وائل السوّاح
معروف أن مصطلح “ديمقراطية” هو مصطلح يوناني قديم تم نحته في أثينا القديمة في القرن الخامس قبل الميلاد والديمقراطية الأثينية عموماً يُنظر إليها على أنها من أولى الأمثلة التي تنطبق عليها المفاهيم المعاصرة للحكم الديمقراطي. كان نصف أو ربع سكان أثينا الذكور فقط لهم حق التصويت، ولكن هذا الحاجز لم يكن حاجزاً قومياً ولا علاقة له بالمكانة الاقتصادية فبغض النظر عن درجة فقرهم كان كل مواطني أثنيا أحرارا في التصويت والتحدث في الجمعية العمومية. وكان مواطنو أثينا القديمة يتخذون قراراتهم مباشرة بدلاً من التصويت على اختيار نواب ينوبون عنهم في اتخاذها. وهذا الشكل من الحكم الديمقراطي الذي كان معمولاً به في أثينا القديمة يسمى بالديمقراطية المباشرة أو الديمقراطية النقية.
ولكن مؤرخين كثرا يعتبرون أن أولى أشكال الديمقراطية ظهرت في جمهوريات الهند القديمة والتي تواجدت في فترة القرن السادس قبل الميلاد وقبل ميلاد بوذا. وكانت تلك الجمهوريات تعرف بالـ ماها جاناباداس، ومن بين هذه الجمهوريات فايشالي التي كانت تحكم فيما يعرف اليوم ببيهار في الهند والتي تعتبر أول حكومة جمهورية في تاريخ البشرية. وبعد ذلك في عهد الإسكندر الكبير في القرن الرابع قبل الميلاد كتب الإغريق عن دولتي ساباركايي وسامباستايي، اللتين كانت تحكمان فيما يعرف اليوم بباكستان وأفغانستان، ” وفقاً للمؤرخين اليونانيين الذين كتبوا عنهما في حينه فإن شكل الحكومة فيهما كان ديمقراطياً ولم يكن ملكياً”
اختفت الديمقراطية، كفكرة وممارسة، خلال العصور الوسطى في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. لتبدأ تدريجيا بالظهور مجددا في أوربا مع نهايات العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة. وشكل عام 1215 منعطفا كبيرا بصدور الميثاق العظيم أو الماغنا كارتا (Magna Carta) في إنكلترا، وهو ما يعتبر أول دستور مكتوب في التاريخ الحديث. وصدرت مسودة هذه الوثيقة عام 1214 ثم صادق عليها الملك جون. وتنظم وثيقة ماغنا كارتا العلاقة بين القوى الرئيسية الثلاث في إنجلترا، وهي الملك والبارونات والكنيسة. وتلزم هذه الوثيقة الملك بالقانون الإقطاعي وبالمحافظة على مصالح النبلاء، وكان هدفها إخضاع الملك لحكم القانون وكبح جماح السلطة المطلقة. وكفلت بعض موادها بعض حقوق الطبقة الوسطى الناشئة في المدن.
وبمرور الزمن تغير معنى “الديمقراطية” وارتقى تعريفها الحديث كثيراً منذ القرن الثامن عشر مع ظهور الأنظمة “الديمقراطية” المتعاقبة في العديد من دول العالم. وجاءت الثورتان الأمريكية والفرنسية لتؤسسا نقطة انعطاف أساسية في مسار الديمقراطية. وقد تمّت صياغة بيان الاستقلال الأمريكي 1776 بتأثير واضح من مفكرين تنويريين مهمين هما جان جاك روسو وجون لوك اللذين كانا داعيتين كبيرين للحرية والمساواة.
ولكن الديمقراطية بمعناها الحقيقي المعاصر تطوّرت أساسا في القرن العشرين، وبخاصة بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، ومن خلال بعض الثورات واستقلال بعض الدول عن مستعمريها.
ويتفق العلماء السياسيون اليوم على أنّ ثمة شروطا أولية لا يمكن لاعتبار الديمقراطية أمرا واقعا من دونها. ومن هذه الشروط:
- وجود مجموعة Demos تصنع القرار السياسي وفق شكل من أشكال الإجراء الجماعي. فغير الأعضاء في الـ Demos لا يشاركون. وفي المجتمعات الديمقراطية المعاصرة الـ Demo هم البالغين من أفراد الشعب والبالغ يعد مواطناً عضواً في نظام الحكم.
- وجود أرض يعيش عليها الـ Demos وتُطبق عليها القرارات. وفي الديمقراطيات المعاصرة الأرض هي دولة الشعب وبما أن هذا يتفق(نظرياً) مع موطن الشعب فإن الشعب (Demos) والعملية الديمقراطية تكونان متزامنتين. المستعمرات الديمقراطية لا تعتبر بحد ذاتها ديمقراطية إذا كان البلد المستعمِر يحكمها لأن الأرض والشعب لا يتزامنان.
- وجود إجراء خاص باتخاذ القرارات وهو قد يكون مباشراً كالاستفتاء مثلاً، أو غير مباشر كانتخاب برلمان البلاد.
- أن يعترف الشعب بشرعية الإجراء المذكور أعلاه وبانه سيتقبل نتائجه. فالشرعية السياسية هي استعداد الشعب لتقبل قرارات الدولة وحكومتها ومحاكمها رغم إمكانية تعارضها مع الميول والمصالح الشخصية. وهذا الشرط مهم في النظام الديمقراطي، سيما وان كل انتخابات فيها الرابح والخاسر.
- أن يكون الإجراء فعالاً، بمعنى يمكن بواسطته على الأقل تغيير الحكومة في حال وجود تأييد كاف لذلك. فالانتخابات المسرحية والمعدة نتائجها سلفاً لإعادة انتخاب النظام السياسي الموجود لا تعد انتخابات ديمقراطية.
- في حالة الدولة القومية يجب أن تكون الدولة ذات سيادة لأن الانتخابات الديمقراطية ليست مجدية إذا ما كان بمقدور قوة خارجية إلغاء نتائجها.