أنقرة عواصم ووكالات – الناس نيوز
يرى محللون أن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قد يكون انتزع من نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني إبراهيم رئيسي خلال قمة طهران غطاء لتنفيذ عملية محدودة في شمال سوريا، لكنه لم يحصل على “ضوء أخضر” كان يسعى إليه لشن هجوم واسع يهدّد به منذ أسابيع ضد المقاتلين الأكراد.
وأكد إردوغان خلال القمة التي انعقدت الثلاثاء عزم بلاده مواصلة “القتال قريباً ضد المنظمات الإرهابية”، في إشارة إلى المقاتلين الأكراد في سوريا. فما هو حجم العملية الممكنة؟ وهل سيغير التحرك التركي، إن حصل، الوضع على الأرض في منطقة أعلن فيها الأكراد منذ سنوات إدارة ذاتية، وتتداخل فيها مصالح النظام السوري وروسيا وتركيا وإيران والولايات المتحدة?
– هل حصل إردوغان على ضوء أخضر؟
انتهت قمة طهران بتأكيد الدول الثلاث تصميمها على “مواصلة تعاونها القائم للقضاء في نهاية المطاف على الأفراد والمجموعات الإرهابية” في سوريا.
وبرغم تأكيد البيان الختامي “رفض كل المحاولات لخلق وقائع جديدة على الأرض تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، بما يشمل مبادرات الحكم الذاتي غير القانونية”، في إشارة الى الإدارة الذاتية الكردية، لم تحظ تركيا على الأرجح بتفويض لشن هجوم واسع، وفق محللين.
وسبق لموسكو وطهران وواشنطن أن حذّرت تركيا من مغبّة شنّ هجوم جديد.
وأكد المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي خلال استقباله إردوغان أن عملية عسكرية تركية “ستعود بالضرر” على سوريا وتركيا والمنطقة.
وتعتبر أنقرة المقاتلين الأكراد “إرهابيين”، وتبرّر إيران وروسيا تدخلهما لصالح النظام في سوريا بمواجهة مجموعات “إرهابية”، هي، بالنسبة اليها، فصائل المعارضة والمجموعات الجهادية.
وقال وزير الخارجية السوري فيصل المقداد في طهران التي زارها غداة القمة، إن إردوغان لم ينجح في “تحقيق الأهداف التي كان يسعى إليها”.
وتقول الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية دارين خليفة لوكالة فرانس برس “لم تمنح القمّة إردوغان الضوء الأخضر” للمضي في هجومه. لكنّها تذكّر بأن تركيا “أطلقت مراراً عمليات عسكرية في سوريا من دون ضوء أخضر” ورغم اعتراض قوى رئيسية بينها موسكو وواشنطن.
وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو الخميس إن تركيا “لا تطلب الإذن مطلقا” من أحد قبل شن عملية عسكرية في سوريا، مضيفا “يمكننا تبادل أفكار، لكننا لم ولن نطلب مطلقا إذنا لعملياتنا العسكرية ضد الإرهاب”.
وتابع “يمكن أن يحدث ذلك بين عشية وضحاها، بشكل غير متوقع”.
وتُرجح منى يعقوبيان من “معهد الولايات المتحدة للسلام” ألا تثني القمة إردوغان الذي يتحضر لانتخابات رئاسية في 2023، “عن القيام بخطوة رمزية تتيح له الإدعاء بأنه قام بتحرك، ولكن من دون شن هجوم عسكري واسع”، خصوصاً أنه يعتقد أن هجوماً في سوريا وربطه بمسعى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم سيكسبه “تعاطفاً” قبل الاستحقاق.
وشنّت تركيا بين 2016 و2019 ثلاث عمليات عسكرية في سوريا لإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية، العمود الفقري لقوات سوريا الديموقراطية المدعومة أميركياً، عن حدودها. وتعد أنقرة الوحدات امتداداً لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض تمرداً ضدها منذ عقود.
وتشكّل تل رفعت ومنبج اللتان تهدد تركيا باستهدافهما جزءاً من “منطقة آمنة” بعرض 30 كيلومتراً تريد إقامتها قرب حدودها الجنوبية.
وتل رفعت في الأساس مدينة ذات غالبية عربية، وبات يقيم فيها عدد كبير من الأكراد الذين دفعهم هجوم تركي في منطقة عفرين للنزوح العام 2018. كما تُعد منبج ذات غالبية عربية، ويتواجد أكراد فيها وفي محيطها بشكل أساسي.
في دمشق، بدا مدير مركز الدراسات الاستراتيجية بسام أبو عبدالله أكثر تفاؤلاً، إذ يقول لفرانس برس إن “فتيل العملية العسكرية التركية التي كانت ستعقّد الوضع في الشمال، قد نُزع تماماً” على ضوء مقررات قمة طهران.
– ما هي الخيارات والتحديات؟
وترى يعقوبيان أن إردوغان قد يختار “شنّ توغل محدود جداً من حيث النطاق والمدة” أو “ضربات محدودة من طائرات مسيرة”.
ويوضح الباحث في معهد “نيولاينز” نيك هيراس لفرانس برس أن إردوغان “يتمتع بضوء أخضر” لشن ضربات جوية ضد أهداف كردية محددة، على غرار ما يحصل في العراق المجاور حيث تستهدف أنقرة قواعد حزب العمال الكردستاني في مناطق جبلية.
وهناك تواجد عسكري روسي ولمجموعات إيرانية وأخرى تابعة للنظام السوري في المنطقة التي تهدّد تركيا باستهدافها، فيما تتواجد قوات أميركية في شرق وشمال شرق سوريا، ما يضع عراقيل إضافية أمام اي عمل عسكري تركي واسع.
ويقول هيراس “إذا بقيت الولايات المتحدة في سوريا، ليس هناك الكثير الذي يمكن لتركيا وإيران وروسيا فعله لتغيير واقع أن هناك مساحات واسعة ستبقى تحت سيطرة قوات سوريا الديموقراطية”.
ويُعتبر دعم واشنطن للمقاتلين الأكراد بمثابة صمام أمان لهم، وإن كانت ثقتهم بها اهتزت بعد هجوم تركي في 2019 حصل بعد انسحاب القوات الأميركية من مواقع حدودية.
– ما هي تداعيات عملية محتملة؟
ستكون لأي تحرّك عسكري تركي في منطقة سكانية مكتظة، وفق خليفة، “عواقب إنسانية وخيمة (…) وسيؤدي تجدد الصراع حتماً إلى نزوح جماعي ومعاناة”.
وإثر اتفاق روسي مع الأكراد، تُعزز قوات النظام منذ أيام انتشارها في مناطق حدودية، خصوصاً قرب منبج، في سيناريو شبيه بما قامت به خلال هجوم 2019، للحؤول دون توسع تركي، وإن كانت السيطرة الفعلية على الأرض بقيت في يد قوات سوريا الديموقراطية.
ويرى أبو عبدالله أن “ما من خيار أمام قوات سوريا الديموقراطية سوى التفاهم مع الدولة السورية”.
واصطدمت محادثات أجراها الأكراد سابقاً مع دمشق بحائط مسدود، مع إصرارهم على الحفاظ على مكتسبات إدارتهم الذاتية، الأمر الذي ترفضه دمشق.
وتقول خليفة “من المحتمل أن يؤدي أي هجوم تركي إلى مزيد من الترتيبات الدفاعية بين قوات سوريا الديموقراطية ودمشق، لكن ذلك قد لا يُترجم باتفاق/تسوية أوسع بين الطرفين إزاء مستقبل شمال شرق (البلاد). على الأقل لم يحدث ذلك في الماضي”.