دبي – الناس نيوز ::
الصبر والمرونة والهدوء، صفات مطلوبة للعمل في المطارات التقليدية، فغالبًا ما تطول صفوف الانتظار للتحقق من المسافرين، وتطبيق الإجراءات الأمنية التي تتطلب تفتيشهم قبل المرور والصعود إلى الطائرات. كما يسبب تأخر الرحلات وإلغاؤها وفقدان الأمتعة إرباكًا وحالة من عدم اليقين، ويزيد من وطأتهما أصوات النداءات المتكررة التي تملأ جنبات المطارات.
في هذه الأجواء تناقض صارخ مع الرحلات الجوية الخاصة التي تعلي من شأن المسافر. ففي صالة جيتيكس لكبار الشخصيات في دبي، مثلًا، صممت الرحلات لتكون سهلة وسلسة، دون أي تعقيدات. يقول عادل مارديني، مؤسس شركة جيتيكس ورئيسها التنفيذي: “يعمل طاقمنا وفقًا لمؤشرات الأداء الرئيسية المستندة إلى الوقت. فعندما تحط الطائرات، نحرص على نقل المسافرين إلى سياراتهم في غضون 20 دقيقة، ونسلم الأمتعة إليهم خلال مدة تتراوح بين 7 و12 دقيقة. وفي حين يُطلق على مرتادي المطارات وصف المسافرين، فهم يُسمّون بالضيوف في صالات جيتيكس”.
افتتاح خدمات جيتيكس
وبحسب مجلة “فوربس” فقد اسس مارديني شركة جيتيكس في دبي عام 2005، لتلبية احتياجات أكثر المسافرين تطلبًا في قطاع الطيران الخاص. غير أن الشركة لا تملك أسطولها الخاص من الطائرات، بل تدير صالات الطائرات الخاصة، والخدمات الجوية للطائرات كمشغّل ثابت (FBO)، لتقدم خدمات تتضمن: إدارة الطائرات الخاصة، وتزويدها بالوقود، إلى جانب إجراءات المناولة الأرضية، والتخطيط للرحلات الدولية لمالكي الطائرات ومشغليها، ووضعها في خدمة الشركات والأفراد والأغراض التجارية على حد سواء. يُذكر أن مارديني عضو في اتحاد طيران رجال الأعمال والطيران الخاص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومعرض دبي للطيران.
كُشف عن شركة جيتيكس للمرة الأولى في معرض دبي للطيران عام 2005. وقد أفتتحت أولى خدماتها كمشغّل ثابت في مطار باريس لو بورجيه عام 2009، وافتتحت خدماتها الرئيسية في دبي عام 2016. وفي عام 2022، سهلت الشركة أكثر من 71 ألف رحلة طيرانٍ خاصة، وقدمت خدماتها لنحو 367 ألف مسافر، مقارنة بتسهيل 51 ألف رحلة، وخدمة 239 ألف مسافر في عام 2021. كذلك افتتحت في العام الماضي صالتي طيران خاص في سنغافورة ولندن. أما مؤخرًا، في أبريل/ نيسان 2023، فعقدت جيتيكس اتفاقية شراكة مع مطار البطين للطيران الخاص في أبوظبي، لطرح خدماتها للمرة الأولى في العاصمة الإماراتية. وبهذا يبلغ مجمل صالاتها 38 صالة حول العالم. يقول جمال سالم الظاهري، العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لمطارات أبوظبي: “ببراعتها في تقديم الخدمات في قطاع الطيران الخاص كمشغّل ثابت، وخبرتها الواسعة في الاستجابة لاحتياجات القطاع، نتطلع للعمل مع شركة جيتيكس لخدمة مسافرينا على الوجه الأمثل”.
وللمقارنة، تنظم جيتيكس رحلات ذهاب وعودة لعدد 10 مسافرين من إمارة دبي إلى جزيرة ماليه في المالديف، بكلفة تبدأ من نحو 7 آلاف دولار للشخص الواحد. علمًا أن كلفة تذكرة السفر في الدرجة الأولى إلى الوجهة نفسها على متن طيران الإمارات تناهز 6,800 دولار.
لاحظت الشركات الدولية العاملة في القطاع، الإمكانات والقدرات الكامنة في المنطقة. وعلى مدى العامين الماضيين، أعلنت شركة (KlasJet) الليتوانية و(AllianceJet) المالطية و(Mirai Flights) ومقرها المملكة المتحدة، عن خططها للتوسع في دول مجلس التعاون الخليجي.
قطاع طيران الأعمال
يقول أكرم العلمي، الشريك في باين آند كومباني: “من المتوقع نمو قطاع طيران الأعمال، على الصعيد العالمي، بمعدل سنوي مركب يبلغ %4.1 في عام 2023. ومن المتوقع أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نموًا مماثلًا”. ووفقًا لشركة (Skyscanner)، أعرب شخص واحد تقريبًا من بين كل 3 مسافرين في أميركا، والمملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، عن رغبته بالسفر في الدرجة الأولى أو درجة رجال الأعمال في عام 2023، مقابل ما معدله شخص واحد من بين كل 5 مسافرين حول العالم.
ويشير مارديني إلى أن المسافرين يبحثون عن المرونة والسلامة والأمن، في عصر ما بعد الجائحة، إلى حد يفوق ما كان عليه الحال قبلها. ويضيف قائلًا: “أمام قطاع الطيران الخاص فرصة ثمينة لمواصلة تهدئة هذه المخاوف باتباع وسائل تجعل من السفر أكثر نظافة، عبر تقليل نقاط تماس المسافرين مع الأسطح والأجسام، مقارنة بقطاع الطيران التجاري”.
في حين أفادت دراسة عن مستقبل طيران الأعمال العالمي لعام 2022، تحت عنوان (Global Business Aviation Outlook) التي أجرتها شركة (Honeywell) أن %74 من المستفيدين الجدد من الطيران الخاص تقريبًا، ينوون الاستمرار في السفر بالوتيرة نفسها في عام 2023، مثلما فعلوا في عام 2022، وهي نسبة تزيد بمقدار %10 عن معدل أساطيل الطائرات. بينما توقع %4 فقط تراجع وتيرة سفرهم في عام 2023. كما ظهر نمو الطلب في زيادة أحجام أساطيل الطائرات الخاصة، إذ تدل بيانات شركة (Honeywell) على احتمال تسليم 8,500 طائرة جديدة من طائرات رجال الأعمال خلال العقد القادم، بقيمة إجمالية تبلغ 274 مليار دولار.
ويبين العلمي أن التحديات البارزة تتمثل في البنى التحتية وتقديم الخدمات في المطارات، وليس في الطلب لدى قطاع الطيران. حاليًا، تعتمد البنى التحتية في الدرجة الأولى، على مطارات الرحلات التجارية.
الارتقاء بالخدمات في الطيران الخاص
لكن تظل الأولوية من منظور مارديني في مواصلة الارتقاء بالخدمات المقدمة للضيوف، والتجارب المعدة لهم. يوضح: “يحظى المسافرون معنا بكل ما يتمنونه. لذلك، يكمن التحدي في عدم الكف عن ابتكار التجارب الفريدة لهم، فكل مسافر منهم مهم للغاية، وهم يريدون في المقابل نيل جل الاهتمام”.
تقول جيتيكس إن معظم مسافريها الدائمين ينتمون إلى 5 فئات رئيسية: فئة رجال الأعمال، ومجموعات المسافرين الكبيرة من عائلات وأصدقاء، وفئة المسافرين ممن تنتابهم المخاوف بعد الجائحة، وفئة الشخصيات المهمة من مشاهير ورياضيين، وفئة المسافرين مع حيواناتهم الأليفة. ويبلغ متوسط أعمار المسافرين في قطاع الطيران الخاص 44 عامًا.
وقد توقع تقرير أعدته شركة (VistaJet) ومؤسسة (Wealth-X)، أن المسافرين الشباب هم مستقبل الطيران الخاص. بينما يأمل هؤلاء بخوض تجارب طيران مصممة لهم بشكل خاص، ويتطلعون إلى سياسات تسعيرٍ شفافة، ويطمحون إلى الاستفادة من الخدمات بسهولة ويسر، بمساعدة وسائل التكنولوجيا المتقدمة.
يقول مارديني: “لم يعد يقتصر قطاع الطيران الخاص على المهنيين العاملين في قطاع النفط والغاز، كما كان سابقًا، فنحن نستقبل اليوم جيلًا جديدًا من الأثرياء من مختلف الأعمار ومجالات الأعمال”. وتحرص جيتيكس على منحهم أفضل الخدمات التي تلبي طلباتهم.
وعلى سبيل المثال، كان هناك مسافر خائف من احتمال الإصابة بكورونا، ارتدى جميع موظفي الصالة والطائرة الكمامات، نزولًا عند رغبته.
جيل جديد من المسافرين
لتعزيز جذب الجيل الجديد من المسافرين، تبنت شركة جيتيكس خدمة تسديد المدفوعات عبر العملات المشفرة في عام 2022. كما بدأت تقديم عروض سفر خاصة تتيح للعملاء حضور الفعاليات العالمية، مثل أسبوع الأزياء في مدن لندن وميلانو ونيويورك وباريس، إلى جانب حضور المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا 2023 في إسطنبول. وتقدم هذه العروض جميعها لنخبة المسافرين، وتشمل الطيران الخاص والإقامة في الفنادق وتناول الطعام في المطاعم المحلية ضمن الوجهات المقصودة، بالإضافة إلى عروض الترفيه.
وخلال بطولة كأس العالم قطر 2022، صارت رحلات شركة جيتيكس المسيرة بين مدينتي الدوحة ودبي، من أكثر الرحلات إشغالًا. وناهزت تكاليف عروض الرحلات الخاصة التي لا تزيد عن 10 ركاب في الطائرة 65 ألف دولارٍ، كما جذبت شريحة جديدة من العملاء، شكل المسافرون على متن طائرات خاصة لأول مرة، والعائلات ومجموعات أصدقاء، والمسؤولون في الشركات، نسبة كبيرة منهم. كذلك تضمنت العروض الخاصة، أسعارًا تفضيلية للإقامة في الفنادق الفارهة، وتوفير سيارات ليموزين في كلتا المدينتين.
ومع وعي المسافرين المتنامي بالتأثيرات البيئية، زاد الطلب على الرحلات الأكثر استدامة. هذا الاهتمام ليس حكرًا على المسافرين في قطاع الطيران التجاري، بل يسود بين مسافري قطاع الطيران الفاخر أيضًا. فيما ورد عبر استطلاعٍ شركة (Virtuoso) لاستشارات السياحة والسفر، أن %75 من المسافرين الأثرياء تقريبًا، على استعداد لإنفاق المزيد من المال في سبيل جعل رحلاتهم أكثر استدامة، فهم القادرون على إنفاق الأموال لتحقيق رغباتهم في مراعاة الاستدامة أثناء سفرهم.
حول اهتمامها بهذا التوجه، إلى جانب التزامها بأهداف الاتحاد الدولي للنقل الجوي (إياتا) الطموحة، والمتمثلة بخفض الانبعاثات، نفذت جيتيكس سلسلة من مبادرات الاستدامة. وفي عام 2022، أدخلت وقود الطيران المستدام (SAF) إلى مطارات مختارة، وأعطت عملاءها خيار التعويض عن مساهماتهم في زيادة الانبعاثات الضارة. وفي يناير/ كانون الثاني 2022، أعلنت الشركة ومطار (Berlin Neuhardenberg Airport) عن تطوير أول صالة لخدمات الطيران الخاص مراعية للاستدامة بشكل شامل في العاصمة الألمانية.
وفي مايو/ أيار، عقدت جيتيكس شراكة مع (Volocopter GmbH) الألمانية، لتطوير نموذج آمن ومستدام من مركبات التنقل الجوي في المناطق الحضرية (UAM) بالاستفادة من مجموعة تقنيات الإقلاع والهبوط العمودي الكهربائية (eVTOL). تمضي الشركة قدمًا، كذلك، في إدخال المعدات والآليات الكهربائية إلى عمليات الساحة. كما أن عمليات تزويد الوقود التي تجريها في مطار باريس لو بورجيه، اليوم، تنفذ بشاحنات كهربائية بالكامل، لتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من تلك العمليات.
مسيرة مارديني
بدأ مارديني، الذي يتمتع بخبرة تمتد 23 عامًا في قطاع الطيران، سائقًا وعاملًا في مطار دمشق الدولي عام 2000، حيث اختلط حامل الجنسيتين التركية والسورية بالمسافرين، واختبر التحديات التي تواجه قطاع الطيران، والمصاعب التي تعتريه. يتذكر مارديني (53 عامًا) قائلًا: “كنت أنقل طواقم العاملين في الطائرات والمسافرين في أرجاء المطار. عرفت ما يريده المسافرون، وأدركت ما تحتاج إليه السوق، مما ألهمني، في النهاية، للعمل في قطاع الطيران الخاص”. وفي عام 2005، انتقل إلى إمارة دبي، وأسس شركة جيتيكس بتمويل من عائلته وأصدقائه.
تعتمد شركة جيتيكس، اليوم، اعتمادًا بالغًا على فريق عملها المكون من أكثر من 750 شخصًا لتقديم خدمات استثنائية. يوضح مارديني: “تعيين أعضاء فريق العمل المناسبين يمثل أحد أبرز التحديات، لأن شركتنا شركة خدمات، ورضا العملاء في هذا النوع من الشركات، يعتمد بشدة على العلاقة بين أعضاء فريق العمل والعملاء وتقديم الخدمات”.
في حين توظف جيتيكس ذوي الخبرة في مجال المطاعم والفنادق الفاخرة، وخريجي معاهد الضيافة الرائدة حول العالم. ويؤمن المؤسس إيمانًا عميقًا بتولي العمل بنفسه ليكون قدوة لغيره، كما يقضي أوقاتًا طويلة في مقرات الشركة بدبي ومواقعها في الخارج، ليظل على دراية بآخر المستجدات وملهمًا لفريق عمله. يقول: “أؤمن أن تسيير الأعمال عن قرب، أفضل طريقة لتوجيه أعضاء فريق العمل، وإلهامهم وتعليمهم”.
التوسع نحو أسواق جديدة
بينما تتواصل جهود توسيع إدارة رحلات الطائرات الخاصة مستقبلًا، يطمح مارديني إلى الذهاب بشركة جيتيكس إلى أسواق جديدة. ويصب تركيزه، من أجل تحقيق هذا الهدف، على كأس العالم لكرة القدم في عام 2026 في أميركا، كما يخطط للتوسع في نيجيريا والسنغال.
ولا يرى الرئيس التنفيذي منافسة تذكر في القطاع، مستمدًا الإلهام من الشركات العاملة في قطاع الضيافة. يضيف: “لا أرى شركة جيتيكس مجرد شركة تهتم بالطيران الخاص فحسب، بل أتصورها منظومة أعمال متكاملة، تضم الفنادق وتحمل اسمًا مرموقًا يتفهم احتياجات عملائها ويسعى لتلبيتها. هذا ما يميزنا عن غيرنا”.