة بقية المبلغ على دفعات.
قامت السلطات المختصة بمصادرة السيارة وبعض الحليّ والمجوهرات، ثم سمحت للودي شامية بالمغادرة إلى لبنان واختفى ذكرها كلياً من يومها. وهي ما تزال تعيش في بيروت حتى اليوم، ربما تحت اسم مستعار، ولم يتمكن أحد من المؤرخين والصحفيين من الوصول إليها، على الرغم من مرور أكثر من نصف قرن على أفول نجمها في سورية. أما عن العاشق الولهان سليم حاطوم، فقد عاد إلى سورية بعد حرب يونيو/حزيران 1967، ظناً منه أن نظام صلاح جديد سينهار في أي لحظة. اعتقل فور دخوله الأراضي السورية وتم إعدامه في سجن المزة يوم 24 يونيو/حزيران 1967، بعد أن فقئت عيناه بيد السجّان، قبل تفريغ المسدس في رأسه، لتقفل سيرته من بعدها إلى الأبد ويدخل كتب تاريخ سورية الأسود من أوسع أبوابه.
أمير سعادة