دوسلدورف – الناس نيوز :
لا تخلو حياة أي منا من الألم والحزن، كل شخص يحمل في داخله تراكم من الألم العاطفي، وهذا الألم المتراكم هو حقل طاقة سلبية وذكريات لأحداث عاطفية ومشاعر في الماضي.
عندما تستيقظ هذه المشاعر بسبب حدث بسيط سلبي يحدث في الحاضر، قد تكون كلمة من شخص ما أو مشاهد عنيفة في فيلم أو أخبار سلبية. كل ذلك كفيل بانفجار بركان من الغضب يصعب السيطرة عليه وإخماده. وأحياناً، قد يتكرر الموقف ولكن برد فعل مختلف تمامًا، يميزه الهدوء والرزانة. حقل الطاقة حيث الذاكرة العاطفية التي تنفجر أحيانًا يسمى “كتلة الألم”. بحسب فوربس .
ما هي كتلة الألم؟ وماذا يغذيها؟ ولماذا أحياناً يصعب السيطرة عليها؟ وما هي مسبباتها؟ وكيف نتحرر منها؟ قام الكاتب إكهارت تُول بشرح مفصل عن “كتلة الألم” في كتابه “أرض جديدة”.
هذه الكتلة مثل المغناطيس تقوم بتجميع كل المشاعر والعواطف السلبية التي يمر بها الشخص من ميلاده إلى وفاته، قد يكون صادماً لك أن تلاحظ للمرة الأولى أن ثمة شيئاً داخلك يسعى للبحث عن السلبية العاطفية والتعاسة والألم ولا يكتفي بذلك فقط، كذلك يريد أن يجعل الآخرين يعيشون الحزن والبؤس الذي تعيشه لكي يتغذى على ردود أفعالهم السلبية.
مصدر كتلة الألم
كل مولود جديد يأتي إلى هذا العالم يحمل داخله كتلة ألم عاطفية، وهي تكون لدى البعض أثقل و أكثف من غيرهم، فترى طفلًا سعيداً طوال الوقت وطفلًا آخر حزين ويبكي بدون سبب، فكل عاطفة سلبية تحدث معنا من الطفولة لا تجري مواجهتها مواجهة كاملة ورؤيتها على حقيقتها في لحظة نشوئها فهي لا تتبدد كلياً، وسوف تخلف ورائها أثراً من الألم.
تغذية كتلة الألم
تصحو كتلة الألم من سباتها حين تشعر بالجوع، لذلك تلاحظ أحيانا يتكرر معك الحدث ويكون رد الفعل مختلفة فعندما تكون رد فعلك قوية وعصبية، تكون كتلة الألم جائعة فتستعمل أصغر الأحداث وأقلها أهمية كمحرك لها، وتقتات من أفكارك، فيصبح تفكيرك فجأة سلبي بصورة عميقة، كأن موجة من العاطفة غزت تفكيرك كمزاج سوداوي ثقيل أو موجة غضب وقلق عاصف، وكذلك تستمتع أن تتغذى من الآخرين لا سيما إذا كانوا من أفراد عائلتك المقربين فهي تحب العلاقات الحميمة والعائلات لأنها من خلال هذه البيئة تحصل على معظم غذائها، فتحاول أن تستفزهم وتضغط على أزرارهم لكي تقتات من التوترات الدرامية التي سوف تحصل.
ولكنها لا تتغذى على أي فكرة، فالأفكار الإيجابية والسعيدة غير قابلة للهضم من قبل “كتلة الألم” فهي لا تتغذى إلا على الأفكار السلبية لأن هذه الأفكار متوافقة مع حقل الطاقة الخاص بها.
أضرار تغذية كتلة الألم بالمشاعر السلبية
المشاعر السلبية هي عاطفة سامة للجسد وتتدخل في عمله المتناغم والمتوازن. الخوف والقلق والغضب والحقد والحزن والكراهية والبغض الشديد والغيرة كلها تكبح تدفق طاقة في الجسد، وتؤثر على القلب والمناعة والجهاز الهضمي وإنتاج الهرمونات، كذلك تؤثر على الأشخاص المحيطين بك.
قدرة كتلة الألم على السيطرة
العاطفة الناتجة من كتلة الألم تكسب السرعة بالسيطرة على تفكيرك، ما أن تهيمن على عقلك، حتى يصبح تفكيرك سلبي فيبدأ الصوت الذي داخل رأسك بسرد قصص حزينة، أو مقلقة أو غاضبة عن نفسك وعن حياة الأناس الآخرين وعن الماضي و المستقبل، ويبدأ بتوجيه اللوم والاتهام والتذمر عن طريق الأحداث المتخيلة في عقله، ويقوم بتصديق كل الأفكار السلبية. المسألة ليست أنك لا تستطيع وقف قطار أفكارك السلبية، بقدر أنك لا تريد ذلك، لأنها تعيش من خلالك مدعية أنها أنت وبالنسبة لكتلة الألم فإن الألم لذة وهي تلتهم بشوق كل فكرة سلبية.
المسببات
قد تتفاعل كتلة الألم وتتجاوب مع نوع معين من الألم أكثر من غيره وذلك بسبب ارتباطه القوي بمشاعر وأحداث في الماضي.
مثال على ذلك الطفل الذي نشأ مع والدين تشكل المسائل المالية بالنسبة إليهما موضوع دراما ونزاع دائمين، سيمتص الطفل خوف والديه بشأن المال، فتنطلق كتلة ألم كلما طرأ أمر متعلق بالمال. فهذا الطفل حين يصير بالغاً يستاء أو يغضب بسهولة من أي موضوع يخص المال.
مثال آخر: شخص تعرض للإهمال أو الهجران في طفولته من قبل والديه أو أحداهما، سوف ينمي كتلة ألم تنشط في أمور معينه، كصديق يصل متأخراً ببضع دقائق ،أو شريك يعود متأخر للبيت يمكن أن يتسبب له بنوبة كبيرة من الألم، و إذا هجرهم الشريك أو توفي فإن الألم العاطفي الذي يعانونه يفوق الألم الاعتيادي في هذه الحالات.
ومثال آخر: امرأة تعرضت في طفولتها لإساءة معاملة والدها، قد تنشط كتلة الألم لديها في أي علاقة قريبة من رجل، أو بالعكس العلاقة التي تولد كتلة ألمها تنجذب إلى رجل تشبه “كتلة ألمه” بألم والدها، فتشعر بانجاذب مغناطيسي تجاه شخص يمنحها المزيد من ذلك الألم، وهذا الألم يساء تفسيره أحياناً على أنه وقوع في الغرام.
فيجب أن تتعرف إلى كتلة ألمك الخاصة بك في أثناء نشوئها وظهورها، ودخولك في حالة الانتباه والحضور، ستتعلم ما هي المسببات، التي تساعد على استيقاظها فستراها على حقيقتها، وبعدها تصبح أنت المسيطر عليها.
السيطرة بالحضور واليقظة
أن حضورك ووعيك يساعدك أن تكون منتبهاً كفاية كي تلاحظ كتلة الألم في ذاتك، لأن حين تدرك وجودها في ذاتك، لن يصبح في إمكانها الزعم أنها أنت، و أن تعيش وتتجدد من خلالك. فإنها بحضورك الواعي لا تستطيع السيطرة على تفكيرك وبالتالي لن تعود قادرة على تجديد نفسها فتبدأ بفقدان طاقتها، ولن يعود تفكيرك غائماً بالمشاعر السلبية، ولا تعود إدراكاتك الحاضرة مشوهة بفعل الماضي. فتتغير الطاقة العالقة في كتلة الألم ذبذباتها إلى الحضور، ومن أكثر الأمور التي تساعدنا على الحضور واليقظة وهي التأمل، واليوغا، والصلاة، والسلام الداخلي، والتسامح.
التحرر من كتلة الألم
عندما تنشط كتلة الألم، اعلم أنك تشعر بها في داخلك، وهذه المعرفة مهمة لكي لا تساعد على تغذيتها، حاول أن تشعر بهذه المشاعر دون الحكم عليها أو انتقادها أو رفضها لأن رفضك لها قد يحجبها ويساعدها بالظهور مرة أخرى بحدث آخر، كن متفرجًا فهذه المشاعر ليست أنت، انفصل عنها كأنك تشاهد فلم سينمائي، شاهد كل المشاعر تخرج منك تقبلها ولا تقاومها واسمح لها بالرحيل بهدوء وسلام.
بعدها سوف تشعر بالحرية لأنها رحلت وتبددت وستكون أنت المسيطر ليس فقط على الحوار الداخلي بل أيضاً على أفعالك وتعاملك مع سائر الناس، وهذا يعني أنها لم تعد قادرة على استغلالك وعلى تجديد نفسها من خلالك.
إيكهارت تول:
متحدث وكاتب ومعلم روحي معاصر يسافر على نطاق واسع حاملاً رسالته إلى كافة أنحاء العالم