أنور عمران – الناس نيوز ::

هكذا فجأةً،
ومن دون أن أُنهي حصةَ الرسمِ،
ولا حديثاً أحمرَ مع طفلةٍ سمراء:
أنا الآنَ في الخمسين…
لم يسلمْني الملاكُ الرسالةَ كما توهمتُ،
وقلبيَ صارَ أبطأُ،
والطرقاتُ أضيقَ،
وتشابهت عليَّ الشاخصاتُ،
فلا وراءَ.. ولا أمام..
لو عشتُ قليلاً كما ينبغي، لقلتُ: لا بأسَ…
لكن الريحَ كانت أكثرَ مما أطيقُ..
وفقط
قشَّرتُ أمنياتي واحدةً.. واحدةً.. في الطريقِ
إلى أن وصلتُ عارياً إلى الحياة…
……….
“محمدُ “صار طبيباً يُخَيِّطُ جرحى الطائرات،
و”صفاءُ” شطبتْ قُبلتها من أولى الرسائلِ،
والثعلبُ الذي علّمني الكتابةَ
ماتَ عند أولِ أنثى قالت أحبكَ..
-لولا الحبُّ لم يبكِ ولم يضحكْ أحد –
وبقيتُ وحدي كحمّالٍ أعمى
أجرُّ السنين ورائي…
………………
ماتَ أبي
-الآباءُ دوماً يموتون قبلنا لكيلا يبصروا عجزَنا –
والغجريُّ الذي علّمني التدخين ماتَ بنوبةٍ قلبيةٍ،
وأنا القديمُ مااات..
………..
أحياناً تكذبُ الصورُ عليَّ،
وتقولُ:
في هذه اللقطةِ لم يكن ظلكَ واهياً..
وأحياناً أكذبُ على الآخرينَ:
كان اللهُ يحبني أكثر مما أحبّهُ..
………………
لو أننا نصغرُ قليلاً!
كنا أصلحنا العطبَ الثقيلَ،
وقلّبنا الدفاترَ كخلدٍ يحفرُ في الأرض…
ولو أننا نصغرُ فقط قليلاً
لكنا رسمنا دوائرَ حمراءَ حول الأخطاءِ الفاضلة
وكرّرناها كالتحية..
لكن السنواتِ/
العجائزَ اللواتي يحملنَ ملامحنا على ظهورهنَّ،
السنواتِ/
بناتِ الكلبِ اللواتي يصفعنَ من ينظرُ إلى الأشجارِ الراكضة،
السنواتِ القليلةَ كأصابعِ القلب
تدفعنا من الخلفِ
فنسقطُ مثلَ الفاكهةِ الناضجة..
ولو أننا…
كنّا عَدَّلنا كتابَ الاستعاراتِ قليلاً:
أدفعُ عمري
لمن يتدبَّرُ لي مقايضةً مع الله..
يالله!
أعِدْ من ماتوا ولو ساعةً واحدة
وخذْ كيسَ الحنطة،
خذْ دَلْوَ القروشِ القديمة،
خذْ لوحةَ “سلفادور دالي” المزيفةَ من غرفةِ الضيوف…
……..
هكذا فجأةً،
ومن دون أن أنهي عراكاً مع الولدِ الذي سرقَ دفتري،
درتُ حول هذه الأرضِ مثل عقربٍ وحيد،
وفجأةً،
وبينما أغلقُ نافذتي الغربيّةِ كي أُشتِّتَ شمْلَ الريحِ،
صرتُ في الخمسين!!….


