بيروت – تل أبيب وكالات – الناس نيوز ::
تتوقف سيارات دفع رباعي ويقفز تلامذة داخلها قبل أن تنطلق مبتعدة بسرعة، تماما مثل أي يوم دراسة عادي لو لم تكن المدرسة في احدى قرى شمال اسرائيل قد انتقلت إلى ملجأ محصن للحماية من القصف.
هكذا تسير الحياة في قرية الجش الإسرائيلية ذات الغالبية المسيحية وتقع على مرمى حجر من الحدود اللبنانية منذ أن شنت حماس هجومها في إسرائيل في 7 تشرين الأول/أكتوبر.
ودفع الرد الانتقامي للجيش الاسرائيلي والعملية العسكرية البرية داخل غزة بحزب الله اللبناني إلى شن هجمات يومية عبر الحدود ضد أهداف داخل إسرائيل.
ويعيش سكان الجش منذ أكثر من ثلاثة أشهر في ظل أصوات القذائف وهجمات الطائرات المسيّرة وصفارات الإنذار، بينما تشن إسرائيل غارات يومية في جنوب لبنان.
واضطرت القرية إلى إغلاق مدارسها وصار التدريس يتم الآن عبر الإنترنت أو في ملاجئ عامة.
وقالت مارغريت عاشور البالغة 75 عاما وجاءت لاصطحاب حفيدها “الدراسة في الملجأ صعبة جدًا على الأطفال”.
وتعيش عاشور في الجش منذ زمن طويل، لكنها لا تتذكر وضعا كهذا مر عليها في السابق.
وقُتل ما لا يقل عن 190 شخصا في لبنان خلال أعمال العنف الأخيرة بينهم أكثر من 140 من مقاتلي حزب الله، وفق حصيلة لوكالة فرانس برس.
وفي شمال إسرائيل قُتل تسعة جنود وستة مدنيين، بحسب السلطات الإسرائيلية.
ورغم أن المواجهات العسكرية ليست بكثافة ما يحدث في غزة أو حرب عام 2006 بين إسرائيل وحزب الله، لكن هذا لا يطمئن سكان الجش.
وقال شادي خلول الذي يدير منظمة آرامية مسيحية إسرائيلية غير حكومية تدافع عن حقوق الموارنة “السكان ما زالوا هنا. لن يغادروا بلداتهم لمجرد أن حزب الله قرر مهاجمة إسرائيل”.
أجلت اسرائيل سكانها من المنطقة الحدودية، لكن الجش تقع خارج منطقة الإجلاء التي أعلنتها السلطات الإسرائيلية.
– “السلام سيسود” –
توقفت الحياة في القرية وحُظرت التجمعات والمناسبات الكبيرة بسبب المخاطر، وصارت الكنيسة المكان الوحيد الذي يمكن أن يقصده السكان.
وقال الأب ساندي حبيب “منذ أن بدأت الحرب توقفنا عن الصلاة في كنيستنا الكبيرة”.
وخلال احتفالات عيد الميلاد، أصاب صاروخ كنيسة على بعد كيلومترات من قرية الجش التي باتت تقيم قداديسها الآن في قاعة اجتماعات أسفل مبنى الكنيسة الرئيسي.
وعلّق الأب حبيب الأنشطة المخصصة للأطفال، لكنه أكد على ضرورة مواصلة القداديس.
وأضاف “إنها تمنح الناس الأمل في أن السلام سيحل ويسود، ولهذا نصلي”.
وينتشر أبناء الطائفة المارونية في لبنان، لكن في إسرائيل هناك بضعة آلاف فقط.
وهم يشكلون نصف سكان قرية الجش الذين يبلغ عددهم نحو ثلاثة آلاف نسمة وتتناثر منازلهم وكنائسهم على منحدرات تلال أقصى الجليل وتحيط بها بساتين الزيتون.
قضى خلول (48 عاما) سنوات في تنظيم حملات من أجل نيل اعتراف أكبر بالطائفة المارونية في إسرائيل، حيث نجح في الحصول على تصنيف قانوني خاص للموارنة.
كما شجع على تدريس اللغة الآرامية التي تحدث بها المسيح، ولكن مثل أي شخص آخر توقف نشاطه خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
– خوف من هجوم –
والجش متجذرة في التاريخ الديني، حيث تعاقب على العيش فيها يهود ومسلمون ومسيحيون على مر القرون.
وأُجبر العديد من الموارنة في القرية، بمن فيهم عائلة خلول، على ترك منازلهم في قرى مجاورة خلال الحرب التي صاحبت إنشاء إسرائيل عام 1948.
وكانت السلطات الإسرائيلية قد وعدتهم بالسماح لهم بالعودة إلى قراهم في غضون أسابيع، لكن الجيش هدمها ومنع أبناء وأحفاد سكانها من العودة.
وعلى الرغم من ذلك، خدم خلول في الجيش الإسرائيلي وهو يشجع الشبان الموارنة على التجنيد.
وهو أعرب عن رغبته بتصعيد القتال ضد “الأعداء الإسلاميين” الذين يراهم يتحدون ضد إسرائيل في جميع أنحاء المنطقة.
وقال خلول “لقد رأينا ما فعلته حماس وهم وكلاء إيران” مثل حزب الله.
وأضاف “هنا على الحدود هناك خوف من توغل وحدات النخبة من حزب الله الذين سيرتكبون فظائع ضدنا تماما كما جرى في الجنوب ضد الشعب اليهودي”.
اندلعت الحرب إثر شنّ حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر أسفر عن مقتل 1140 شخصا، معظمهم مدنيّون، حسب تعداد لوكالة فرانس برس يستند إلى أرقام رسميّة.
كما احتُجز خلال الهجوم نحو 250 شخصا رهائن ونُقلوا إلى غزّة، وأطلِق سراح حوالى 100 منهم خلال هدنة في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر. ووفق إسرائيل، لا يزال 132 منهم في غزّة، ويُعتقد أنّ 27 منهم لقوا حتفهم.
وردا على هجوم حماس، تعهّدت إسرائيل القضاء على الحركة التي تحكم غزة منذ عام 2007. ووفق وزارة الصحّة التابعة لحماس، قُتل حتّى الآن في الغارات الإسرائيليّة 24762 شخصا، غالبيّتهم العظمى من النساء والأطفال.