أمير سعادة – الناس نيوز ::
في شهر فبراير/شباط الماضي تقدم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط بمبادرة لحل الأزمة الرئاسية في لبنان، مرت مرور الكرام، ولم تنل الاهتمام المطلوب لا من الأوساط الدولية أو من الداخل اللبناني.
اقترح جنبلاط يومها ثلاثة أسماء لخلافة الجنرال ميشيل عون وهي: قائد الجيش العماد جوزيف عون، الوزير السابق جهاد أزعور، والنائب صلاح حنين.
العماد جوزيف عون هو مرشح قطر للرئاسة اللبنانية، وقد أيد ترشيحه في الماضي زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع وعارضه كل من حسن نصر الله ورئيس التيار الوطني الحر الطامع برئاسة البلاد جبران باسيل.
وجهاد أزعور، خريج جامعة هارفارد الأميركية، كان وزيراً في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة وهو اليوم مدير قسم الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي.
هو أقل إشكالية من جوزيف عون بسبب ماضيه المهني المدني وغير العسكري، ويقف على مسافة واحدة من كل الأطراف.
والمرشح الثالث والأضعف بينهم هو صلاح حنين، ابن كفرشيما في جبل لبنان، وهو نائب سابق وابن وزير، ليس لديه أي رصيد سياسي يذكر ولا حزب مسيحي يقف خلفه، ولكنه صديق “وليد بك” منذ تسعينيات القرن الماضي.
أغضب هذا الطرح الدكتور سمير جعجع لأن مبادرة وليد جنبلاط جاءت دون التشاور بينهما ، ولأنها أسقطت الاسم الذي كانا قد اتفقا عليه مسبقاً للرئاسة وهو النائب ميشيل معوض.
لم يردّ جنبلاط على الانتقادات التي طالته من أنصار سمير جعجع، ولا على كل من قال إنه “تخلى” عن ميشيل معوض لإرضاء حزب الله.
كل هذه الأمور تبقى مجرد تفاصيل صغيرة بالنسبة… لا قيمة لها في لعبة التوازنات الكبرى. والهدف الحقيقي من مبادرة جنبلاط كان الوصول الى هدفين رئيسين:
1 – إعلاء صوت الدروز في السباق الرئاسي، في ظلّ غياب أي صوت سني يذكر بعد انسحاب سعد الحريري من الحياة السياسية وانقسام شديد في المجتمع المسيحي بين القوات والتيار الوطني الحر.
بذلك أمل جنبلاط أن يتقاسم الدروز مع الثنائي الشيعي (أمل وحزب الله) مسؤولية حل الأزمة الرئاسية.
2- إظهار جنبلاط وكأنه بعيد كل البعد عن زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، مرشح نبيه بري وحسن نصر الله للرئاسة اللبنانية، وذلك للمحافظة على هامش واسع من المناورة أمام الفرقاء الداخليين والمجتمع الدولي.
ولكن وليد جنبلاط ليس حديث العهد في السياسة وهو من أكثر السياسيين اللبنانيين حنكة وذكاء ومهارة. وهو يعرف قبل غيره أن مجرد تنبي أي اسم من قبل فريق من الفرقاء كافي لحرقه أمام بقية اللاعبين، وهذا ما حدث مع جوزيف عون عند تبني سمير جعجع له قبل عدة أشهر.
وبذلك قد يكون جنبلاط يهدف إلى “حرق” مرشحيه الثلاثة، أو تحديداً الأكثر جدية بينهم جوزيف عون، إرضاء لحزب الله ودعماً لمرشحهم سليمان فرنجية.
وعلى الرغم من تشديد جنبلاط أنه لا يقبل بفرنجية رئيساً إلا أن ذلك يبقى للاستهلاك الإعلامي، تحديداً بسبب الصداقة العائلية القديمة بينهم وقراره الأخير طي صفحة خلافه من حزب الله وعدم الدخول في مواجهة معه حول اسم رئيس الجمهورية المقبل.
الهدف إذاً من “مبادرة جنبلاط” كان تثبيت موقفه التفاوضي أكثر من إيصال أي من الأسماء الثلاثة إلى الرئاسة. ترشيح جوزيف عون اصطدم فوراً بعقبة دستورية لأن أي مرشح من العسكريين يستوجب عليه الاستقالة من منصبه في الجيش وقضاء مدة ثلاثة أشهر بصفة مدنية قبل ترشيح نفسه للرئاسة الأولى. وجهاد أزعور لم يكن في يوم من الأيام مرشح جدي لأنه لا يحظى بدعم شعبي وليس له كتلة نيابية ولا حلفاء حقيقيين في الأوساط السياسية، لأنه مستقل تكنوقراط وغير حزبي.
أما صلاح حنين فهو الاسم الذي أضيف على القائمة لمجرد وضع اسم ثالث، فهو ضعيف جداً من كل الناحية السياسية والحزبية وحتى المسيحية.
اليوم بدأنا مبادرة جنبلاط تأخذ معنى جديد بعد عودة تداول اسم سليمان فرنجية في أعقاب المصالحة السعودية، الإيرانية واستقبال السفير السعودي في بيروت وليد البخاري له يوم 10 مايو/أيار 2023.
فجأة بدت السعودية أكثر تقبلاً لسليمان فرنجية، قد ينعكس ذلك على أصوات عدد لا يستهان به من النواب والأحزاب التي تدور في فلك الرياض، أو تسعى للتقرب منها.
وفي حال حدث ذلك لا مانع من إسقاط مبادرة جنبلاط من قبل صاحبها أو تعديلها وإضافة اسم رابع، وهو سليمان فرنجية.
لقاء البخاري، فرنجية، خفف من حدة جميع الفرقاء وفي مقدمتهم جنبلاط نفسه وسمير جعجع الذي بات يقول للجميع أنه على استعداد للتسليم برئاسة فرنجية، في حال تم انتخابه بشكل قانوني داخل مجلس النواب، شرط أن تكون انتخابات حرة ومتعددة الأطراف.
وأعلن مؤخراً أن القوات اللبنانية توصلت إلى شبه اتفاق مع جبران باسيل على ترشيح جهاد أزعور ضد سليمان فرنجية في جلسة الانتخابات المقبلة، للحفاظ على “روح الديمقراطية والعددية”.
كلاهما يعرف أن فرص نجاح أزعور معدومة في ظلّ وقوف الثنائي الشيعي خلف فرنجية، ولكنهما يأملان تثبيت موقف رافض لرئيس يُفرض فرض من دون انتخاب على أمل تعويض أزعور عن خسارته الرئاسية الأولى بتعيينه حاكماً لمصرف لبنان في شهر تموز المقبل، عند انتهاء ولاية رياض سلامة الملاحق قضائياً اليوم.
في الماضي كان جنبلاط يطرح فكرة المقايضة بين رئاسة الجمهورية والحكومة، أي مقابل القبول بفرنجية رئيساً يتم تعيين القاضي والسفير نواف سلام في رئاسة الحكومة.
وهذا ما جرى سنة 2016 عند القبول بميشيل عون رئيساً مقابل للمجيء بسعد الحريري رئيساً للحكومة. أدى هذا الاتفاق يومها إلى إرضاء جميع الأطراف، ولكن معادلة فرنجية، سلام أصعب من معادلة عون، الحريري، وذلك لأن حزب الله لا يثق بسلام ويعتبره مقرباً من الولايات المتحدة الأميركية.
لن يقبل الحزب تسميته رئيساً للحكومة في أي حال من الأحوال، وستكون المقايضة بين رئاسة الجمهورية وحاكمية المصرف المركزي، أي مقابل إيصال فرنجية إلى بعبدا يكون لجنبلاط والقوات حق تسمية حاكم المصرف الجديد ، ربما .