د . أحمد برقاوي – الناس نيوز ::

ترنح ليل العشاق مقتولاً في دمشق مات ليل دمشق الذي كنّا نستقوي به على الدكتاتور الكبير والدكتاتور الصغير فالسمّار الأشقياء كفوا عن الحضور في المساءات الحميمة وتبعثروا في العواصم الغريبة
والخمرة لم تعد تلهو في الأكؤس وعلى شفاه المنتشين في نينار وشينو
وباب شرقي أغلقه الحراس المدججون بالأسلحة وبحواجز الإخافة
والأجساد التي تنتظر فرح النشوة تنام باكراً
المخبرون، صاروا، وحدهم يجلسون بين الطاولات الفارغة
ويكتبون تقاريرهم عن الصمت
غريب هو الليل في دمشق
بيت القصيد خاوٍ من أرق الفوضويين وأجملهم
والشعراء الشجعان الذين يلقون القصائد
أمام حشد الشعراء الذين لا يعجبهم العجب
فروا من الموت…

الصالة الواقعة في قبو برج الفردوس
غاب عنها الضجيج وفوضى الصعاليك
لم تعد تسمع صرخات لقمان ديركي
وقهقهات البرقاوي
وسخريات سحبان السواح
وشتائم عادل الحديدي
وتمتمات خليل درويش
وغمغمات أيمن الدقر
وولطف إلهام عبد اللطيف النبيل
وصمت عمر أميرلاي الذي سافر به القهر باكراً
إلى ما بعد الحياة
إنكليزية شكسبير السوري
الذي غلب على اسمه هربت إلى بلاد الصقيع
وابنة الحياة رولا الركبي
تودع الأحبة واحداً واحداً
وتعود من غرف التحقيق مبتسمة.
النادلون الذين كانوا يصبون الخمر سعداء بالشعر
غادروا إلى ديارهم البعيدة.
كئيب ليل دمشق…

المساءات التي كنّا نخفي فيها قهرنا عن الدكتاتور الكبير والصغير ماتت.
غاب نبيل المالح ولم أعد أقله إلى المهاجرين
بعد طقوس التقية والفرح في بيت أحباء الحياة
صاحب البيت المسكين خاف على ماله
وعاد إلى الحظيرة.
ومأمون غناما يفتش عن أحبته صباح الجمعة
فلا يجد إلاي..
المهاجرون إلى حي المهاجرين يهاجرون
والشباب يؤون إلى بيوتهم خوفاً من صيادي سُرّاق الحياة
وميشيل كيلو، الذي غيبه يوماً الخائف من عقله الوقاد
أفرد جناحيه للريح وغاب… .

اختفى ليل دمشق
بيت إياد العبد الله، الهارب من عنف السجان
في جرمانا أغلق أبوابه
لا علي الشهابي الذي أخفاه الذباب الأزرق
يأتي من المخيم حاملاً مشروع الخلاص
ولا يوسف فخر الدين المتأفف ينفخ على الجمر
وياسين الحاج صالح في دوما ينسج الحلم
الطوباوي صاحب كتاب الأنا السعيد بما تنبأ به
مات ليله… . جرمانا الحميمة أغلقت أبوابها.
صالة نوى التي كانت تأوي صعاليك بلا سياسة
لفظت أنفاسها الأخيرة .

غاب جوني عبو عن الأنظار ... وأنا أعود من بيت مروان حبش، ليلاً مثقلاً بالأمل والهم ، بيت مروان هو الليل المتبقي لي في دمشق
مروان هو ذاك الذي أمضى ربع قرن في سجن المزة
وتمتلئ عيناه بالدموع كلما ذكر لحظة وداع صديقه الأتاسي لهم.
لا ليل حميماً في دمشق
كل الصدور كشفت عما كانت تخبئه
الصدور التي كان يسكنها العتم نُشرت عتمها
الصدور الخبيثة الخادعة التي ظهرت بقليل من نور
آوت إلى طاغيتها بكل عراء
والهويات التي تسترت وراء ماركس المتمرد
سال قيحها على صفحات الجرائد
والمنابر، والمهارشات..

والشاعر المازوشي الشكّاء راح يمجد القاتل
أما الهويات التي امتلأت بالحب والحياة سطعت أنوارها
أما تلك التي أخفت جروحها فقد راحت تغني..
لا ليل مضيئاً في دمشق
إله الموت والعتمة يتجول في لياليها
ويطفئ أنوارها نوراً فنوراً..
أما الأرواح التي رسمت صبح دمشق الآتي
وأنوار ليل العشق الدمشقي القادم
فمازالت تمنح الوفاء ربيعه الأخّاذ.


