كانبيرا – الناس نيوز ::
تشغل الطاقة المتجددة في أستراليا مساحة مهمة ضمن خطط حكومة أنتوني ألبانيزي الجديدة، لكن تلك الطموحات مكبّلة بتحديات عدّة، من ضمنها توفير ميزانية الاستثمارات النظيفة؛ ما فتح المجال حول إمكان تكرار نموذج بريطانيا بفرض ضرائب على صناعة الوقود الأحفوري.
ومع تزايد معدل إنتاج الغاز الأسترالي واستفادة الشركات من عائدات قوية معززة بارتفاع الأسعار العالمية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، برزت مطالبات تدعو لفرض ضريبة على الغاز لأغراض عدّة، حسبما ورد بمقال المدير التنفيذي السابق لمعهد أستراليا، ريتشارد دينيس، نُشر بصحيفة الغارديان البريطانية (The Guardian).
وكانت بريطانيا قد أبدت، في مايو/أيار الماضي، رغبتها بفرض ضريبة مفاجئة على شركات النفط والغاز العاملة في بحر الشمال لتوفير مخصصات الإنفاق على حزمة المعيشة، وفق ما اطّلعت عليه منصة الطاقة المتخصصة.
ضريبة الغاز
جاء استدعاء حكومة حزب العمال الأسترالية -التي تولّت مهامها مؤخرًا- للسيناريو البريطاني بارقة أمل لتوفير استثمارات الطاقة المتجددة في أستراليا، وإنقاذ البلاد من انقطاعات مرتقبة بقطاع الكهرباء.
ويرى كبير الاقتصاديين في معهد أستراليا ومديره التنفيذي السابق، ريتشارد دينيس، أن تطبيق السيناريو البريطاني المطروح بالمملكة المتحدة حاليًا، وفرض ضرائب مفاجئة على قطاع الغاز في أستراليا، هو السلاح الوحيد أمام حكومة أنتوني ألبانيز لدعم انتقال الطاقة.
وأشار دينيس إلى أن دعم غزو أوكرانيا لأسعار الغاز العالمية يعزز أرباح الشركات -ومن ضمنها الشركات الأسترالية- ومن ثم فإن فرض الضريبة المفاجئة لمرّة واحدة فقط يُخلّص بلاده من الوقود الأحفوري بصورة نهائية.
واستشهد بتجارب عالمية عدّة بفرض ضرائب مماثلة، من بينها تجربة المملكة المتحدة في اقتراح فرض ضرائب على شركات الوقود الأحفوري الكبرى، مثل شركة النفط البريطانية بي بي بنسبة 25%، وكذلك تجربة النرويج.
وأضاف أن فرض أستراليا مثل تلك الضريبة على صناعة الغاز يوفر المليارات اللازمة لإنهاء اعتماد المنازل والشركات على الوقود الأحفوري، إلى جانب توفير الاستثمارات اللازمة لتطوير الطاقة المتجددة في أستراليا.
وأوضح أن وقت تخارج صناعة الغاز من بلاده قد حان، لا سيما أن البلاد تستعد لمواجهة شتاء شديد البرودة يحمل معه توقعات بانقطاع للكهرباء، مشيرًا إلى أن منافع وأرباح تلك الصناعة كانت “كذبة” أطلقها القائمون على صناعة الوقود الأحفوري لسنوات طويلة.
وداعًا للوقود الأحفوري
أكد ريتشارد دينيس في مقاله، أن الحصول على كهرباء زهيدة الثمن وموثوقة يتطلب التخلص الفوري من الوقود الأحفوري بالبلاد، وهي معادلة ذهب إليها مستندًا إلى أن توسعات صناعة الغاز لم تنجح في خفض أسعار إمدادات الكهرباء للشركات والمنازل.
ورأى أن الحملات التي أطلقها تحالف حكومة سكوت موريسون السابقة لربط دعم صناعة الغاز بإصلاح قطاع الكهرباء لم تسمح بخفض أسعارها، أو توفير أيّ دعم لاستثمارات الطاقة المتجددة في أستراليا.
وقال دينيس، إن خيارات حكومة أنتوني ألبانيز محدودة أمام ملف شائك مثل الكهرباء؛ إذ لن تتمكن حكومة حزب العمال من زيادة معدل لإنتاج الكهرباء خلال الأشهر المقبلة، وقبيل فصل الشتاء، لكن حرب أوكرانيا والسيناريو البريطاني قد يضمنان مستقبلًا كهربائيًا أفضل إذا فُرِضت الضريبة على المُصنّعين في ظل ارتفاع أسعار الغاز.
ولفت إلى أن محاولة مسؤولي الصناعة تحميل الأستراليين مسؤولية ارتفاع أسعار الغاز العالمية، رغم وفرة إنتاجه محليًا، تدفع نحو تعزيز استثمارات الطاقة المتجددة وسياسات التخزين في البلاد.
وفي الوقت ذاته، أوضح دينيس أنه لا توجد حلول فورية للتعامل مع اضطرابات الكهرباء خلال الشتاء المقبل، وأنّ تفهُّم الحكومة الجديدة لتلك الأزمة والاعتراف بعدم توافر حلولها بصورة سريعة أمر مهم لتجاوزها.
الغاز والفحم
أقرّ ريتشارد دينيس أن اعتماد محطات الكهرباء طوال العقد الماضي على إمدادات الوقود الأحفوري -الفحم والغاز بصورة خاصة- لم ينجح في ضمان موثوقية الإمدادات.
وضرب مثالًا بانقطاع الكهرباء الذي امتدّ من ولاية نيو ساوث ويلز حتى ولاية كايرنز، بعدما انفجرت محطة الكهرباء العاملة بالفحم “كاليد” الواقعة بولاية كوينزلاند، العام الماضي.
وبالإضافة لذلك، توقّف 30% من إنتاج الفحم في أستراليا، الشهر الماضي، إثر تعرُّض البنية التحتية المتهالكة والقديمة للانهيار، وانخفاض الإنتاج بمستويات قياسية، وهي خطوة تكررت قبل أسبوع في ولايتي فيكتوريا كوينزلاند بإنهاء عمل المزيد من محطات الفحم.
وأكد دينيس أن تلك الحوادث تُبرهن على أن تهالك البنية التحتية للفحم لا يضمن موثوقية إمدادات الكهرباء.
وحذّر الحكومة الجديدة من دعم مشروعات الوقود الأحفوري التي أودت بحكومة موريسون، مشيرًا إلى أن عمل حكومة ألبانيز على تطوير استثمارات الطاقة المتجددة في أستراليا ستجني ثماره مستقبلًا.
وتطرّق إلى أن الموافقة على أيّ مشروعات جديدة للوقود الأحفوري سوف تؤثر سلبًا في الموقف الدبلوماسي لأستراليا، إذ إن مكافحة تغير المناخ باتت الشاغل الأهم لغالبية الدول المحيطة.
استثمارات الطاقة المتجددة في أستراليا
تتناسب مسارات التخلص من الوقود الأحفوري وإنهاء خطط محطات الفحم وفرض ضريبة الغاز في أستراليا طرديًا مع خفض سعر الكهرباء وضمان إمداداها، وكذلك خفض معدل الانبعاثات، وفق ما أكده ريتشارد دينيس في مقاله.
وعلّق دينيس آماله على حكومة ألبانيز لدعم خطط استثمارات الطاقة المتجددة في أستراليا، مشيرًا إلى أن التوسع بها، بالإضافة إلى خطط التخزين، يضمنان إمدادات أكثر أمانًا وموثوقية، بالإضافة للأسعار الزهيدة.
وضرب مثالًا بنجاح سياسات العاصمة كانبيرا وإقليمها (آكت) لضمان 100% من إمدادات الكهرباء عبر مصادر الطاقة المتجددة في أستراليا، وهي سياسة سمحت لها بمواجهة الأجواء الباردة في تلك الآونة، وخفض فواتير الكهرباء، في الوقت الذي تقفز به فواتير الكهرباء بولايات أخرى إلى 140%.
وبتطبيق التجربة الناجحة للعاصمة بصورة سريعة على استثمارات الطاقة المتجددة في أستراليا بالولايات كافة، والتوسع في قدرات التخزين والنقل، تصبح البلاد على موعد مع فواتير كهرباء مخفَّضة وإمدادات موثوقة، وإسهام أقلّ بالانبعاثات الضارة.