ميديا – الناس نيوز ::
المدن – بشير البكر – معارك طائفية سنية – شيعية، تدور منذ أسابيع. تجسدها كمية كبيرة من التدوينات والفيديوهات التي يقوم عراقيون وسوريون ولبنانيون بنشرها في منصة “إكس”. بعضها يتناول تصريحات تحريضية لمسؤولين إيرانيين ضد العرب، وفتاوى لمراجع دينية، ذات طابع جنسي بدائي. والبعض الآخر يركز على فضح انتهاكات، قامت بها ميليشيات طائفية تدعمها ايران في العراق وسوريا ولبنان.
يبدو أن المنصة لا تولي أهمية كبيرة لمراقبة المحتوى، لذلك تظهر المنشورات، وكأنها معفاة من التدقيق في مضمون وطبيعة الخطاب، ومدى دقة وصحة الصور والفيديوهات. قد لا تكون “إكس” مكترثة بالتأكد من زيف بعض الأخبار والصور، ولا تشغلها حدة ومستوى الشحن الطائفي والتحريض وخطاب الكراهية، الذي يحمل تعميماً بلا حدود.
وسواء دققت المنصة في المنشورات أم لا، فإن ذلك لن يغير شيئاً حين تكون المادة موثقة، وبعيدة من شبهة التزوير. ولذلك تترك الباب مفتوحاً أمام هذا النمط من المنشورات الطائفية، التي تحقق متابعات كثيرة بأرقام عالية.
من بين أكثر المنشورات التي أثارت ردود أفعال غاضبة، التصريح المنسوب للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، الذي قال فيه أن “المعركة لا تنتهي أبداً” بين من سمَاها “الجبهة الحسينية” أو الشيعة، و”الجبهة اليزيدية” (أنصار يزيد بن معاوية).
وجاء ذلك عبر حسابه الرسمي في “إكس”، ونصه: “إني سِلم لمن سالَمكم وحرب لمن حاربكم”، مؤكداً أن “المعركة بين الجبهة الحسينية والجبهة اليزيدية لا تنتهي أبداً”، حسب وصفه.
للوهلة الأولى ساد الظن بأن الحساب مزور، وأن التصريح منسوب للمرشد الأعلى بهدف الإساءة إليه في سياق الانتقادات التي تعرضت لها إيران، بسبب عدم ردها على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية على أرضها. وبقي الأمر على هذه الحال أياماً، ولم تتحرك السلطات الإيرانية كي تصدر تصريحاً رسمياً، ينفي أو يوضح ما جاء في تدوينة خامنئي، التي جاءت بالتزامن مع احتفالات الشيعة بذكرى أربعينية الحسين بن علي.
الصمت الإيراني الرسمي يعني أن إيران تتبنى التصريح، وأنه ليس زلة لسان، الأمر الذي فتح الباب أمام استنكار أوساط إسلامية، منها “رابطة علماء المسلمين”، التي قالت في بيان: “في وقتٍ كانت تُنتظر فيه مواقف قوية من النظام الإيراني لدعم غزة بعد استهداف القائد إسماعيل هنية، فوجئ العالم بتغريدات خامنئي التي وصف فيها أهل السنة والجماعة باليزيدية، في إشارة واضحة للحقد التاريخي المتجذر في هذه التصريحات”.
وتحدث البيان عن “دعم النظام الإيراني لنظام بشار الأسد، وتدخلاته في الشأن العراقي”، وقال إن ذلك هو الوجه الحقيقي لإيران، التي تعمل على “عزل المحيط السني” وإحكام السيطرة على المنطقة عبر ما يسمى بمحور المقاومة.
بعد ذلك تحولت منصة “إكس” إلى ساحة لمنشورات وصور وآراء تهاجم رجال دين شيعة عراقيين، بسبب تشريع ما يسمى بـ”مفاخذة الرضّع”، ولم يقف الأمر هنا، بل ذهب البعض إلى نشر صورة غلاف كتاب المرشد السابق آيه الله الخميني “تحرير الوسيلة”، وقال أنه يدافع “عن مفاخذة الأطفال” ويشرّع زواج القاصرات.
وحوى أكثر من منشور، تعليقات حول ما يعرف بـ”زواج المتعة” في العراق وسوريا ولبنان، وفي أحد الفيديوهات تظهر سيدة تتحدث بلهجة عراقية، تستنكر فيها السلوك الذي يجبر نساء عراقيات ” تقضي النهار بحضن العراقي، وفي المساء بحضن الإيراني، وفي الليل بحضن الباكستاني” على حد وصفها.
وهناك فيديوهات كثيرة، بعضها يحمل المضمون ذاته، والبعض الآخر عن اعدامات لمواطنين عراقيين وسوريين، وتصريحات لمسؤولين عسكريين من الحشد الشعبي وحزب الله، تحرض على القتل الطائفي، والتخريب في العالم العربي، مثل ذلك الصادر بالصوت والصورة عن أبي مهدي المهندس القائد السابق للحشد الشعبي، قبل مقتله على أيدي قوات أميركية في بغداد العام 2020 برفقة مسؤول فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، يقول فيه إنّ هدفهم تدمير الرّياض وليس إسرائيل.
وقد عمد بعض المغردين إلى ربط ذلك باحتفال افتتاح السفارة السعودية في دمشق في العاشر من الشهر الحالي.
من المؤكد أن بعض الفيديوهات والتصريحات مزيف، لكن فبركتها ونشرها وترويجها على نطاق واسع، لا تخلو من دلالات، بعضها يعمل على تأجيج النار الطائفية التي تجتاح المنطقة بسبب ممارسات إيران، والبعض الآخر هدفه استنكار ممارسات الميلشيات التابعة لإيران في العالم العربي، خصوصاً في سوريا ولبنان.
وهناك من يرى في أن إيران مستفيدة من هذه الفوضى، ويعزو عدم اتخاذ خطوات تقود للتهدئة، بأنه يهدف إلى ترك هذه الرداءة الطائفية تطفو على السطح بهدف تحويل الرأي العام في ظل فشل شعارات المقاومة، بعد عجز طهران عن الرد على اغتيال هنية، وفضيحة الرد بالتراضي بين حزب الله واسرائيل على اغتيال مسؤوله العسكري فؤاد شكر.
ويجزم أصحاب هذا الرأي أن إيران لا تريد التسليم بضرورة وضع حد لنفوذها السياسي والعسكري في دول عربية عديدة بذريعة مواجهة اسرائيل، وأن السبيل الوحيد هو إغراق العالم العربي في الحروب الطائفية من أجل تفكيكه أكثر مما هو عليه، كي تسهل لها السيطرة واستمرار النفوذ.