لندن – الناس نيوز ::
شهد العالم في السنوات الأخيرة زيادة معدلات العنف والجريمة بجانب اندلاع العديد من الحروب، وهو ما ترتّب عليه تضاعف وتيرة الأعمال الفنية التي تتناول الجرائم على الشاشة خاصة تلك المبنية على أحداث حقيقية، وتتمتع بنسب مشاهدة مرتفعة.
ويأتي فضول المتفرجين لمعرفة الدوافع النفسية للمجرمين، واستمتاعهم بجرعات الأدرينالين المندفعة خلال المشاهدة، في مقدمة الأسباب التي تدفع للإقبال على دراما الجريمة، وتميل بعض النساء للمتابعة على أمل التقاط العلامات التحذيرية ومن ثمّ يصبح لديهن استعدادات مسبقة بحال تعرّضن إلى مآسي مشابهة.
ومن المُلاحظ أن الأفلام والمسلسلات التي تستعرض قصص الجرائم لم تعد مُقتصرة على هوليود، وإنما امتدت لكثير من دول العالم بما فيها الدول العربية، خاصة بعد انتشار منصات البث الرقمية العربية.
وخلال الفترة الأخيرة شاهدنا مسلسلات بوليسية وتشويقية مثل “منعطف خطر”، و”تلت التلاتة”، و”الليلة واللي فيها”، و”المتهمة”، وآخرها “سفاح الجيزة” و”حدث بالفعل” المستوحيان من جرائم وحشية جرت على أرض الواقع.
الهوس بالجريمة بين الترفيه والعواقب
وفقا للإحصاءات، فإن 80% من مواليد الألفية الثانية مهوسون بدراما القتلة المتسلسلين، حتى إن المسؤولين عن منصة “نتفليكس” أفادوا بأن المسلسل القصير “دامر- الوحش: قصة جيفري دامر” والمبني على قصة القاتل المتسلسل جيفري دامر، هو ثاني أكثر إصداراتها شعبية على الإطلاق، إذ شاهدته ما يقارب 56 مليون أسرة.
وعلى اختلاف الدوافع النفسية التي قد تدفع الجمهور للمتابعة، يظل أكثر ما يُقلق الأطباء هو تأثير الاستمرار بمشاهدة هذا النوع من الدراما سواء على الصحة العقلية أو النفسية للمتفرج، لما في ذلك من أضرار جسيمة. بالنهاية نحن نتاج دواخلنا وبيئتنا، وبالتالي من البديهي أن يتأثر العقل بما نغذيه به من معلومات وأفكار.
وإليكم بعض الآثار السلبية التي قد تُصيب من يفرطون بمتابعة الجرائم:
تعزيز القلق
حسب آراء المتخصصين فإن المُتابع الذي يعاني بشكل مُسبق من القلق أو الاكتئاب، سيضاعف الإفراط بمشاهدة دراما الجريمة واللقطات الدموية المروعة لديه تلك المشاعر بالإضافة إلى إصابته بالتوتر المستمر والعصبية الحادة.
بين التأهب الشديد واليقظة المفرطة
من المشاعر السلبية الأخرى التي قد تنتاب المهووسين بالجريمة، الخوف الذي إذا تضاعف قد يصل إلى البارانويا أو نوبات الهلع بجانب التأهب الشديد واليقظة المفرطة حتى إن البعض قد يُصابون بالخوف من الخروج ويعتكفون في المنزل مُستمرين بالتحقق من غلق الأبواب والنوافذ طوال الوقت.
بينما يقوم آخرون بمراقبة كل ما حولهم بحثا عن أي علامات تدل على احتمالية وجود مجرمين في الأنحاء أو يتجنبون بعض الأماكن لا لشيء سوى أنها تُشعرهم بعدم الارتياح وتثير داخلهم الريبة والشك، خوفا من أن يكونوا هم الضحية القادمة.
اضطرابات النوم
بخلاف المشاعر السلبية، قد يُعاني بعض الأشخاص من صعوبة في النوم أو الأرق وربما تزورهم الكوابيس والهلاوس أيضا.
تطبيع السلوكيات العدوانية
في البدء يأتي التعاطف مع الضحايا، هذا هو السلوك المتوقع والأوّلِي لمتابعي الجرائم على الشاشة، لكن مع كثرة المشاهدة قد ينتج عن ذلك أثر عكسي يتسبب بأن يصبح المتفرّج غير حساس تجاه الجرائم، إذ يعتادها وتصبح مألوفة لديه فيفقد تعاطفه مع الآخر وصولا إلى تطبيع السلوك العدواني والمسيء.
توقعات خاطئة تُؤدي إلى الإحباط
من عساه ينتصر الخير أم الشر؟ يشغل هذا التساؤل أذهان الكثيرين خاصة من يشاهدون دراما الجريمة الحقيقية بهدف الاطمئنان أن العدل يأخذ مجراه والمُذنب يُعاقب على فعلته، غير أن الواقع لا يعمل بهذه الطريقة، الأمر نفسه ينطبق على نظام العدالة الجنائية التي ليست بالضرورة سريعة وذات كفاءة. مما يفسر الوصول أحيانا إلى الجاني الحقيقي بعد سنوات طويلة أو تقييد القضايا ضد مجهول والأسوأ أحيانا يُلقى القبض على أبرياء عوض المتهمين الحقيقيين، وهو ما يتناقض مع التوقعات غير الصحيحة التي يتبناها المشاهدون، ويُصيبهم بالتبعية بالإحباط حين لا تتطابق تصوراتهم مع الواقع وربما يُفقدهم الإيمان بنظام العدالة كله ويُشككهم بفاعليته متى أدركوا أن إدانة المجرم غير مضمونة.
أعراض جسمانية أخرى
بجانب كل ما سبق، أحيانا تظهر بعض الأعراض الجسمانية من بينها: ارتفاع ضغط الدم، ضربات قلب سريعة، التنفس الضحل أو فرط التنفس، وانخفاض الاستجابة المناعية.
نصائح المتخصصين
يختلف رد فعل كل فرد تجاه ما يشاهده بما يتفق مع خلفيته وماضيه وحالته المزاجية، لكن بكافة الأحوال ينصح المعالجون أن يتجنب مرضى الاكتئاب والقلق مشاهدة العروض المعنية بالجرائم خاصة الحقيقية، وإن كان لابد من فعل ذلك فليكن بحذر ودون مبالغة لعدم الضغط على عقولهم وأجسادهم.
أما غير الملتزمين منهم والذين سوف يشاهدون قصص الجريمة بكثافة في كافة الأحوال، عليهم بمجرد ملاحظتهم أي عَرَض جسماني أو الشعور بتأثير غير مرغوب به مما سبق ذكره، التوقف فورا عن المتابعة والتمتع بقسط من الراحة من جهة، ومن جهة أخرى مشاهدة أعمال فنية خفيفة أو مٌلهمة لمعادلة الكفة ومنح العقل والروح شعورا جيدا وإيجابيا.