ليندا بلال – الناس نيوز :
محمّلا برائحة صابون الغار. تتجول صور حلب في ذهنه. يرقب بشغف مآل الثورة السورية التي بدأت هناك. تمشي مخيلته في “ساحة الحطب” وسط المدينة القديمة. يجلس في مقهى مواجه لقلعتها. يشرد في إمكانية رؤية مدينته مرة أخرى. يقطع شروده صوت رسائل الماسنجر المتلاحقة. يرن هاتفه محملاً بصوت صديق قديم يزف له خبراً: “مبروك لقد نلت جائزة ايمي وورد عن تغطيتك للعملية التركية “نبع السلام” في الشمال السوري”.
الجائزة عن فئة أفضل تغطية خبرية عاجلة لعام 2019 مع شبكة (CNN) الإخبارية. “جاءت الجائزة نتيجة جهد جماعي من صحفيي القناة. شارك أكثر من ثلاثين صحفيا بشكل مباشر في التغطية عدا عن المحررين وبقية الزملاء. الجائزة جاءت من ناشيونال أكاديمي لجهود العاملين على التغطية الإخبارية.
أنا جزء من فريق عمل كامل ومؤلف من جنسيات عدّة”. بهذه الكلمات أجاب الصحفي السوري محمد إياد كوردي (31 عاماً) على أسئلة جريدة “الناس نيوز” الأسترالية الإلكترونية ، مع بدايات الثورة السورية عمل “كوردي” كمترجم فوري من اللغة العربية إلى الإنكليزية. لكنه جاء من خلفية علمية لا من خلفية صحفية، فهو طالب سابق في كلية الكيمياء الحيوية بجامعة حلب. لكنه وكما غالبية الطلاب الثائرين في تلك الفترة، لم يستطع إنهاء دراسته. انتقل الى مدينة غازي عنتاب التركية خوفاً على أهله في عام 2013 . تخرج من جامعتها ولكن من قسم إدارة الاعمال. بكل فخر يسرد بداياته الصحفية كـ “كناشط إعلامي في مدينتي حلب.
يقول إياد لقد حالفني الحظ في البديات ان أتلقى أول دورة تدريبية في مهنة الإعلام على يد الإعلامي الخبير والمدرب القدير السيد جوني عبو ، اتذكر كيف كان يعطينا المعلومات ، ويحببنا بالمهنة وبكل روح طيبة وصبر يبدي تعاونه معي ومع زملائي كافة ، لقد كان له الفضل في دفع مئات الشباب والشبات السوريين للانخراط في المهنة منذ العام 2011 حتى اليوم، لقد لعب دورا في تغيير حياتي المهنية نحو الأفضل ، أشكره جدا وأعتز بزمالته وصداقته حاليا ..
يتابع إياد حديثه بالقول ثم انتقلت لاحقا إلى مجال إنتاج الأخبار الميدانية عام 2014 مع شبكة (CNN). مع هذه الشبكة العالمية العملاقة والمؤثرة نضجت تجربتي الصحفية أكثر، من خلال العديد من التدريبات العملية والمهنية. أستطيع اليوم القول إن العمل الجماعي خير داعم في بيئة العمل بشكل عام والصحافة خصوصا. هذا ما نفتقده في عالمنا العربي غالبًا “.
لقد منعته كورونا من السفر لاستلام الجائزة. “لكن مراسلنا الرائع نيك بيتون وولش استلمها بالنيابة عن باقي الفريق”. إلا أن الغياب الفيزيائي لم يمنع مشاعر الارتباك الشديد الذي يرافق هذه المناسبات. “غمرتني فرحة النجاح وجالت في ذهني العديد من الأعمال الأخرى التي شاركنا بتغطيتها كسقوط مدينتي حلب نهاية عام 2016 الخيار أخيرا جاء من ناشيونال أكاديمي بالجائزة عن تغطيتنا لعملية درع السلام.
كانت مشاعري مختلطة بالفعل لحظة الحصول على الجائزة. الموضوع حرب تطحن كل شيء في بلادي، كنت أتمنى نيل جائزة عن تغطية لحياة السوريين بعد حلم انتصار الثورة “. يتابع “كوردي” سرد مشاعره الفياضة بهذا النجاح الذي اعتبره جزءاً من نجاحات السوريين. “لا بد من الحديث هنا عن امتناني للشعب السوري الذي عانى ويلات الحرب، والذي طالب بالحرية والعدالة. لو لم تكن الحرب دائرة من حيث جئت ، فغالبا كنت أعمل اليوم في مختبر علمي في إحدى الدول الأجنبية. هذا كان حلمي منذ أكثر من عشر سنوات مضت”.
يضيف ” للناس نيوز ” ربما تكون الحرب ناراً تكوي البلاد والعباد إلا أنها مرجل لصناعة الحياة القادمة. الثورة التي أنتجت عشرات التجارب المرة من قلب المجتمع السوري أيضا دفعت بمئات التجارب البهية إلى العالمية.
يتابع “كوردي” عمله مع شبكة (CNN)، بتغطية أخبار سوريا ودول أخرى مثل ليبيا واليمن وغيرها من بلاد الشرق الأوسط. تغطية النيران المشتغلة في هذا الشرق الحزين لم تمنعه من الحلم الذي يوجزه بكلماته “الإنسان يحلم دائما. لولا الحلم ما وقفنا أمام الظلم يوماً. لكن الأحلام تحتاج العمل والظروف لتحقيقها. أتبع حلمي حيث يذهب، وهو رؤية سوريا حرة ومتقدمة وراقية ومدنية حضارية .
أطمح لرؤية السوريين ينعمون في بلادهم بحرية وكرامة. كرامة تضمن لشعبنا الذي عانى الويلات هامشا من الحياة الهانئة تحت سقف القانون والتنمية والديموقراطية .
ليتني أستطيع إيصال أصوات المظلومين لكافة وسائل الأجنبية العالمية ، كي يعلم القاصي والداني ما حلّ بنا، على أمل الحرية القريبة”.
ذاك الحلم العام الذي يتقاطع وأحلام ملايين السوريين، إلا أن “كوردي” يملك آماله الذاتية. آمال تغيرت بعد الثورة من الكيمياء إلى السياسية. “أطمح أن أجد الوقت والظرف المناسبة لمتابعة دراساتي العليا لأتابع عملي في عالم السياسة”.
بخفة ونباهة يتابع “كوردي” حديثه لـ “الناس نيوز”: “ربحت الايمي وورد ولكن هناك العديد من السوريين والسوريات الرائعين والذين يعملون في الصحافة الأجنبية. مثل فراس أحمد في BBC وعمار الشيخ عمر في NBC وغيرهم الكثير كي لا أنسى أحدا.
كصحفيين سوريين نعمل في الصحافة الأجنبية يقع على عاتقنا الحمل الأكبر لإيصال ما حدث ويحدث في سوريا إلى العالم. نحن منبر المكلومين وعلينا يقع ثقل القصة السورية كاملة”. لن تكون قصة “كوردي” آخر الحكايات السورية الناجحة إلا أنها ضوء شمعة جديدة في عالم مظلم.