ريما بالي – الناس نيوز ::
أيام قليلة، وندخل في عام جديد، وعلى هذه العتبة قد نسأل أنفسنا، هل سنخرج من العام المُحْتضر بمثلما دخلناه؟ هل تغير شيء فينا غير الرقم الذي يتصدر رزناماتنا؟ .
يقول مستر كارسون أحد أبطال المسلسل البريطاني الشهير داون تاون آبي Downton Abbey، الذي كتبه وأنتجه جوليان فيللوس: “ما المغزى من العيش إذا لم ندع الحياة تغيرنا؟”.
الحياة ديدنها التغيير، الكرة الأرضية تدور حول نفسها وتدور حول الشمس، تتعاقب الفصول، تجري الأنهار وتصب في المحيطات لتتبخر بعد حين وتتحول إلى سحب في السماء، قبل أن تتكاثف وتصبح قطرات ماء من جديد.
تتغير الحياة وتجرفنا في تيارها لتغيرنا معها، فهل نسمح لها دائماً أن تفعل؟ وهل نحن مخيّرون بذلك؟ .
على صعيد الجسد، تفرض السنوات علينا تغيرات صارمة وحتمية، وكثيراً ما تكون قاسية، فهل نستسلم؟ غريزياً نقاوم.. نقاوم بما أوتينا من طاقات، كالإنكار أولاً (90% من الأشخاص الذين أعرفهم، يعتقدون أنهم يبدون أصغر من عمرهم الحقيقي، 10% منهم فقط كذلك!) ثم نقاوم بما أوتينا من سبل: عمليات تجميل، عناية صحية، رياضة…الخ.
أما على الصعيد الفكري، فتتخلى الحياة قليلاً عن صرامتها، وتترك لنا مساحة من الاختيار، فكيف نتحرك في هذه المساحة وفي أي اتجاه؟
قليلون منا، يفتحون أعينهم وأذهانهم لالتقاط تحولات العالم وتفسيرها، فتتغير نهايات الحكايات التي سمعوها من جداتهم ويكتسي أبطالها أثواباً جديدة، وتصبح حتى التعليمات التي أملاها عليهم آباؤهم موضع شك، قد تتحول، تنحرف، تتطور، أو تسقط كلياً سقوطاً مروعاً. نكتشف لاحقاً أن هؤلاء البشر، وبقراءة بسيطة للتاريخ، هم من يغيرون العالم.
ومن جهة أخرى، هناك من تصيبهم حالة انغلاق فكري، وهي ظاهرة قد تصيب حتى الناس المتخصصين أو ذوي الخبرة في مجال ما، ليصبحوا مع مرور الزمن عبيداً لأفكارهم القديمة التي كانت مبهرة في وقت مضى، ومتمسكين بمعلومات قد طالت المدة بين اكتشافها أو دراستهم لها ويومنا الراهن. فنجدهم منغلقين على آرائهم ومعتقداتهم، غير متقبلين لما يخالفها ورافضين للتجديد.
يتجلى ذلك مثلاً، في الكثيرين من خريجي الطب القدامى، أو إدارة الأعمال ومجال التربية والتعليم وغيرها، إذ تصل درجة انغلاقهم أن يمارسوا طباً قديماً عفى عنه الزمان، أو طرقاً صارمة بالية في التدريس وإدارة المشاريع، في انفصال منهم عن الواقع برفضهم التغيير والتخلي عن المفاهيم التي يعتبرونها مقدسة.
تسمى هذه الحالة أو الفرضية بـ Earned Dogmatism أو الدوغمائية المكتسبة، وتعتبر اليوم العائق الأكبر أمام تطور البشرية عامةً والمجتمعات العربية على وجه التحديد، خصوصاً عندما يصاب بها السياسيون والقادة الذين يبقون في مناصبهم لسنوات طويلة.
وقد أفرزت هذه الظاهرة ما يسمى مرض نوبل Nobel Disease ، وهو جنوح علماء كبار من الفائزين بجائزة نوبل وأشباهها لتبني أفكار غريبة ومستهجنة ، مثل كاري مولليس الذي كان من كبار العلماء الذين اشتغلوا على الـ Polymerase reactionأساس علم الجينات وكان من المنكرين لوجود مرض الإيدز وأصحاب نظرية المؤامرة. كذلك عالم الDNA الشهير واطسون الذي يؤمن باختلاف الشعوب وتفوق العرق الأبيض مثلاً وأنه أذكى من باقي الأعراق رغم نقد زملائه العلماء.
هذا المرض الذي يعد مصيبة كبيرة، يصبح أخطر عندما يصيب حتى أولئك الذين لم يفوزوا بجائزة نوبل و لا حتى جائزة حزورة رمضان.
هؤلاء البشر لا يعنيهم تعاقب الفصول ولا السنوات ولا حتى القرون، ليس عندهم سنة جديدة، بل كل السنوات التي تأتي هي خط أفقي بالنسبة لهم، لأنهم لا يؤمنون بالتجديد ولا يشعرون بحاجة للتغيير.
باعتبارهم وصلوا للاكتفاء بما في أذهانهم من قناعات هي برأيهم أعظم ما قد يفرزه الفكر البشري وحدّه الأقصى. هل لكم أن تتخيلوا شكل العالم لو كان كل البشر من تلك الفئة نفسها؟.
في الشهر الأخير من كل عام ، يُجري التجار عادةً وأصحاب الشركات والمشاريع (الجردة السنوية). ليحسبوا بدقة ما ربحوه وما خسروه خلال العام، ما لهم وما عليهم. وعلى نفس الوتيرة، كم هو مهم أن يجري الإنسان (جردة سنوية) لعقله، ليعرف مقدار ما ورد إلى مخازنه خلال هذه السنة (إن كان قد ورد شيء!) ودرجة جودته، وما يجب أن يسقطه منها لتلفه أو انتهاء مدة صلاحيته.
في إسبانيا، يطلقون على ليلة 31 /12 التي يحتفلون بها بصخب كمعظم شعوب العالم “La Noche Vieja” أي الليلة القديمة أو العجوز، على أمل أن تشرق عليهم في الصباح التالي شمس جديدة، مبشرةً إياهم بسنة جديدة يعيشونها كأشخاص جدد، بعد أن يودعوا باحتفال باذخ نسختهم القديمة مع “الليلة القديمة” الفائتة.
وختاماً، يحضرني قول جورج برناردشو: ” التقدم مستحيل من دون تغيير، وأولئك الذين لا يستطيعون تغيير عقولهم، لا يستطيعون تغيير أي شيء”.
للجميع أتمنى.. ليلة قديمة سعيدة.. وسنة جديدة متجددة.