الرباط – غزلان أمجود – الناس نيوز:
من ذا الذي زارها ولم يفتن بها! “مدينة الضوء”، هوليود أفريقيا”، “جوهرة الجنوب”؛ كلها ألقاب أطلقت على مدينة صغيرة بين جبال المغرب، تحولت إلى واحدة من أهم حواضر التصوير السينمائي في العالم، إنها مدينة ورزازات المغربية.
بمعالمها الحضارية والتاريخية، وواحاتها الخلابة، وإضاءتها الطبيعية الساطعة، أغرت ورززات وما تزال، كبار المنتجين وعمالقة الإخراج السينمائي والتلفزيوني.
كيف لا، وقد شهدت تصوير أشهر الأعمال السينمائية العالمية، من قبيل ” صراع العروش” و “ألف ليلة وليلة” و”كلادياتور”.
من ثكنة إلى سوق سينمائية … دون ضجيج
تقع ورززات، التي لا يتجاوز عمرها قرنا، في الجنوب الشرقي للمغرب، بين جبال الأطلس العليا، إذ بنيت على أيدي سلطات الحماية الفرنسية عام 1920، كثكنة عسكرية، اعتمد عليها للسيطرة على المنطقة الجنوبية الشرقية للبلاد.
وتستمد أصل اسمها من اندماج كلمتين أمازيغيتين هما: “ور” ومقابلها بالعربية “بدون”، و”زازات” بمعنى الضجيج، وبعد وبدمج الكلمتين تصبح “ورزازت” أي مدينة بدون ضجيج أو المدينة الهادئة.
تجمع ورززات بين تناقضات الطبيعة، وأضداد المناخ، ثلوج ورمال، منابع ماء وأراض جافة، سهول وجبال، تنوع طبيعي جعل منها بخصائصها الساحرة، وطقسها المشمس، مقصد عشاق السياحة الجبلية والصحراوية من الداخل والخارج، وقبلة لكبريات شركات الإنتاج الفني الدولية.
ومن أشهر تجليات الرصيد والطبيعي والبيئي الذي تزخر به ورززات، واحة “فنيت”، الواقعة على بعد 10 كيلو مترات جنوب المدينة، بتنوع نباتي كبير، يحوي في جله أشجار النخيل المثمر، وأشجار أخرى نتأقلم مع المناخ المحلي، كاللوز والكروم والمشمش والرمان.
وبهذا تعتبر واحة “فنيت” من أهم مناطق الجذب السياحي للمدينة.
علاوة عن تضاريسها المتنوعة، تتميز مدينة ورززات بمعالمها المعمارية، وقصباتها وقصورها ذات التصاميم الهندسية الجميلة، إذ بنيت باستعمال الطين والتبن، ومن بينها قصبة تاوريرت، التي تعتبر من بين أكثر المواقع الأثرية روعة وجاذبية للسياح والزوار في الجنوب المغربي، كما تحتضن العديد من الأنشطة الفنية والثقافية كالمعارض والحفلات.
ويرجع سبب تسميتها بتاوريرت لوقوعها على مرتفع، وهو مقابل تاوريرت باللغة الأمازيغية.
شيد هذا المزار السياحي البارز بموقع استراتيجي على ملتقى طرق القوافل التجارية القديمة، في مرتفع بين وادي “ورزازات” ووادي “دادس”،
واعتمد في بناء قصبة “تاوريرت” على مواد محلية تتمثل في الطين المخلوط بالتبن، واستعمل في سقوفها خشب الأرز الذي تم جلبه من غابات الأطلس المتوسط، والقصب وشجر الدفلة الموجود بالأودية، بالإضافة إلى سعف النخل وأليافه، كما اعتمدت في زخارفها وفنونها المعمارية على التصاميم المغربية ذات الأصول العربية الأندلسية، خصوصا في النقش، وتنوعت ألوان زخرفتها بين الأحمر المستخرج من الحناء، والأخضر المستخلص من النعناع، والأصفر من أصفر البيض، مما يجعل القصبة معمارا محليا بامتياز.
نجد أيضا قصر أيت بن حدو، الذي ضمته منظمة اليونسكو الى قائمة التراث العالمي منذ عام 1987.
شكل هذا القصر المشيد على بعد 30 كيلومترا من مركز مدينة ورزازات، بسوره وأبراجه، وهندسته التي تحوي تجمعا من البنايات التقليدية، مثار اهتمام السينمائيين وباحثي الآثار والسياح على حد سواء.
أغرت ورززات ألمع نجوم الفن السابع عبر العالم، منتجين ومخرجين وممثلين، من قبيل ألفريد هيتشكوك، وسيرجيو ليوني، وديفيد لين، وأنتوني كوين، وعمر الشريف، وأنا كارينا، وأنتونيو فيلار، وجان لوك غودار، وبيرناردو بيرتولوتشي، وجان بول بلموندو، ولينو فونتيرا، وجون هوستون، وجان كلود فان دام، وكثر غيرهم.
وبفعل قادر تحولت ورززات من مدينة صغيرة منسية، يعاني شبابها البطالة، إلى قبلة عالمية لتصوير الأفلام السينمائية والوثائقية و التلفزيونية والوصلات الإعلانية وغيرها من الإنتاجات الفنية.
وذلك بفضل البنية التحتية السينمائية التي تتوفر عليها ورززات، إذ يجري ترميمها وبناؤها حسب الطلب، من معابد وسجون وقلاع وتوابيت، تلائم إنتاج الأعمال التاريخية والحربية، وكذا الديكورات الطبيعية المتنوعة التي تزخر بها المنطقة.
يُضاف إلى كل هذا، التسهيلات الإدارية والمالية التي تقدمها السلطات العمومية المغربية لشركات الإنتاج الفني الدولية، فضلا عن الأجور الزهيدة التي يتقاضاها الممثلون الثانويون من أبناء المدينة وما جاورها.
فاستحقت ورززات لقب “هوليود أفريقيا”، وهي التي احتضنت استوديوهاتها أفلاما فرنسية وأميركية وإسبانية وإيطالية وهولندية وسويدية وبلجيكية، بل وحتى أفلاما من كوريا الجنوبية وجنوب أفريقيا وكوبا والبرازيل.
وفعلا، أسهم هذا التحول الكبير الذي طرأ على مدينة ورززات منذ النصف الثاني من القرن العشرين ، في إنعاش الاقتصاد المحلي ، من خلال خلق عدد هام من مناصب شغل لشباب المنطقة، الذين غدا أغلبهم يعمل كممثلين ثانويين أو تقنيين أو مساعدين فنيين.
كل هذا يُضاف إلى زيادة عدد ليالي المبيت في الفنادق، ورواج مختلف الأنشطة والمرافق السياحية بالمدينة.
ومع أن ورززات ضالة نجوم الفن من كافة البقاع، وأكبر استوديو طبيعي في العالم ، ماتزال – في نظر كثير من المهتمين – تفتقد إلى شروط تحقيق العيش الكريم لأغلبية الساكنة، فضلا عن ارتفاع معدلات الفقر والهشاشة، في مدينة تقتات من السينما والسياحة.