مراكش – غزلان أمجود – الناس نيوز :
مجد تليد، تفشيه شواهد وأحداث كثيرة، ركبت ذاكرة وجغرافيا إمارات متعاقبة، انطلقت من مدينة أمازيغية هادئة، تركن على سفح جبال الأطلس الصغير، جنوب وسط المغرب. غير بعيد عن حاضرة مراكش سوى 30 كيلومترا، تأوي “أغمات” في سكون.
أمست بلدة زاهرة، حقبة من زمن ولى، يوم زحف إليها من الصحراء، جيش رابط على أحوازها، يتقدمه رجل صنع تاريخ المنطقة إذ ذاك، هو يوسف بن تاشفين.
كانت أغمات عاصمة لدولة المرابطين، لم يبرحوها حتى بنى ابن تاشفين مدينة مراكش، وإليها نفى عددا من ملوك الطوائف بعد خلعهم عن الحكم.
غير أن أغمات استمدت صيتها من ضريح المعتمد بن عباد، الملك الأندلسي الذي قضى أسيرا معذبا، بعدما نفاه الأمير المرابطي يوسف بن تاشفين، من عاصمة ملكه إشبيلية إلى أغمات، خلال فترة كانت فيها دولة المرابطين بالمغرب قوية، بينما انتهت بلاد الأندلس حينها إلى إمارات متناحرة، يهددها الغزو القشتالي (مسيحيو إسبانيا).
وتطالع وإياكم جريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية الإلكترونية أنه كان ابن تاشفين بدويا ابن صحراء، وحاكما لدولة فتية في أوج عنفوانها، فيما ابن عباد، ابن مدينة باجة البرتغالية العامرة، آخر ملوك دولته المنهزمة.
في سنة 1970، جرى بناء ضريح المعتمد بن عباد في مدينة أغمات، ويحوي بالإضافة إلى قبره، قبر زوجته اعتماد الرميكية وابنه.
يتشكل الضريح من قبة مصغرة طبق الأصل للقبة المرابطية التي بنيت في مدينة مراكش، تزينها بعض الأبيات الشعرية التي نظمها الأمير الشاعر المعتمد بن عباد في رثاء حاله، يقول في مطلعها:
قبر الغريب سقاك الرائح الغادي … حقا ظفرت بأشلاء ابن عبادِ
أرض معطاء
من ذا الذي يزور أغمات ولا يهيم بطبيعتها الفاتنة!، وحدائقها البهية، فيفهم قصد الذي وصفها ب”مشتل المغرب”، وقد ألف أهلها الزراعة وخبروها.
بساتين غلب، وحقول تفيض بالقطن وقصب السكر، وبمتنوع الحبوب، ومختلف الفواكه.
تاريخ حافل..صعودا وأفولا
تتميز أغمات بموقعها الاستراتيجي، إذ شكلت ممرا لا بديل عنه لقوافل التجارة الصحراوية، ومركز جذب للزوار من مختلف ربوع المغرب.
ووصف الجغرافي الشهير أبو عبيد الله البكري أغمات قائلا: “ومدينة أغمات، مدينتان سهليتان إحداهما تسمى “أغمات أيلان” والأخرى “أغمات وريكة”، وبها مسكن رئيسهم، وبها ينزل التجار والغرباء، وأغمات أيلان بلد واسع تسكنه قبائل مصمودة في قصور وديار وبها أسواق جامعة..”.
وتعاقبت على “أغمات” حضارات عدة، من الدولة الإدريسية، فإمارة مغراوة خلال القرنين 10 و11 للميلاد، وصولا إلى المرابطين الذين اتخذوها عاصمة لهم، قبل بناء مراكش عام 1062.
وشهدت المدينة انتعاشا اقتصاديا كبيرا إلى غاية نهاية العصر الموحدي، ليأفل نجمها بسبب توالي الأزمات على الصعيدين السياسي والتجاري.
ومما بقي من معالم شاهدة على تاريخ أغمات العتيق، بقايا سور ممتد لمئات الأمتار، وقنوات ري ومساكن قديمة، علاوة على آثار لمسجد من القرن العاشر انطمر لقرون تحت أحد الحقول الزراعية، وبقايا لقصر مرابطي هجر في القرن الثالث عشر ولم يتم اكتشافه إلا سنة 2008.
كما تمكن فريق بحث مغربي- أمريكي من اكتشاف حمام أثري سنة 2005، أدرج ضمن سجل التراث الوطني المغربي.
وقد تم إحداث “مؤسسة أغمات”، التي تروم تحقيق أهداف أساسية منها، ضمان الاستمرار في الحفريات والقيام بالترميمات الضرورية لمعالم أغمات، التي تجمع خصوصيات حضارية أمازيغية وإسلامية وعربية.
موطن صوفي
لم تشكل أغمات بؤرة سياسية فقط، وإنما اتخدت أيضا كقاعدة عسكرية، كما لعبت دورا دينيا هاما، بالنظر إلى أن المرابطية كانت حركة دينية سنية مالكية.
لعل أغمات من أهم مواطن التصوف في المغرب، حيث اشتهرت بأسماء من العلماء والمتصوفين، من مثل أبي عبد الله محمد بن سعدون، والإمام أبي محمد عبد العزيز التونسي، والإمام أبي محمد بن محمد بن ويحلان.
وصنف المؤرخون أغمات مجمعا للطبقة الأولى من متصوفة المغرب وأعلامها الكبار، وعنهم تفرعت الطرق الصوفية السنية الأكثر شهرة في العالم الإسلامي .