ميديا – الناس نيوز :
فلسطين – مرال قطينة – النهار العربي – خارج المنظومة الأمنية ومجتمع الاستخبارات الإسرائيلي، قلة فقط تعرف قاسم تاج الدين، الثري اللبناني الغامض، والرجل المكلف نقل مئات الملايين من الدولارات الى “حزب الله” اللبناني، وتعرف أيضاً بمسألة الحفاظ على الغموض عمداً.
حتى في بلده لا يُعرف عنه سوى القليل ومن يكون حقاً. القليل من الأشخاص يمكنهم الادّعاء أنهم يعرفونه عن قرب، خوفاً من محاولة اغتياله من قبل القوى التي تعارض “حزب الله”، من السوريين، والأميركيين، والإسرائيليين في شكل خاص.
كانت الشبكة العالمية المتطورة التي أنشأها والمنتشرة في كل أنحاء العالم متورطة في صفقات مشبوهة، منها تهريب مخدرات بكميات كبيرة من لبنان وإلى خارجه، إضافة الى تبييض الأموال حيث تمكنت الشبكة من تبييض ثروة ضخمة للتنظيم اللبناني.
جاء ذلك في تقرير مفصل نشرته المجلة الأسبوعية لصحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية للصحافية المتخصصة بالشؤون العربية سمدار بيري، تحت عنوان “تبييض أموال نصرالله: أين اختفى “وزير مالية حزب الله”؟أشارت بيري في تقريرها الى أنه “ومنذ لحظة هبوطه بطائرة خاصة كانت قد أمنتها له الحكومة اللبنانية- حيث لا توجد رحلات جوية مباشرة من الولايات المتحدة الى بيروت، استمرت ومضات الكاميرات التابعة للصحافة المحلية اللبنانية والشبكات الإخبارية العربية والأجنبية بالتقاط الصور ومتابعته وكانت تقوم برصده بعد أن نزل درج الطائرة وركع وقبّل الأرض التي عاد اليها، لكنه عاد ليحتمي خلف الحرّاس الشخصيين الذين أرسلهم لحمايته صديقه الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، علماً انه ليس واضحاً متى التقى الاثنان للمرة الأولى وكيف أصبحت العلاقة بينهما وثيقة وعميقة.
في ذلك اليوم زُيّنت سيارات أهالي قرية حناويه في قضاء صور، كما لو أنهم كانوا يستعدون لحفل زفاف، وقاموا بتحضير الذبائح أمام الكاميرات، ورقص المسنون والشباب جنباً الى جنب في حلقات الدبكة، وكان في الإمكان رؤية الزهور والحلوى والرز تلقى وتُرش من الاتجاهات كافة … هذا هو الحال عندما يعود البطل الى منزله من السجن الأميركي.
تابعت الصحفية الإسرائيلية: “هكذا أغلق تاج الدين الدائرة وعاد الى بيته بطلاً لبنانياً موقراً، الرجل الذي بالكاد أنهى تعليمه، والمولود لعائلة متواضعة بعيدة من النخبة، وأصبح أحد أباطرة البلاد العظماء، وأنبوب الأموال لـ”حزب الله”، وبسببه حقق التنظيم أرباحاً سنوية تُقدّر بمئات ملايين الدولارات، استغلها لدفع رواتب مقاتلي الحزب وشراء الأسلحة الموجهة ضد إسرائيل، وعقد صفقات سرية لتهريب المخدرات، وهي أحد مصادر التمويل الرئيسية.
عند مدخل المنزل كان أربعة من إخوته في انتظاره، أثنان منهما كانا على صلة مباشرة بالأسباب التي دفعته الى دخول السجن الأميركي، عبر شبكة أعمال من القش في لبنان وكل أنحاء أفريقيا، والتي من خلالها تم نقل الملايين الى “الفرع الإيراني” على الحدود الشمالية لإسرائيل. وسط احتفالات القرويين وهتافاتهم دخل تاج الدين الى منزله وأغلق الباب وأختفت أثاره منذ ذلك الحين.
مر عام ونصف العام منذ ذلك اليوم الاحتفالي في القرية، فمكان تاج الدين حالياً في لبنان سري للغاية، والتعليمات التي تلقاها من “حزب الله” لا لبس فيها: “من فضلك قم بتحميل الملف التعريفي، ولا تنطق بأي كلمة غير ضرورية” وفقاً للصحافية الإسرائيلية.
ولفتت بيري في تقريرها الى أن الأمين العام لـ”حزب الله” ورجاله يمتنعون عن مقابلة تاج الدين منذ أكثر من عام، خوفاً من أن يكتشف الأميركيون مكان تواجده، ويقوموا بإلقاء القبض عليه مجدداً، إذ إن السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا ومسؤولين آخرين في السفارة يتقصون باستمرار حول مقر إقامة نصر الله وكبار أعضاء التنظيم، وهذا السبب وراء اختفاء “وزير مالية حزب الله”.
وأضافت بيري أن في رأس التنظيم اللبناني هناك قلق بالغ من عيون المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وإمكان تعرضها لأي شخص يقوم بلقاء تاج الدين، “لكن لا تقلقوا عليه فإن السيد نصرالله يبعث له برسائل حارة، وهو مستمر في ادارة أعماله في لبنان”.
في عامه الـ65 قفز تاج الدين من طفل ريفي فقير الى أعلى قمم الثروة والنفوذ السياسي والاقتصادي، وهو داعم اقتصادي لأخطر تنظيم في العالم، بحسب تعريف الإدارة الأميركية، التي تحظر على أي شركة أو مواطن التعامل معه حتى بعد قضاء مدة عقوبته.
لكن بعض الضباب تلاشى من حوله عندما وضع الأميركيون يدهم عليه ودانوه بـ11 تهمة خطيرة في محكمة في واشنطن، لكن تاج الدين الذي ينجح عادة في النزول على قدميه والاختفاء، استخدم جائحة كورونا وحالته الصحية وحصل على قرار بالخروج من السجن، على الرغم من أن وزارة العدل الأميركية حاولت نقض القرار، لكن الآن وبعد أن أعاد تبييض أموال “حزب الله” في أعماق الظلام وهو المكان الأكثر راحة بالنسبة إليه، فمن المؤكد أنه يخطط لكيفية ضخ المزيد من الأموال إلى الحزب.
وشرحت بيري قائلة: “بالنسبة إلى العديد من اللبنانيين، فإن طريق تاج الدين من طفولة صعبة الى مركز القوة في “حزب الله” هي أشبه بقصة “سندريلا”. وتساءلت “ما الذي يجعل ولد من عائلة بسيطة منخفضة الدخل، وابن سائق تاكسي من قرية متواضعة من أقرب الناس الى السيد نصرالله؟”، وتجيب: “تاج الدين هو أحد التجار الأذكياء في الشرق الأوسط، وهي إحدى السمات المهمة في لبنان على طريق النجاح.
في سن الحادية عشرة بدأ تاج الدين العمل مع عمه كصبي يعمل على إيصال الأغراض، وافتتح لاحقاً شركته الخاصة، ثم جاء اليه أعضاء من “حزب الله” وجندوه في صفوفهم، ووعدوه بأموال طائلة، وشرحوا له أهمية المشاعر الوطنية بالتفصيل، والأهمية التي سيكتسبها عند التحاقه بالتنطيم.
وتتعمق بيري بالتفصيل في شرح كيف أن الأجهزة القانونية الغربية راقبت تاج الدين طوال عقدين من الزمن حيث داهم محققو الشرطة البلجيكية مكاتب شركته في بروكسيل، حيث اشتبه المحققون في أن الشركة كانت بمثابة قناة تمويل لمنظمة الجامعة العربية الأوروبية المسؤولة عن أعمال الشغب التي اندلعت في ذلك الوقت في المدينة، لكن السلطات البلجيكية لم تتمكن من إثبات هذا الارتباط، لكنها كشفت عن “احتيال ضريبي واسع النطاق وتبييض للأموال وتجارة الألماس غيرالمختومة بعشرات الملايين من اليورو، فاعتقل على إثرها تاج الدين وزوجته وأفرج بعدها عنهما بكفالة كبيرة وغادرا بلجيكا.
وخلصت بيري الى أن طريقة تاج الدين في جوهرها كانت بسيطة، إذ اعتمد على إنشاء شركات تجارية في البلدان الفقيرة، ومن ثم ضخ رأس المال الأولي فيها وتجنيد عمال محليين للعمل ودفع رواتب متدنية لهم، وتحويل الأرباح الى مسؤول الارتباط مع “حزب الله” الذي يقوم بدفع أجور محترمة.
انتقلت الأموال من الحسابات المصرفية للشركات وتم تبييضها في بلد آخر، أما الأموال القادمة من مبيعات الأسلحة والمخدرات، فكانت مودعة في حسابات بنكية تبدو بريئة … مبلغ صغير في كل حساب حتى لا يثير الشبهات ومن هناك يودع في حساب “حزب الله” على فترات.
وقد ساهم الدبلوماسيون اللبنانيون الذين عرفوا كيف يستغلوا حقيقة عدم تفتيشهم، في الأنشطة العابرة للحدود التي يقوم بها تاج الدين، والذي كان يعرف بالضبط أين يبيع، ولمن يبيع، وماذا يبيع؟ فقد شملت أنشطته التجارية الواسعة سبع شركات عملاقة – خمس منها في أفريقيا واثنتان في بلجيكا، وفي الوقت نفسه قام بشراء أراض في لبنان تعدت قيمتها عشرات الملايين من الدولارات، بما في ذلك مناطق قريبة من نهر الليطاني وفي الجنوب ليس بعيداً من الحدود مع إسرائيل بالقرب من مقر قوات اليونيفيل.
وختمت بيري أن تاج الدين كان يقوم بأعماله من خلال موفدين ووكلاء ونادراً ما كان يقترب من النار بنفسه، وقد ساعده ذلك في الهروب مراراً وتكراراً حتى اعتقاله عام 2017.
تصرّف تاج الدين في قريته مثل روبن هود حيث موّل مع إخوته إنشاء مدارس جديدة وساعدوا الأسر ذات الدخل المنخفض، وفي ذروة نشاط الشبكة توسّعت عمليات تاج الدين من بلجيكا الى أفريقيا وفي وقت لاحق مع رجال أعمال محليين في تكساس وجورجيا ولويزيانا في الولايات المتحدة، كما قام بصفقات تبادل للأسلحة في “الخليج”.
اعتبره الأميركيون هدفاً منذ عام 2009، لكنهم في عام 2011 نجحوا في إغلاق كل أعماله في أنغولا. انضمت 7 دول أوروبية من بينها فرنسا وألمانيا وبلجيكا الى الولايات المتحدة في عملية مشتركة، قدمت إسرائيل فيها معلومات سرية أدت الى اعتقاله في مطار الدار البيضاء، وتم استجوابه في المغرب من قبل جهاز الاستخبارات المحلية والمحققين الأجانب حتى نقله الى الولايات المتحدة ، وبعد سنوات سجنه خرج بصفقة تبادل .