سلوى زكزك – الناس نيوز ::
تقع حمص في وسط سوريا ، وتوصف بإنها قلب سوريا المتجدد ، وهي أكبر المحافظات السورية مساحة، ويعرف أهل حمص بالطيبة وروح الدعابة وفيها أعلى نسبة تعليم .
تتآلف حمص مع أوجاعها وغياب أهلها المهجرين واللاجئين، بين عدة بيوت متداعية، قد تجد بيتا سليماً إلا من بعض ثقوب أحدثها الرصاص، وقد نجد بناء متداعياً بعد أن أكملت السنون الطويلة على ما أحدثته الحرب من أذى مباشر، فهوى حتى كادت أن تختفي معالمه، بين عدة مبان سليمة.
تَعمَر منتزهات حمص بالرواد وخاصة في مساءات الصيف الحارة، يتنوع الرواد ما بين مجموعات من الشباب والرجال والنساء منفردين، أو عائلات مختلطة، حتى على أحد مقاهي الرصيف المشهورة هناك طاولة مشغولة بثلاث نساء بين عدد كبير من الطاولات التي يشغلها الرجال.
وبعد ترميم السوق المقبي وعودة الحركة التجارية إلى دكاكينه، خاصة في هذا الأسبوع لأنه يسبق افتتاح المدارس، خرج أهل حمص وضيوفها أيضاً إلى المقاهي الشعبية التي افتتحت حديثاً في الأسواق الشعبية، في فضاء مفتوح مثل مقهى القيسرية الصيفي والشعبي في مناخ مسائي لطيف، توزعت الطاولات البلاستيكية ورائحة خبز الصاج والمناقيش والشاي والقهوة والأراجيل تعبق في المكان، ومن اللافت أن غالبية المتنزهين من النساء من مختلف الأعمار ومن الأطفال وأعداد الشباب قليلة جداً بل نادرة ، وأما الرجال الكبار في السن فعددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة ، لأسباب باتت معروفة وطبيعية في بلد استنزف ثروته البشرية وخاصة من الرجال والشباب.
لحمص مواعيد أخرى مع قصص وواقع الغلاء المستعر، والأسواق شبه الميتة والمواصلات المتعثرة أو مرتفعة الكلفة، ما أدى لعزوف الناس عن استخدامها، لذلك تبدو حمص مدينة اقتصادية لصغر دائرة مركزها، ما يسهل حركة عبورها سيراً على الأقدام.
يرحب الجميع بك بابتسامة لطيفة، ويقدم الباعة نصائحهم لك حسب مصلحتك أو بناء على ما تملكه من مال في جيوبك.
وأنت تتأمل وجوه الناس وحركتهم، تغيب عنك مشاعر الغربة التي تكسو زوار مدينة أخرى وخاصة دمشق العاصمة، غربة ورهبة شخص تائه في بحر كبير، رهبة تدلك عليهم، فيخافون أكثر.
تحضر المقارنة فوراً في ذهن كل زائر لحمص، خاصة عندما تحصي عدداً قليلاً جداً من المتسولات، بينما في دمشق فقد غدا التسول مهنة ممتدة ومكتظة بالمتسولين والمتسولات على حد سواء، ولابد من الإشارة إلى أن حمص مشهورة بأنها لا تقبل أبدا بوجود متسولين ومتسولات فيها، ويعتبر أهل حمص أن الكفاية هي مسؤولية المقتدرين ومن واجبهم دعمهم، درءاً لاضطرارهم للتسول .
تحافظ حمص على منتجاتها من الألبان والأجبان والقريشة، وحلوياتها المشهورة مثل حلاوة الجبن والخبزية الملونة والبشمينة والحلاوة .
كما أنها تعتني بمتسوقيها من الأرياف، هناك بضاعة خاصة بهم، مواد وعدد زراعية وبذور وأقمشة خاصة بنقوش تقليدية وألوان محددة ومرغوبة من قبلهم، حمص كسابق عهدها أم الفقير كما يقول المؤرخون وأهلها في ظل بلد اكتسحه الفقر من بابه وحتى محرابه، لكن في حمص تفاوت كبير في الأسعار وفي الجودة ترضي الجميع، والجميع تغيرت أحواله وتراجعت قدرته الشرائية.
وفي صورة متناقضة بحدة، شهدت حمص كغيرها من المدن الكبرى افتتاح مطاعم جديدة وكبيرة وباهظة التكاليف والأسعار، ورغم ذلك شهدت حضوراً عامراً من المرتادين من أهل حمص المهاجرين وذويهم وأصدقائهم وضيوفهم، مغتربون عادوا لإحياء أعراسهم ومناسباتهم العائلية، يبدو الفرح في هذه المدينة مصدراً للعيش، مصففو الشعر، والخياطون والخياطات وأصحاب محال الإكسسوارات والحلي التقليدية، وصانعو الكاتو والحلويات وسائقو السيارات ومكاتب تأجير السيارات وإعارة فساتين السهرات، وأصحاب المكاتب العقارية وأصحاب البيوت المهجورة لتأجيرها خلال موسم الصيف.
يجتمع التناقض الحاد مع الشوق والرغبة بإحياء حبل التواصل المفقود بفعل الغياب الطويل وصعوبات السفر وموانع العودة وصعوبات الإقامة في مدينة ماؤها لا تتوفر إلا ساعتين يومياً صباحاً، وكهرباؤها تجيء ساعة واحدة بعد خمس ساعات من القطع التام، في أحسن الأحوال.
وحمص تعزف على قيثارتها لحنا يجدد إيقاع الحياة، مبادرات لدعم كبار السن وزيارتهم في بيوتهم، مبادرات شبابية للقراءة وللمسرح التفاعلي وللتعريف بالسلام وآليات بنائه، مبادرات لدعم الخطاب اللا عنفي وتعزيز الحوار المجتمعي، خلية نحل حية ولا تقبل إلا بالعبق المزهر، والعبق هنا شبابها وشاباتها، بدايات رسمت ملامحها وخطوطها العامة ومضت بخطى واثقة وشغوفة، ولا قبول أبداً بمحوها بل إصرار على إكمالها وإغنائها.
في حمص، لا ينام الغريب على ظله، فكل البيوت مفتوحة له، بألق ومحبة وكرم ومودة، في حمص ينام أهلها على أحلام السفر والعودة معاً، في تركيبة تجمع المتناقضات، تماماً كعملية افتتاح مسبح ومقهى في غضون شهرين مقابل لبيت مهدم ومنهار، هي التناقضات سمة بارزة لما تزرعه الحرب ولما يعتمل في القلوب والعقول والقرارات والهمم، بأن الغد ملك لمن يصنعه، وقد تكون اللبنة الأولى إشارة ترحيب أو تلويحة وداع، وربما عرض مسرحي أو حفل غنائي، أو جمعية أهلية جديدة تحفظ كرامات الوحيدات والوحيدين وتزرع في نفوس الباقين الرضى والثقة باكتمال الكرامة بالتعاضد .