كانبيرا – الناس نيوز ::
طالب نشطاء البيئة بإدراج قضايا تغير المناخ في أستراليا على رأس أولويات قضايا الأمن القومي العاجلة في البلاد، بعد أن استفزّهم إعلان تخصيص مبالغ طائلة لشراء غواصات نووية حديثة.
وأعلنت الحكومة الأسترالية -مؤخرًا- خطة مالية ضخمة لشراء عدد من الغواصات النووية الحديثة بقيمة 368 مليار دولار؛ لتحصين الأمن القومي للبلاد من أيّ محاولات للغزو الخارجي، خاصة من الصين.
وأثار هذا الرقم الضخم نشطاء البيئة الذين ذهبوا إلى عقد مقارنات مالية مع الأرقام الهزيلة المنفَقة على قضايا تغير المناخ في أستراليا حتى الآن، وفقًا لموقع رنيو إيكونومي المحلي المتخصص (Renew Economy).
يقول النشطاء، إن الحكومة الأسترالية ما زالت تتعامل مع قضايا تغير المناخ باهتمام أقلّ، رغم مخاطرها الكارثية على الأمن القومي للبلاد بمفهومه الواسع، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
21 مليون شخص متضرر
يشترك في الرأي مع نشطاء المناخ وزيرة الشؤون الداخلية كلير أونيل، التي صرّحت في 8 ديسمبر/كانون الثاني 2023 بأن مخاطر تغير المناخ قد تؤدي إلى حركة تهجير واسعة لملايين البشر تفوق قدرة الأجهزة الحكومية على إدارتها أو السيطرة عليها.
وتقول الوزيرة المؤيدة لقضايا المناخ، إن الكوارث الطبيعية تجبر 21.5 مليون شخص على هجر منازلهم سنويًا حول العالم؛ ما يهدد باضطرابات ديموغرافية خارجة عن السيطرة.
كما تتسبب الكوارث المناخية في نقص الغذاء والطاقة؛ ما يشير إلى أهمية التحرك الجماعي العاجل لأستراليا وجيرانها لتعزيز خطط خفض الانبعاثات وتنسيق جهود التغير المناخي على المستوى الإقليمي.
وإذا تكررت الكوارث الطبيعية بوتيرة متسارعة، فقد يعني ذلك هلاك مئات الآلاف من المواطنين سنويًا، إضافة إلى هجرات مليونية مفاجئة إلى أقرب التجمعات السكانية ملاذًا؛ ما قد يجعل إدارة هذا النوع من الاضطرابات مستحيلة على الحكومة والمجتمع معًا.
لهذه الأسباب تشدد وزيرة الشؤون الداخلية الأسترالية على ضرورة إدراج تغير المناخ أعلى قائمة الأخطار الأمنية الكبرى التي تهدد البلاد، محذّرة من خطورة إهمالها واحتسابها مجرد قضية بيئية فرعية.
وليست الوزيرة وحدها مَن تحذّر من عواقب إهمال تغير المناخ في أستراليا، فقد حذّرت مجموعة المناخ الأسترالية ” أيه إس إل سي جي” من عواقب المناخ مرارًا وتكرارًا، في أكثر من تقرير صادر عنها خلال السنوات الماضية.
وتحذّر التقارير الصادرة عن المجموعة -بمشاركة كبار الأمنيين في البلاد- من تزايد مخاطر عدم الاستقرار السياسي في المحيط الإقليمي لأستراليا، بسبب الكوارث الطبيعية ومخاطر الاحتباس الحراري عالميًا، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ويسهم في تعزيز هذه المخاوف عدد كبير من علماء البيئة والمناخ في أستراليا، عبر دراسات عملية متراكمة تشدّ بعضها بعضًا ، وتؤكد أن مخاطر المناخ لا يجب الاستهانة بها بأيّ حال من الأحوال.
يقول العالم الأسترالي إيان دنلوب، إن أخطر ما في الاحتباس الحراري هو تهديده لأساسيات وجود النوع البشري على الكوكب الأرضي.
فالتغير المناخي يهاجم الاستقرار في أنظمة الطقس، ويهدد مساحات شاسعة من الأراضي، ويضرب الإمدادات الغذائية حول العالم، وغالبًا ما تجتمع هذه المخاطر ببعضها، مع كل كارثة مناخية ضخمة تحلّ بأي منطقة في العالم.
خسائر فيضانات 2022
تعاني أستراليا من ظاهرة السيول والفيضانات المدمرة منذ أعوام؛ ما دفع وزير الخزانة الأسترالي جيم تشالمرز إلى رفع توقعاته للخسائر المترتبة عليها خلال عام 2023.
واكتسحت الفيضانات عدّة ولايات في أستراليا خلال العام الماضي؛ ما كبّد البلاد خسائر تجاوزت 5 مليارات دولار أسترالي (3.3 مليار دولار أميركي).
وقال وزير الخزانة، إن الكوارث الطبيعية أصبحت قادرة على التأثير في معدلات النمو الاقتصادي للبلاد بشدة، محذرًا من خطورة إهمال الاستعداد لها مستقبلًا.
وأسهمت فيضانات العام الماضي في تدمير أجزاء واسعة من البنية التحتية والمنازل في منطقة كيمبريل النائية شمال غرب أستراليا، كما أسهمت في اضطراب سلاسل الغذاء وارتفاع أسعاره بصورة كبيرة، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
أوهام غزو الصين
لهذه الأسباب وغيرها، اندفع رئيس الوزراء الأسترالي السابق بول كيتنغ إلى مهاجمة خطة الحكومة الحالية لشراء 8 غواصات نووية بمبلغ 368 مليار دولارًا.
وانتقد كيتنغ المبالغات الصحفية حول تهديد الصين لبلاده، مشككًا في احتمالات غزوها أستراليا لأسباب جغرافية تجعل هذا العمل العسكري مستحيًلا، وفقًا لحواره مع صحيفة لورا تنغل المحلية الأسبوع الماضي.
وتساءل كينتغ، موبخًا الحكومة: “إذا كان الخطر الأحمر المحتمل المقبل من الصين قد دفعكم لتخصيص ثلث تريليون دولار على شراء غواصات نووية لمدة عقد كامل، فما هو مستوى الإنفاق اللازم لمواجهة الخطر المناخي الأكثر حتمًا و تدميرًا للبشر وللكوكب الأرضي؟”.
وطالب بول كيتنغ بضرورة زيادة الإنفاق على قضايا تغير المناخ في أستراليا بوصفها من التهديدات الأمنية الكبرى التي لا تقلّ أهمية عن التهديدات العسكرية الدفاعية بمعناها الضيق.
وما زالت مخصصات الإنفاق على المناخ في أستراليا متواضعة، إذا ما قورنت ببنود الإنفاق على الأمن أو الدفاع أو الوقود الأحفوري، وفقًا لما رصدته منصة الطاقة المتخصصة.
ويواجه الانفاق على المناخ انتقادات مضادة من قبل جماعات المصالح في قطاع النفط والغاز، وبعض التيارات السياسية اليمينية المحافِظة التي تنكر تغيّر المناخ وتقلل من أهمية الجهود العالمية في مكافحته.
وقال بول كيتنغ موجهًا حديثه للحكومة : “إذا كنتم تخصصون أموالًا للتهديدات، فتهديد المناخ أكبر، ويمكن للبلاد أن تستغني عن الوقود الأحفوري، إذا خصصتم أقلّ من مبلغ الغواصات النووية لهجره نهائيًا”.
رأي وزير الدفاع
على الجانب الآخر، يقول وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس، إن قرار شراء الغواصات النووية ضروري للغاية لحماية إمدادات الوقود السائلة التي تُستَورَد من الخارج، ويأتي أغلبها من بلد واحد، هو سنغافورة.
وحذّر مارليس من تعرُّض البلاد لمخاطر كارثية في حالة إقدام أيّ عدو خارجي على ضرب الخط التجاري الوحيد الذي ينقل أغلب إمدادات الوقود للبلاد، وفقًا لحوار متلفز على قناة “أيه بي سي” الأسترالية الأسبوع الماضي.
لهذا السبب يدافع الوزير الأسترالي بشدة عن اتفاق شراء الغواصات، ويشترك معه وزير الخزانة السابق جو هوكي، الذي صرّح بأن الاتفاق يحمي محطات الغاز في أستراليا.
وربما للسبب نفسه، يهاجمهم رئيس الوزراء الأسترالي السابق بول كيتنغ، لاعتقاده بأن التخلّي عن الوقود الأحفوري -سواء كان مستوردًا أم محليًا- أقلّ تكلفة من شراء غواصات نووية مشكوك في قدرتها على الردع مع دولة مثل الصين.
يؤيد هذا الرأي الباحث شاول غريفيث -أسترالي حاصل على الجنسية الأميركية-، والذي اهتم بحساب تكاليف تحويل قطاع المنازل في أستراليا من الوقود الأحفوري إلى الكهرباء النظيفة.
يقول غريفيث في كتابه “ذا بيغ سوتش”، إن الانبعاثات المنزلية تستحوذ على نصيب الأسد من إجمالي الانبعاثات في الاقتصاد المحلي.
ويقترح الباحث استبدال مواقد وأفران الغاز الحالية، واستعمال المضخات الحرارية لتدفئة المنازل وتبريدها؛ ما يسهم في إخراج المنازل من الوقود الأحفوري وتوفير مليارات الدولارات من تكاليف الطاقة المنزلية سنويًا.
ويرجّح الباحث انخفاض استهلاك المنازل المكهربة بالكامل للطاقة بنسبة 64% عن المنازل التي تعمل بالوقود الأحفوري، إضافة إلى قدرة الأسر على توفير 5 آلاف دولار سنويًا في فواتير الطاقة على الأقلّ.
كهربة المنازل والنقل أرخص
إذا بدأت أستراليا في تخصيص 12 مليار دولار سنويًا لدعم تحول المنازل إلى الأجهزة الكهربائية، فربما يساعد ذلك في تسريع كهربة المنازل بالكامل، ويوفر على البلاد 300 مليار دولار من المدخرات المنزلية بحلول عام 2035، وفقًا لحسابات غريفيث في كتابه “ذا بيغ سوتش”.
وإذا زاد الإنفاق إلى 48 مليار دولار سنويًا، فيمكن لأستراليا أن تُحدِث معجزة في كهربة المنازل، كما يمكنها أن تقلب الموازين، إذا أنفقت 220 مليار دولار على كهربة قطاع النقل في البلاد بالكامل.
وما زال هذا الانفاق المحتمل أقلّ بـ100 مليار دولار عن شراء غواصات نووية مشكوك في قدرتها على ردع الأعداء المتربصين بإمدادات الطاقة الخارجية للبلاد، هكذا يفكر المتحمسون لقضية تغير المناخ في أستراليا.