د . رضوان زيادة – الناس نيوز ::
أعلن عن ولادة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام” في أبريل/نيسان 2013، وخاضت داعش حينها حرباً شرسة ضد “تنظيم القاعدة” في سورية”جبهة النصرة” حول فكرة المشروعية، ومع سيطرة تنظيم داعش بشكل كامل على الموصل في يونيو/حزيران 2014 بدا واضحاً أن تنظيم داعش يختلف عن غيره من التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في كل من سورية أو العراق، إنه يعتمد على موارد عسكرية كبيرة معظمها حصل عليها من الجيش العراقي في العراق، وبنفس الوقت استند على بروبغاندا إعلامية كبيرة، عملت على تجنيد المقاتلين ليس فقط في سوريا والعراق، وإنما في كل أنحاء العالم.
وعندما تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مدينة الرقة (أكبر معاقل التنظيم في سورية ) بعد طرد كل التنظيمات المسلحة من المدينة، بما فيها “جبهة النصرة” وذلك في أبريل/نيسان 2013 أصبحت داعش طرفاً رئيساً في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ عام 2012.
تم القضاء عسكرياً على تنظيم داعش في سورية في عام 2017، عندما تمكنت القوات الأمريكية من السيطرة الكاملة على الرقة، وذلك خلال إدارة الرئيس ترامب، لكن التكلفة كانت كبيرة جداً على المدنيين حيث أوقف الرئيس ترامب كل البرامج الخاصة بإعادة بناء القرى والمدن التي دمرت خلال الحرب ضد داعش، وخاصة الرقة واعتمد على تمويل سعودي لمرة واحدة، وكان يردد باستمرار رغبته في رحيل كل القوات الأمريكية عن سوريا، حيث لا شيء هناك سوى “الرمال والموت”.
تمكنت الاستخبارات الأمريكية في عام 2019 من تحديد مكان زعيم تنظيم الدولة أبو بكر البغدادي في ريف إدلب، حيث قامت بتصفيته في أكبر عملية إنزال جوي حينها في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2019، في عملية نفذتها القوات الخاصة الأمريكية بإدلب شمالي غربي سوريا.
العملية التي نفذتها قوات “دلتا فورس” كانت نتاج تعاون استخباراتي منذ أشهر شاركت فيه عدة جهات حسب ما كشف عنه الرئيس الأمريكي ترامب حينها.
بعدها خمدت داعش في مرحلة كمون حيث اعتقد الجميع أنها انتهت كتنظيم، لكن مع بدء عام 2021 والعام الحالي بدأت داعش بتنظيم عمليات نوعية خاصة داخل البادية السورية، حيث المنطقة الرخوة هناك من حيث ضعف تواجد قوات للنظام السوري أو المعارضة أو القوات الدولية، بيد أن العملية الأكبر كانت على سجن حي غويران في الحسكة، حيث قامت داعش بتحرير عدد كبير من سجنائها المحتجزين هناك تحت قيادة قوات سوريا الديمقراطية، وكانت هذه العملية بمثابة جرس إنذار عن صعود التنظيم وقدرته على إعادة تجميع نفسه، رغم من عدم فعالية قيادته وعدم ظهورها على الإعلام أبداً، لكن وفجأة قامت القوات الأمريكية بعملية نوعية داخل إدلب (منطقة أطمة) مرة أخرى، حيث تمكنت من قتل زعيم التنظيم الجديد أبو إبراهيم القرشي (يحمل أسماء كثيرة لكن اسمه الحقيقي عبدالله قرداش)، بعد عملية استخبارية طويلة امتدت لعدة شهور وأعلن في اليوم التالي الرئيس الأمريكي بايدن مقتل القرشي.
للأسف تتعامل الولايات المتحدة اليوم مع سوريا كساحة لتصفية الإرهابيين بدل أن تدفع باتجاه انتقال سياسي كامل في سوريا عبر تطبيق القرار 2254 وانتقال بالسلطة من بشار الأسد إلى انتخابات ديمقراطية تعيد السيادة لسوريا وشعبها، وتحل مشكلة الملايين من اللاجئين والنازحين في الأراضي السورية وخارجها.
كنا قد اشرنا أكثر من مرة أنه سينشأ فراغ سياسي لمن سيحكم الرقة بعد طرد داعش، فيما لو تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة عليها بدعم من الولايات المتحدة، فإن الشكوك بتقسيم سوريا ستزداد وتتعمق، مع الميل الواضح لقوات سوريا الديمقراطية، المكونة من الكرد بشكل رئيس، من تأسيس حكم ذاتي خاص بهم في تلك المناطق رغم أنه ليس لديهم أكثرية في تلك المناطق أبداً، وبالتالي ستصبح الرقة عرضة للّا استقرار السياسي على المدى القصير والطويل، ما سيزيد من الصراع الأهلي، وربما يتحول إلى صراع إثني بشكل أوضح في ظل الخلاف التاريخي بين القبائل العربية والعشائر في تلك المناطق مع الكرد، وبالتالي مع عدم حدوث حلول سياسية والاكتفاء فقط بالتخلص من داعش عسكرياً، سوف يعمق الفراغ الأمني في تلك المنطقة ويعرضها لظهور تنظيمات إرهابية أخرى ربما تنشأ كخلف لتنظيم داعش، كما جرى في العراق في عام 2004 بعد القضاء على تنظيم الزرقاوي.
وهذا ما حصل بالضبط مع عودة تنظيم داعش إلى السطح، فيجب أن ندرك أن مقتل زعيم التنظيم لا يعني نهاية التنظيم الذي ما تزال ظروف ولادته ذاتها، غياب الأمل لدى السوريين وبقاء بشار الأسد في الحكم.