الناس نيوز – ميديا
خلال الأشهر الماضية، نظمت المتاحف والمؤسسات الفنية في مدن خليجية، عشرات المعارض الافتراضية التي أتاحت أرشيفاً ضخماً من الأعمال الفنية.
وأُغلق متحف اللوفر أبوظبي حتى إشعار آخر بسبب جائحة أزمة فيروس كورونا ولكن هذه الأزمة جعلت المتحف يراهن أكثر على “الربط الثقافي” بين الشعوب ولو افتراضياً عبر الإنترنت.
وأكد مدير المتحف، مانويل رباطي، لصحيفة البيان الإماراتية أن “اللوفر أبوظبي ركز دائماً على الربط العالمي الذي يجمعنا عبر الثقافات والتاريخ والعصور، مثبتاً أن لدينا أكثر مما نعتقد عن الأشياء المشتركة”.
وأكد أن هذا الربط أكثر أهمية اليوم من أي وقت مضى في مواجهة الجائحة التي تباعد بين الناس، والدول والقارات.
وقال: “هذه الظروف الجديدة دفعتنا للإسراع في برامجنا الرقمية حتى نستطيع الاستمرار في مشاركة محتوانا”.
ووضع المتحف على موقعه الإلكتروني للجمهور مقاطع فيديو، وصوتيات، عن بعض القطع الفنية والأثرية التي يحتويها ليتيح للجميع الاستمتاع بالتعرف عليها من منزله، كما يوفر بعض الأنشطة أيضاً للأطفال.
ويتطلع متحف اللوفر أبوظبي لإعادة فتح أبوابه في أقرب وقت ممكن عندما يتمكن الزوار من السفر مجددا للإمارات، التي بدأت بالفعل في تسيير رحلات إلى دول أخرى، ولكنها لم تسمح بعد باستقبال السائحين الأجانب.
وفي الانتظار، وعد رباطي بألا تتوقف المبادرة الرقمية، ولكن سيدمج المحتوى الإلكتروني في الزيارات الحضورية.
ندوة حول المتاحف
تعكس ظاهرة النشاط المتحفي في دول الخليج تطوراً في الاقتصاد الخليجي وتغيرات في الثقافة والرؤى المستقبلية، كما يشكل الوجه الناعم لتعزيز القوة السياسية والعسكرية في المحيط الإقليمي. ولا تنحصر مظاهر النمو الفني في بناء المتاحف الأيقونية، التي تبدو أشبه بقلاع القرن الحادي والعشرين، بل تتخطاها إلى بنى تحتية فنية تختلف أنماطها وطرق تنظيمها من مدينة إلى أخرى.
وفيما ركزت الدوحة مثلاً على الاستثمار في المؤسسات التعليمية والمراكز الفنية ذات التوجه العربي والإسلامي، عمدت أبوظبي على نقل متاحف عالمية مثل “اللوفر” و”غوغنهايم” والمتحف البريطاني سابقاً إليها، واحتضنت الشارقة منذ التسعينات مؤسسات للفن المعاصر وأمّنت منصات لقاء للفنانين المنتمين إلى أنماط أكثر تجريبية، بينما تخصصت دبي مثلاً بالمعارض التجارية، وأصبحت اليوم مكاناً أساسياً لاستقطاب وسكن الفنانين القادمين من البلدان المجاورة والعالم.
وأقامت قناة أبو ظبي ندوة حول دور المتاحف في الأزمة الحالية بعنوان “المتاحف: أماكن المشاركة المدنية وإعادة البناء في عصر الوباء” شارك فيها مديرو متاحف: اللوفر (فرنسا)، غوغنهايم (الولايات المتحدة)، المتحف البريطاني، ومتحف هيرميتاج الحكومي (روسيا).
تأتي هذه الندوة، وفق ما كتب حسن الساحلي في جريدة المدن اللبنانية، ضمن سياق أكبر يحصل في العالم، يحاول إعادة التفكير في وظيفة المتحف في حياة الأفراد والمجتمعات خلال عصر التباعد الاجتماعي وتوقف السفر. المتحف هنا بصفته فضاء مدنياً بديلاً، لا تقل أهميته عن مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الثالث، ويعول عليه لتسهيل التواصل والتبادل بين الجماعات المختلفة التي تعيش في المدن، بالإضافة إلى دوره في دعم الفضاء العام، وخلق رأس مال اجتماعي.
طرحت الندوة أسئلة عديدة: كيف يستطيع المتحف المساعدة في التعافي الاقتصادي بعد أزمة كورونا وانخفاض أسعار النفط؟ ما هو دور الفنانين تحديداً في تطوير دور المتحف؟ وكيف يكون المتحف فضاء مشتركاً في مرحلة انحسار الفضاء العام وتركز الجمهور ضمن المجتمعات المحلية؟
خلال الندوة، عدّد المشاركون الأدوار التي يفترض أن تتبناها المتاحف اليوم: الدور التعليمي الذي استُدخل في برامج المدارس، ويجب أن يُعزز حضوره اجتماعياً بشكل عام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، الدور “التخييلي” الذي يهدف إلى خلق أبعاد وسرديات أخرى للحياة الإنسانية وتوسيع الحدود المدركة للمجتمعات وأساطيرها المؤسسة، بالإضافة إلى الدور الوطني الهادف إلى تعزيز الهوية وإتاحة الثقافة لجميع السكان، باختلاف طبقاتهم وانتماءاتهم.
أما الدور الاقتصادي المتمثل في تشجيع السياحة، والذي يعول عليه البعض اليوم في الخليج بعد أزمة النفط، فيراه المشاركون “خطراً”، مع العلم بأن أحد أسباب الاستثمار الكبير في المتاحف أتى بهدف جلب شرائح سياح جديدة، بما أن الطبيعة ليست مثالية للسياحة التقليدية.
المتاحف جسور بين الحضارات والثقافات
يقول مدير المتحف البريطاني: “ليس التوجه للسياحة بجديد على المتاحف، فعند تأسيس متحفنا في لندن العام 1753 كان التوجه محلياً وخارجياً، وخلال القرن التاسع عشر ومع نشوء المتاحف القومية في أوروبا، تعززت الأدوار السياحية والتعليمية بشكل كبير. في الوقت نفسه، من الخطورة أن يكون الدور السياحي طاغياً على استراتيجية المتاحف في أي لحظة من اللحظات لأن ذلك من شأنه تغيير منطق العمل في المتحف وسلّم الأولويات الثقافية والفنية”.
يقول ميخائيل بيتروفسكي، مدير متحف هيرميتاج: “المتاحف تشكل جسوراً بين الحضارات والثقافات، في مرحلة لم تعد السياسة فيها قادرة على حل الخلافات… وببساطة المتاحف يمكن أن تعطي الدواء لشفاء الجروح العميقة التي خلّفها الوباء في حياة السكان الخاصة والعامة، ليس فقط عبر تعزيز موقع الذات الإنسانية والتواصل مع الماضي الثقافي والفني، بل أيضاً عبر تشجيع التواصل والتبادل بين السكان أنفسهم”.
من ناحية أخرى، لا تتوقف المتاحف عن الحديث عن توجهها للفئات والطبقات المختلفة، إلا أن الانتماء الطبقي يبقى أحد العناصر الأساسية المحددة لنوعية الزوار بشكل عام، وربما سيصبح هذا العامل أوضح في المستقبل مع تعميق الأزمة الاقتصادية للفوارق بين الأغنياء والفقراء.
مع ذلك، أكد المشاركون في الندوة أن متاحفهم تطمح للوصول لجميع الفئات، عبر تعزيز سياسة التواصل مع الفنانين عبر برامج تحاول إعطاء المتحف والمحفوظات الأثرية والفنية سياقات وسرديات جديدة أقرب للثقافة الشعبية. الهدف من هذه البرامج، تحرير المحفوظات من سجنها الثقافي الذي يتجاهل حقيقة أنها لا تمتلك فائدة مباشرة لأكثرية السكان، ويقوم على وضعها في سياقات جديدة وإخراجها، ولو عبر نسخ منها، من فضاء المتحف المغلق، إلى الفضاء العام.

