fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

ليقبلني بقبلات فمه: قراءة في سفر نشيد الأنشاد التوراتي

[jnews_post_author ]

“ليقبلني بقبلات فمه، لأن حبك أطيبُ من الخمر. أدهانك طيّبة العَرْف، واسمك دهنٌ مهراق، لذلك أحبتك العذارى. اجذبني وراءك فنجري، نبتهج ونفرح بك، نذكر حبك أكثر من الخمر”.

بهذا المطلع يبدأ نشيد الأنشاد المعزو للملك سليمان، وهو السِفْر الثاني والعشرون من أسفار التوراة (أو العهد القديم المسيحي)، وخامس الأسفار الشعرية (أو أسفار الحكمة).

يبدو هذا السِفْر غريباً كل الغرابة عن بقية أسفار الكتاب القاتمة، فهو قصيدة حب عذبة مليئة بالأوصاف والتعابير الحسية والتلميحات الجنسية، تحكي عن العلاقة بين شاب يوصف بالراعي من المفترض أنه الملك سليمان، وفتاة توصف بالراعية تدعى شولميت عروسه الملكية المقبلة، وهاتان الشخصيتان تتبادلان الإنشاد ويفصل بين صوتيهما أحياناً صوت مجموعة تسأل أو تعلق على الأحداث. وعبر هذه الغنائية تتداخل مشاهد اللقاء الجسدي بين الحبيبين بمشاهد تفتّح الطبيعة في فصل الربيع وإزهار الشجر ونمو الزرع وتقافز الحيوانات الجذلى. ويرد فيها ذكر واحد وعشرين نوعاً من النبات وخمسة عشر نوعاً من الحيوان.

ولنتابع فيما يلي هذه المنتخبات التي تشكل المفاصل الرئيسية في النشيد([1]):

هي: أنا نرجس (سهل) شارون، سوسنة الأودية.

هو: كالسوسنة بين الشوك، كذلك حبيبتي بين البنات.

هي: كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بني البنين. تحت ظله اشتهيت أن أبيت، وثمرته حلوة لحلقي، أدخَلني إلى بيت الخمر ورايتُه فوقي محبةً. أسندوني بأقراص الزبيب، أنعشوني بالتفاح، فإني مريضة حباً. شماله تحت رأسي ويمينه وتعانقني. أحلفكن يا بنات أورشليم بالظباء وبأيائل الحقول، ألا يُتَقّظن ولا تُنبهن الحبيب حتى يشاء.

هو: قومي يا حبيبتي، يا جميلتي، وتعالي. لأن الشتاء قد مضى، والمطر مرَّ وزال. الزهور ظهرت في الأرض، وافى أوان القّضْبِ، وصوت اليمامة سُمع في أرضنا. التينة أخرجت فِجّضها، والكروم أزهرت وأفاحت عَرْفها.

هي: باقة المُرّ حبيبي لي، بين ثديَيَّ يبيت. عنقود فاغيةٍ حبيبي لي في كروم عين جَدْي. في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته. إني أقوم وأطوف في الأسواق وفي الشوارع أطلب من تحبه نفسي، طلبته فما جاوزتهم إلا قليلاً حتى وجدت من تحبه نفسي، فأمسكته ولم أُطلقه حتى أدخلْتَه بيت أمي وحجرة من حبلت بي.

هو: ها أنت جميلة يا حبيبتي، ها أنت جميلة. عيناك حمامتان من تحت نقابك. شعركِ كقطيع مَغزٍ رابض على جبل جلعاد. أسنانك كقطيع مجزوز قد طلع من الاغتسال، كل واحدة منهن مُتئمٌ وليس فيهن عقيم. شفتاك كسِلكةٍ من القرمز، وفمك عذب. خداك كفلقة رمان من وراء نقابك. ثدياك كخِشْفتي ظبية توأمان يرعيان بين السوسن. قد سبيت قلبي. كم محبتك أطيبُ من الخمر، وكم رائحة أدهانك أطيبُ من كل الأطياب. شفتاك يا عروس تقطران شَهْداً. تحت لسانك عسل ولبن، ورائحة ثيابك كرائحة لبنان. أختي العروس جنةٌ مغلقة، عينٌ مقفلة، نبع مختوم. أغراسك فردوسُ رمانٍ مع أثمار نفيسة.

المجموعة: الملك سليمان عمل لنفسه تختاً من خشب لبنان، عمل أعمدته من فضة ومقعده أرجواناً، ووسطه مرصعاً محبة من بنات أورشليم. اخرجن يا بنات أورشليم وانظرن إلى الملك سليمان بالتاج الذي توَّجَتْه به أمه في يوم عرسه.

هي: استيقظي يا ريح الشمال، وتعالي يا ريح الجنوب، هُبي على جنتي فتقطر أطيابُها. ليأت حبيبي إلى جنته ويأكلْ ثمره النفيس.

هو: قد دخلتُ جنتي يا أختي العروس، قطفتُ مُرّى مع طيبي، أكلتُ شَهْدي مع عسلي، شربتُ خمري مع لبني.

هي: صوت حبيبي، هو ذات آت طافراً على الجبال قافزاً على التلال. حبيبي هو شبهٌ بالظبي أو بغُفر الأيائل.

هو: افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي، لأن رأسي قد امتلأ من الطل وغدائري من ندى الليل.

هي: حبيبي مد يده من الكوة فأنَّت عليه أحشائي. قمت لأفتح لحبيبي ويداي تقطران مُراً وأصبعي مُرٌ قاطر على مقبض القفل. فتحت لحبيبي لكن حبيبي تحول ومضى. نفسي خرجت عندما أدبر. طلبته فما وجدته، دعوته فما أجابني. أُحلفكن يا بنات أورشليم إن وجدتُنَّ حبيبي أن تخبرنه بأنني مريضة حباً.

المجموعة: ما فضلُ حبيبك على الأحباء أيتها الجميلة في النساء حتى تستحلفينا هكذا؟

هي: حبيبي أبيض وأحمر، علمٌ بين ربوة. رأسه ذهبٌ إبريزٌ وغدائره مسترسلة حالكة كالغراب. عيناه كحمامتين على أنهار المياه مغسولتين باللبن حائمتين في وقْبيهما. خداه كروضة أطيابٍ وخضيلةِ رياحين. شفتاه سوسن تقطران مراً مائعاً. يداه حلقتان من ذهب مرصعتان بالزبرجد. بطنه عاج أبيض يُغشيه اللازورد. ساقاه عمودا رخام مؤسستان على قاعدتين من إبريز. طلعتُه كلبنان وفتيّ كالأرز. حلقه حلاوةٌ وكله مشتهيات.

المجموعة: أين ذهب حبيبك أيتها الجميلة بين النساء؟ أين توجَّه فنطلبه معك؟

هي: حبيبي نزل إلى خمائل الطيب يرعى في الجنات ويجمع السوسن. أنا لحبيبي وحبيبي لي. هو الذي يرعى بين السوسن.

هو: ما أجمل رجليك بالنعلين يا بنت الأمير. دوائر فخذيك مثل الحِليِّ صاغتها يد صانع حاذق. سُرتك كأس مدورة لا يعوزها شراب ممزوج. بطنك صُبْرة حنطة مسيجة بالسوسن. ثدياك كخُشفتين توأمي ظبية. عنقك كبرج من عاج. أنفك كبرج لبنان الناظر تجاه دمشق. رأسك عليك مثل جبل الكرمل. شعر رأسك كأرجوانِ ملكٍ مربوط بخصيلٍ. قامتك مثل النخلة وثدياك مثل العناقيد. ما أجملك وما أحلاك أيتها الحبيبة في اللذات. قلتُ إني أصعد إلى النخلة وأمسك بعنقودها، فيكون لي ثدياك كعناقيد الكرم، ورائحة أنفك كالتفاح، وحلقك كخمرة طيبة.

هي: أنا لحبيبي وأشواقه لي. هلم يا حبيبي، لنخرجْ إلى الحقل ولنبتْ في الضياع، نبكرُ إلى الكروم وننظر هل أفرخ الكرم هل تفتح أزهاره وهل نوَّر الرمان. وهنالك أبذل لك حبي. اللُفاح يفوح رائحةً وعند أبوابنا كل النفائس.

من لي بك كأخ لي قد رضع ثدي أمي، فأجدُك في الخارج وأقبّلك بغير أن يلحقني ذم، ثم أقودك وأَدخلُ بك بيت أمي وهي تعلِّمني، وأنا أسقيك الخمر المطيبة من سلاف رماني.

شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني. أحلفكن يا بنات أورشليم ألا تُوقِظْنَ أو تنبهن الحبيب حتى يشاء.

هذه هي المعالم الرئيسية لسفر نشيد الأنشاد الذي قبل به مجمع الربانيين المنعقد في بلدة يمنيا الفلسطينية عام 90 للميلاد، عندما كان يُقر الأسفار القانونية الـ39 التي تؤلف التوراة العبرانية، تاركاً مهمة المواءمة بينه وبين أسفار الشريعة الخمسة والمزامير وأسفار الأنبياء للأجيال اللاحقة من اللاهوتيين الذين وجدوا أنفسهم أمام مهمة عسيرة وشاقة. فالسفر لم يأت على ذكر الرب ولم يشر إليه من قريب أو بعيد، كما أن تعابيره الحسية كانت أبعد ما تكون عن جو بقية الأسفار القانونية. ولكن بما أن كاتبه كان الملك سليمان وفق المعتقد السائد، وهو الرجل الذي فاقت حكمته جميع بني المشرق، على حد وصف سفر الملوك الأول 4: 30، فلابد من وجود معنى ديني قابع تحت كل هذه المظاهر الحسية.

وقد استقر رأي اللاهوتين اليهود أخيراً على أن النشيد يُعبر عن محبة الإله يهوه لشعبه إسرائيل، فهو الحبيب وهم الحبيبة. وقد اعتمدوا في هذا التأويل على إشارات متفرقة في الكتاب تستخدم مجاز الحبيب والحبيبة في وصف علاقة يهوه بإسرائيل. من ذلك ما ورد في سفر هوشع على لسان الرب: “وأخطبكِ لنفسي إلى الأبد، وأخطبكِ لنفسي بالعدل والإحسان والمراحم، فتعرفين أني أنا الرب” (هوشع 2: 19-20). وما ورد في سفر إرميا: “إذا طلق رجل امرأته فانطلقت من عنده وصارت لرجل آخر فهل يرجع إليها بعدُ؟ أما أنتِ (يا إسرائيل) فقد زينتِ بأصحاب كثيرين. لكن ارجعي إليّ يقول الرب” (إرميا 3: 1-2). وما ورد في سفر إشعيا: “لأن بعلك هو صانعك، رب الجنود اسمه، ووليك قدوسُ إسرائيل” (إشعيا 54: 5).

وقد سار آباء الكنيسة المسيحية، الذين أقلقهم وجود هذا النشيد في الكتاب المقدس، على منوال التأويل اليهودي، ولكنهم استبدلوا شعب إسرائيل بالكنيسة وقالوا بأن النشيد هو تعبير عن محبة المسيح للكنيسة. وقد وجد هؤلاء في رسائل بولس الرسول إشارات تدعم هذا الرأي ومنها قوله: “فإني أغار عليكم غيرة الله، لأني خطبتكم لرجل واحد، لأُقدم للمسيح عذراء عفيفة” (كونثة 11: 2). وأيضاً: “أيها الرجال أحبوا نساءكم كما أحب المسيح الكنيسة وأسلمَ نفسه لأجلها” (إفسوس 5: 25).

على أن مثل هذه التأويلات تطرح أسئلة لا يمكن لهؤلاء المؤولين تقديم إجابة مقنعة عليها. فإذا كان يهوه قد أحب إسرائيل، أو أحب المسيح الكنيسة، فلماذا يتوجب على إسرائيل أو الكنيسة أن يكون لها “ثديان كخشفتي ظبية توأمين يرعيان بين السوسن” (4: 5). أو أن “تقطر شفتاها شهداً وتحت لسانها عسل” (4: 10). أو “أن تكون دوائر فخذها مثل الحلي، وسرتها كأس لا يعوزها شراب ممزوج” (7: 1-2). “وثدياها مثلُ العناقيد” أو “مثل عذوق النخل” التي يشتهي يهوه أو المسيح أن يصعد ويمسك بها”؟ (7: 7-8). ثم لماذا على هذا الحبيب أن تكون “شفتاه سوسن تقطران مُراً مائعاً” و”بطنه عاج أبيض” و”ساقاه عمودا رخام” و”حلقه حلاوة وكله مشتهيات”؟ (6: 11-16).

إن التفسير الأقرب إلى المنطق لهذا السفر، هو أنه نسخة عن نشيد خصب كنعاني، كان يتلى في أعياد ا لربيع بمناسبة عقد زواج مقدس رمزي بين الملك وإلهة الوفرة والثمار عشيرة، أو صنوها الآخر إستارت، من أجل ضمان خصوبة الأرض ونمو المزروعات. وعلى الرغم من أن الوثائق الكنعانية لم تمدنا حتى الآن بمثل هذا النشيد، بسبب قلة ما وصلنا من النصوص الأدبية الكنعانية، فإننا نرجح وجوده اعتماداً على نوعين من الوثائق النصية، الأول وثائق من أوغاريت ترسم لنا الصورة العامة للإيديولوجيا الملوكية الكنعانية وللدور الذي يلعبه الملك كشفيع للخصب، والثاني وثائق من سومر تحتوي على نظائر لنشيد الأنشاد ذات طبيعة طقسية دينية.

في الإيديولوجيا الملوكية الكنعانية، تُعتبر مؤسسة الملوكية مؤسسة مقدسة ونقطة تواصل بين عالم البشر وعالم الآلهة. فالملك منذ ولادته يغدو ابناً بالتبني لكبير الآلهة إيل وزوجته عشيرة، وتتعهده عشيرة بالرضاع حتى الفطام. نقرأ في مشهد مباركة إيل لزواج الملك في ملحمة كرت قوله: “لقد اتخذتَ زوجةً يا كِرت، لقد جئتَ بزوجة إلى بيتك. سوف تلد لك الفتى يَصَبْ الذي سوف يرضع حليب عشيرة، ويمتص من ثدي عناة العذراء، مرضعتي الآلهة. “وتتجلى رعاية إيل لابنه المتبنى بأكثر من طريقة، فهوالمسؤول عن استمرار ذريته، وعن دوام مُلكه، وإذا ألم به مرض تدخل شخصياً من أجل شفائه. هذه المكانة شبه الإلهية للملك الأوغاريتي أعطته لقب: “ابنإيل”. وبهذا اللقب يناديه كبير الآلهة نفسه. نقرأ في مشهد تجلى كبير الآلهة للملك كرت في الحلم: “في حلمه رأى إيل ينزل، رأى أبا البشر يقترب سائلاً: لماذا تبكي يا كِرت؟ ولماذا تدمع عينا النعمان غلام إيل؟. “كما كانت القناعة بأبوة إيل للملك راسخة حتى عند أفراد أسرته. فعندما مرض كرت وأشرف على الموت، وقفت ابنته عند سريره تندبه قائلة: “أبي، كنزي هل تموت الآلهة؟ وذرية إيل ألا تعيش إلى الأبد؟ أليس كِرت ابن الآلهة؟”.

بناء على هذا الموقع المتميز الذي كان يتمتع به الملك، فقد كان حافظاً لنظام الطبيعة، ومن خلاله تنزل بركات السماء لتتزرع في الأرض وتهبها خصباً ونماءً، فإذا خارت قوى الملك أو ألمَّ به مرض، انعكس ذلك على مقدرته على تحقيق الصلة بين القوة الإخصابية الإلهية وحياة الطبيعة على الأرض. فعندما اضطجع كرت على فراش المرض، يقول لنا كاتب الملحمة: “رفع الفلاحون رؤوسهم، وانتصبت ظهور من يبذرون الحبوب. لقد نفد الخبز من معاجنهم، ونضبت الخمرة من دنانهم، ونفد السمن من قُرَبِهم”. هذا الاختلال في نظام الطبيعة يحدث أيضاً إذا ألمَّ بولي العهد مكروه، لأن الملك سوف يغدو عندئذٍ بلا وريث وتتهدد سلالته بالانقراض. فعندما عمدت الإلهة عناة في ملحمة أقهات الأوغاريتية إلى قتل ولي العهد أقهات ابن دانيال، انحبس مطر السماء وجفت الحقول، فراح دانيال يطوف في الأرض المملحة قائلاً: “ليت السنابل تنمو في هذا اليباس، في هذا الاحتراق، فتجمعها وتحصدها يد أقهات”.

هذا ونجد انعكاساً لهذه الإيديولوجيا الملوكية الكنعانية في كتاب التوراة العبرانية، الذي حفظ لنا بعضاً من أهم ملامح الإيديولوجيا الملوكية الأورشليمية المتعلقة بقداسة المنصب الملكي. فملك أورشليم هو ابن الإله يهوه بالتبني، يكلمه دون وسيط ويُنفّذ مشيئته على الأرض. نقرأ في سفر المزامير على لسان داود: “إني أُخبر من جهة قضاء الرب أنه قال لي: أنت ابني، أنا اليوم ولدتُك. اسألني فأعطيك الأرض ميراثاً، وأقاصي الأرض ملكاً لك” (المزمور 2: 7-8). ونقرأ على لسان يهوه في المزمور 89: “وجدتُ داود عبدي، بدهن قداستي مسحته. هو يدعوني أبي أنت وصخرة خلاصي، وأنا أيضاً أجعله بكراً أعلى من ملوك الأرض” (المزمور 89: 20 و26-27). ونقرأ أيضاً في سفر صموئيل الثاني على لسان يهوه بخصوص الملك سليمان: “هو يبني لي بيتاً لاسمي، وأنا أُثَبّت كرسي مملكته إلى الأبد. أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً” (أخبار الأيام الأول 17: 13-14).

على أن سريان القوة الإخصابية الإلهية في عالم الطبيعة عبر شخصية الملك، لا يحصل بشكل تلقائي بل من خلال طقوس خاصة يقوم بها الملك والمحتفلون معه بعيد رأس السنة الذي يتطابق مع بداية فصل الربيع. ولسوء الحظ لم يصلنا حتى الآن نصوص من الحضارة الكنعانية تطلعنا على طبيعة هذه الطقوس التي نفترض وجودها اعتماداً على وجود نظائر لها في ثقافة وادي الرافدين، واعتماداً على ما أسلفنا من دور الملك الكنعاني كشفيع للخصب. ولهذا سوف نتحول شرقاً إلى سومر وأكاد لنحصل منهما على ما يكمل الصورة العامة للإيديولوجيا الملوكية الكنعانية.

في التراث الميثولوجي الرافديني، تتمتع مؤسسة الملوكية بقداسة تماثل قداستها في الميثولوجيا الكنعانية. فهذه المؤسسة قد هبطت من السماء وليست من صنع البشر، على ما تخبرنا به أسطورة الملك إيتانا البابلية. ففي مطالع الزمن عندما انتهى الآلهة من خلق العالم وتنظيمه ومن خلق الإنسان، قاموا ببناء أول مدينة وأسكنوا فيها البشر. وبعد ذلك راحت الإلهة عشتار تبحث عن رجل كفء ليشغل منصب الملك:

عشتار راحت تبحث عن راع،

راحت تبحث هنا وهناك عن ملك.

وكان إنليل يبحث عن منصة عرش لإيتانا،

الشاب الذي كانت عشتار لا تني تبحث عنه.

بهذه الطريقة تم تثبيت ملك على البلاد،

وفي مدينة كيش أُقيمت الملوكية

هذا الملك الذي نصبته عشتار على العرش، سيكون هو وخلفاؤه صلة وصل مع القوى الإخصابية الكونية التي يحرضها على المستوى الماورائي زواجٌ مقدس يعقد سنوياً بين إلهة الحب والخصب عشتار (= إنانا السومرية)، وروح النبات تموز (=دوموزي السومري). ذلك أن هذه القوى الإخصابية التي أطلقها من عقالها زواج الإلهين، لن تتصل بحياة الطبيعة على الأرض إلا من خلال زواج مقدس طقسي يتم بين ملك البلاد الذي يتجسد فيه الإله دوموزي، وكاهنة إنانا التي تتجسد فيها إلهة الحب والخصب، ويلتقي الاثنان في الغرفة العليا من المعبد المُدرَّج، لتشيع البركة من اتحادهما الجسدي على البلاد. وهنا تتكفل النصوص الميثولوجية الطقسية السومرية وما يتصل بها من فنون مُصورة بإعطائنا صورة غائمة بعض الشيء عما كان يجري في أعياد الربيع. فقد وصلنا عدد من النصوص المتفرقة التي تحكي عن العلاقة بين إنانا ودوموزي، عمل علماء السومريات على ضمها في مجموعات حسب موضوعاتها، ليتبين لهم أنها تشكل فيما بينها نصاً مطرداً يصف الزواج المقدس السومري. تحكي المجموعة الأولى من النصوص عن الحب المستعر بين إنانا ودوموزي وهما في وفرة الصبا والشباب، واللقاءات التي كانت تتم بينهما خفية عن الأعين. وتحكي المجموعة الثانية عن مرحلة الخطوبة وعن ليلة العرس التي يأتي فيها دوموزي محملاً بالهدايا ليطرق باب إنانا التي تتزين في الداخل استعداداً للقاء عريسها. في المجموعة الثالثة نجد الملك السومري وقد حل محل دوموزي في طلب يد إنانا ودخل معها إلى مخدع الزوجية. وهذه النصوص مليئة بالإشارات إلى ما يحدث في عالم الطبيعة من ازدهار يترافق مع هذا الزواج المقدس. كما أن الفن التصويري السومري حافل منذ فجر الحضارة بمشاهد تُصور قدوم دوموزي أو الملك السومري إلى بوابة إنانا في الليلة الموعودة، أو مجلس الشراب الذي يجمع بينهما.

اعتماداً على هذه التقاطعات الرافدينية الكنعانية التي أجريناها، نستطيع الآن طرح نظرية مدعَّمة بالوثائق مفادها أن نشيد الأنشاد كان في أصله غنائيةً طقسية تؤدَّى في هيكل أورشليم بمناسبة زواج طقسي ملوكي يعقد سنوياً في أعياد الربيع، يُحيِّن في الزمن الدنيوي زواجاً يتم على المستوى الميتافيزيكي بين كبير الآلهة يهوه المعبود القومي للملكة يهوذا والإلهة الكبرى لكنعان المدعوة عشيرة.هذه الفكرة على غرابتها تبدو لنا الآن منطقية بعد أن ظهرت في بعض المواقع الأثرية من مملكة يهوذا نصوص تتحدث عن يهوه وعشيرة كثنائي إلهي. وهذا ما يجعلنا الآن نفهم السبب الكامن وراء وجود تمثالٍ لها في هيكل أورشليم، على ما يفيدنا به محرر سفر الملوك الثاني 21: 3-7.

ولعل في المقارنة المقتضبة التي سأجريها فيما يلي بين الغنائيات السومرية الطقسية ونشيد الأنشاد، وما يلقي الضوء على هذا التفسير.

نشيد الأنشاد: ليقبلني بقبلات فمه، لأن حبك أطيب من الخمر (1: 2).

النص السومري: عندما يأتي أخي فلتُعزف له الموسيقى، وأنا أسكب له الخمرة من فمي.

* نشيد الأنشاد: شماله تحت رأسي، ويمينه تعانقي.

النص السومري: شمالكَ مسَّدت رأسي ويُمناك وضَعْتها أسفل بطني.

*  نشيد الأنشاد: يداه حلقتاه من ذهب مرصعتان بالزبرجد. بطنه عاج أبيض يُغشيه اللازورد.

النص السومري: أنت السيد، أنت السيد. فضةٌ وحجر لازورد، أنت السيد.

* نشيد الأنشاد: كالتفاح بين شجر الوعر، كذلك حبيبي بين البنين. تحت ظله اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي.

النص السومري: حبيبي الأثير من أمه… شجرة تفاحي المُحمَّلة حتى ذروتها.. رجل العسل يجعلني حلوة دوماً.

* نشيد الأنشاد: (حبيبي) ساقاه عمودا رخام مؤسستان على قاعدة من إبريز.

النص السومري: يا جالب الحلاوة إلى السُرَّة يا صاحب أجمل الأفخاد.

* نشيد الأنشاد: تعال يا حبيبي، لنخرج إلى الحقل لننظر هل أزهر الكرم، هل تفتَّح القُعال، هل نَوَّر الرمان؟ هناك أعطيك حبي.

النص السومري: أختاه بوِدِّي أن آخذك إلى بستاني، فهل تخصبين بستاني؟ بودي أن آخذك إلى شجرة تفاحي، إلى شجرة الرمان.

* نشيد الأنشاد: وجدتُ من تحبه نفسي فأمسكته ولم أُرْخِه حتى أدخلته بيت أمي وحجرة من حبلت بي.

النص السومري:سوف يقصد أمي وينطق بالكلمة المنتظرة. سيدي هو الجدير بالحضن المقدس.

* نشيد الأنشاد: الملك سليمان صنع لنفسه تختاً من خشب لبنان، صنع أعمدته من فضة ومُتَّكأة ذهب ومقعده أرجواناً. أخرجن يا بنات أورشليم وانظرن الملك سليمان بالتاج الذي توجته به أمه يوم عرسه.

النص السومري: في بيتي المكين يسبح الغمام، حيث السرير المثمر مزخرف بحجر اللازورد. إله النار طهره من أجلكِ يا من تليقين بالملك.

* نشيد الأنشاد: صوت حبيبي قارعاً: افتحي الباب يا أختي، يا حبيبتي، يا كاملتي، لأن رأسي امتلأ من الطل وغدائري من ندى الليل.

النص السومري:دوموزي أتى بالزبدة إلى البيت الملكي، وعند الباب نادى: افتحي الباب سيدتي، افتحي الباب.

* نشيد الأنشاد: تعال يا حبيبي، لنخرج إلى الحقل، لنبت في الضِياع نبكر إلى الكروم، وننظر هل أفرخ الكرم هل تفتحت أزهاره وهل نوَّر الرمان، وهنالك أبذل لك حبي.

النص السومري: لعل الرب الذي قَرَّبتهِ إلى قلبك، لعل الملك تطول أيامه في حضنك المقدس… وفي أيام حكمه ليكن هنالك زرع وحبوب، وفي الأنهار فلتكثر المياه، وفي الحقول فلتكثر المحاصيل، وفي الحدائق فليجرِ الخمر والعسل.

هذه التشابهات، وغيرها مما لم نورده، بين الغنائيات الطقسية السومرية ونشيد الأنشاد، لا يمكن أن تكون محض صدفة. ويبدو أن هذه الغنائيات كانت إرثاً مشتركاً بين ثقافة وادي الرافدين وثقافة كنعان التي تنتمي إليها مملكة يهوذا، وأن طقس الزواج المقدس كان سمة من سمات طقوس الربيع الكنعانية، لم يبق لنا شاهداً عليه إلا نشيد الأنشاد، الذي تسرب إلى كتاب التوراة كنصٍ طقسيٍ موروثٍ من طقوس الهيكل البائد، فَقَدَ مضامينه القديمة ولكنه استمر في الحياة لجمال شكله وروعة مبناه.

المراجع:

من أجل المادة السومرية راجع:

  • N. Kramer, The Sacred Mariage Rite, Indiana University press, 1969.
  • N. Kramer, Sumerian Sacred Mariage Rite. In: James Pritchard, Ancient Near Eastern Texts, Princeton, New Jersey, 1969.
  • Volkstein and S.N. Kramer, Inana, Harper, New york, 1982.
  • س. كريمر: طقوس الجنس المقدس عند السومريين، ترجمة نهاد خياطة،دمشق، 1987.

من أجل المادة الأوغاريتية راجع:

  • أنيس فريحة: ملاحم وأساطير من أوغاريت، دار النهار، بيروت، 1980.
  • H. Gordon, Ugarit, Norton Library, New york, 1967.
  • L.Gensbergy, Ugaritic Myths and Epics. In: James Pritchard, Ancient Near Eastern Texts, Princeton, New Jersy, 1969.
  • من أجل النصوص العبرية التي تذكر يهوه وزوجته عشيرة،راجع كتابي “تاريخ أورشليم”، الفصل الحادي عشر: “يهوه وآلهة كنعان”، ص197-210.

([1]) اعتمدت هنا على كلا الترجمتين الكاثوليكية والبروتستانتية، ولجأت في أحيان قليلة إلى نقل بعض الجمل من مواضعها الأصلية.

——————————————–

فراس سوّاح

المنشورات ذات الصلة