الناس نيوز – باريس
عندما تسلمت المملكة العربية السعودية ، رئاسة قمة مجموعة العشرين في 1 ديسمبر 2019 ، وعلى مدى عام كامل ، والتي من المقرر أن تستضيفها الرياض ، في 21 و 22 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 ، لم يكن المشهد العالمي قد غزاه وباء فيروس ” كورونا” بعد .. لذلك وضعت المملكة تصورا لهذه القمة ، يهدف إلى “تمكين الإنسان من خلال تهيئة الظروف التي تمكِّن جميع الأفراد، خصوصاً النساء والشباب، من العيش والعمل والازدهار، وكذلك الحفاظ على كوكب الأرض من خلال تعزيز الجهود التعاونية فيما يتعلق بالأمن الغذائي والمائي والمناخ والطاقة والبيئة، بالإضافة إلى تشكيل آفاقٍ جديدة من خلال اعتماد استراتيجيات جريئة طويلة المدى لتبادل منافع الابتكار والتقدم التكنولوجي ” وجاءت هذه الرؤية على لسان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ، في الكلمة التي ألقاها خلال تسلم بلاده لرئاسة قمة مجموعة العشرين في اليابان نهاية العام الماضي .
إلا أن التطورات المتسارعة التي بدأ يشهدها العالم ، مع تفشي وباء فيروس “كورونا” ، ألقت بظلالها على جدول أعمال مجموعة العشرين ، وأدت إلى تغييره ، حيث دعت المملكة العربية السعودية لعقد اجتماع افتراضي استثنائي وعاجل لقادة المجموعة ، والذي جرى يوم أمس ، 26 آذار/مارس الحالي ، وتم فيه دراسة التحديات الجديدة التي بدأ يفرضها انتشار هذا الوباء على الاقتصاد العالمي ، وكيفية مواجهتها ، خوفا من ركود قد يتسبب بآثار كارثية تفوق تلك التي حصلت في العام 2008 ، إبان الأزمة المالية العالمية .
وإذا كانت دول مجموعة العشرين قد قررت في هذا الاجتماع رصد مبلغ 5 تريليون دولار لهذا الغرض ، فإن الخوف من أزمة اقتصادية عالمية لايزال قائما ، بسبب الخسائر الكبيرة التي سببها انتشار هذا الوباء على جميع القطاعات الحيوية ، بينما ظروف التخلص منه لاتزال مجهولة ، ومعها الخسائر المتوقع أن يخلفها ، فيما لو استمر إلى فترة طويلة ..
كل ذلك يضع الرياض اليوم أمام فرص فريدة من نوعه ، وهي تترأس قمة مجموعة العشرين ، كونها أخذت على عاتقها ومنذ اللحظة الأولى أن تعمل بشكل مميز لصالح قضية القرن الحادي والعشرين ، وضرورة إنعاش الفرص الاقتصادية والاجتماعية والتنموية ، وجعلها متاحة لجميع شعوب العالم بلا استثناء ، وذلك بحسب ما جاء في كلمة ولي العهد محمد بن سلمان في اليابان ..
ولعل أولى هذه الفرص ما يتعلق بانعقاد القمة أصلا في موعدها في الرياض في تشرين الثاني القادم ، وهو أمر تصر عليه المملكة وترفض فكرة تأجيلها بالمطلق ، أسوة بتأجيل العديد من الأحداث العالمية بسبب وباء “كورونا” ، بل أن المملكة ترى بأن انعقاد القمة في موعدها ، يمثل فرصة كبيرة لقادة دول أغني 20 اقتصادا في العالم ، لكي يجتمعوا وجها لوجه ، وفي هذا التوقيت بالذات ، من أجل أن يصيغوا رؤاهم لعالم أكثر أمنا وأقل عرضة للخطر ..
وفي ظل تصاعد الحديث عن ضرورة تغيير النظام العالمي الحالي ، وعلى مبدأ أن ما قبل “كورونا” لن يكون كما بعده ، فإن ذلك يشكل فرصة أخرى للمملكة العربية السعودية ، لكي تكون حاضنة لأول اجتماع ، قد يؤدي إلى تغيير وجه العالم بالكامل ، سيما وأنها ، أي المملكة ، أثبتت خلال الفترة الماضية ، أنها لاعب اقتصادي أساسي على مستوى العالم ، ولا يمكن استبعاده من أية أفكار جديدة ، وذلك بعدما اتضح أن تأثيرها على أسواق النفط العالمية لا يمكن الاستهانة به ، كما أن تنامي ناتجها المحلي الإجمالي ، والذي تجاوز العام الماضي 3 تريليون ريال ، أي نحو تريليون دولار ، وضعها في المرتبة 18 عالميا ، متقدمة بذلك على تركيا وعلى العديد من الدول الأوروبية المركزية .
إذا ، تحاول المملكة العربية السعودية أن تخطو بقوة وثقة بين الكبار ، وقد وصفها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بأنها ” ضمانة الاستقرار العالم وصمام أمان الإزدهار للعالم” وذلك في كلمته بعد قمة مجموعة العشرين في الأرجنتين ، نهاية العالم 2018 ، عندما قرر قادة المجموعة بقبول استضافة الرياض للقمة في العام 2020 ، بعد قمة اليابان في العام 2019 ..
وكانت المملكة قد تقدمت بطلب لاستضافة قمة مجموعة العشرين خلال انعقادها في الصين في العام 2016 ، بينما عقدت المجموعة أعمالها في العام 2017 في هامبورغ الألمانية .
تجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية أعلنت موازنتها للعام 2020 ، بأكثر من تريليون ريال ، ما يعادل 272 مليار دولار ، بعجز نحو 50 مليار دولار ، بينما قالت الرياض ، إن نسبة النمو في الموارد غير النفطية زادت بنحو 2 بالمئة ، بسبب زيادة الاستثمارات الاجنبية بأكثر من 3 بالمئة ، وهو ما يمثل مؤشرا في السنوات القادمة في تخفيف اعتمادها على النفط ، لصالح قطاعات اقتصادية أخرى ، وذلك بحسب ما ورد في بيان وزارة المالية السعودية ، لدى إقرار الموازنة ، في الربع الأخير من العام الماضي .