حِسن معروف – الناس نيوز ::
لو سألتَ والديّ اليوم عما إذا كانا فخورين باختياري المهني، فلا شك أنهما سيجيبان بنعم.
ولو أنك سألتهما قبل 20 عاماً، لكانت إجابتهما أقل حماساً بكثير. لماذا؟ لأنني نشأت كمهاجرة من الجيل الثاني في أسرة شرق أوسطية.
ومثل كثيرين غيري من خلفيتي الثقافية، أراد والداي مني أن أسعى وراء إحدى الوظائف النموذجية التي بالنسبة لهم تدل على النجاح.
وكان الطب والقانون والعلوم خياراتهم الفضلى. لكنني اخترت أن أصبح معلمة بدلاً من ذلك – وأنا متأكدة من أنني اتخذت القرار الصائب.
أعمل هذه الأيام كمديرة مساعدة في مدرسة إسلامية خاصة في مدينة بيرث الأسترالية .
على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، كانت مسيرتي المهنية مجزية للغاية. مهنة لم يتوقع والداي أبدًا أن أسلكها، لكنهما فخوران بها اليوم.
لقد لعبت دورًا حيويًا في مساعدة آلاف الأطفال على تحقيق أحلامهم. وقد أتيحت لي العديد من الفرص لأتقدّم وأترقّى، وأثّرت على تفكير الكثير من الطلاب الذين أصبحوا بدورهم أطباء ومهندسين ومدرّسين رائدين.
أعلم أن نوايا والديّ كانت حسنة عندما شكّكا في قراري بأن أصبح مدّرسة. في البداية، لم يكونا متأكدين مما إذا كان التدريس سيوفر لي مهنة عظيمة والفرص التي لم تتح لهما. لكنهما الآن متحمسان وفخوران.
إن تمنّي الأفضل لأطفالك رغبة نبيلة، ولكن الصورة النمطية للمهنة الناجحة والمُرضية قد تغيّرت. ما يدفع الشباب أيضًا اليوم هو إيجاد معنى لحياتهم وتحقيق الأهداف الفردية.
يحثّنا الآخرون في العادة على تقييم الحياة المهنية من خلال النظر إلى الصورة من جميع جوانبها – وتتضمن تلك الجوانب المكافآت المهنية، بالإضافة إلى المكافآت الشخصية.
لن أقول أن مهنة التدريس سهلة. فنحن محترفون حصلنا على تعليم عالٍ ونمتلك مجموعة متنوعة من المهارات التي يتعين علينا تعديلها مع كل طالب. وهذا النوع من العمل يتطلّب التفاني والعمل الجاد والتعلّم مدى الحياة.
ولكن جزءًا مما يجعله مجزيًا للغاية هو أنه يمكن رؤية نتيجة العمل الشاق الذي قمت به في مجتمعك. أينما ذهبت أرى الأطفال الذين علمتهم يلعبون دورًا في بناء عالم أفضل.
عندما أسير في الشارع، أسمع أشخاصًا ينادونني “آنسة معروف! هل هذه أنت!؟”. هؤلاء أشخاص بالغون لديهم حياتهم الخاصة ومهنهم الخاصة وعائلاتهم الخاصة، وما زالوا يتذكرون تأثير تعليمي.
الآن، أصبح والداي أيضًا يفهمان تأثير عملي. لقد شاهداني أتقدّم على المستوى الشخصي والمهني، وهما يقدّران الشرف الذي جلبه هذا المنصب لعائلتنا. إنهما الآن ينظران إلى التدريس كمهنة تستحق نفس مكانة المهن الأخرى في قائمة أفضل الخيارات لديهم.
ومع ذلك، عندما أتحدث مع عائلات طلابي الحاليين، هناك الكثير من الوظائف التي لا تحتل أي مرتبة في تلك القوائم. في كل عام، أشاهد طلّابنا في المدرسة الثانوية وهم يختارون مقرراتهم الدراسية للسنة النهائية، وكيف يتم دفعهم نحو الوظائف التي يتوقعها آباؤهم منهم.
وفي كثير من الأحيان، لا يأخذون مهنة التدريس بعين الاعتبار. أقول لهؤلاء الطلاب وأهاليهم: لا تستبعدوا الفرصة الهائلة التي توفّرها مهنة التدريس. إنها وظيفة ملهمة تجعل حياتكم مليئة بالمكافآت، وتستطيعون من خلالها تغيير مستقبل كل جيل يأتي بعدكم – مما يجعلها واحدة من أهم الوظائف التي يمكنكم القيام بها.
من منا لا يريد أن يكون جزءًا من ذلك؟ من المؤكد أن أولادي يريدون ذلك، فقد أكملت ابنتي للتو السنة الدراسية الأولى لنيل شهادة التعليم، ومن المقرر أن يبدأ ابني دراسة التعليم في العام المقبل. وأنا فخورة بخياراتهم إلى أقصى درجة، وأشجع الأهالي الآخرين على التفكير جدّيًا بما يمكن أن تقدمه مهنة التدريس.
معلومات عن الكاتبة
حِسن معروف هي مديرة مساعدة للصفوف الثانوية من العاشر حتى الثاني عشر في مدرسة إسلامية خاصة في مدينة بيرث بولاية غرب أستراليا. تتحدّث حِسن عن وجهة نظرها حول التغييرات في النجاح والخيارات المهنية بين الأجيال استنادًا إلى نشأتها في أستراليا حيث تربّت على يد أبوين لبنانيين مهاجرين.