وائل السواح – الناس نيوز:
الشرعية السياسية هي الاعتقاد بأن هذا النظام السياسي هو الأصلح لهذا البلد وأنه صحيح أخلاقيا ومناسب ومبَرّر ويستحق أن يتّبعه الناس طواعا. وهي التي تعطي الحاكم الحق في أن يحكم ويفرض الضرائب ويصدر الأوامر ويشرِّع، إلخ.
والشرعية مهمة للديمقراطية. إن أي نظام سياسي لا بد وأن يقوم على مزيج من الموافقة والقوّة: أي موافقة المواطنين من خلال انتخابات حرّة، مباشرة، ونزيهة، التي تمنح الحكومة الحقّ في إدارة البلاد وفرض الضرائب واستخدام القوّة لتطبيق القانون أو للدفاع عن البلاد.
الديمقراطية بذلك هي مأسسة التناقض. ومن دون التزام كبير وحقيقي بقواعد اللعبة، فإن التناقض يمكن أن يتحول إلى عنف أو فوضى. على أن الديمقراطية لا بدّ أن تتأسس على قاعدتين اثنتين: اقتصادية وسياسية. وترتكز القاعدة الاقتصادية على أربع ركائز هي: النمو والعدالة الاجتماعية والتنمية البشرية والاستقرار. أما القاعدة السياسية فترتكز على ستّ هي: النظام (بما يعني من انخفاض العنف) والاستقرار والحريات الأساسية والمساءلة والشفافية والاستجابة.
القاعدة الاقتصادية للشرعية الديمقراطية:
- النمو: أي نمو الدخل القومي للفرد الواحد. لا يكفي أن يسجل الاقتصاد نموا إجماليا، ولكن ينبغي أن يسجل الدخل القومي للفرد الواحد نموا. ويحسب الدخل القومي للفرد بقسمة الدخل القومي الإجمالي على عدد سكان بلد ما. ولذلك إذا سجّل الدخل القومي الإجمالي في بلد ما 2% وسجّل النموّ الطبيعي للسكان 2.5 بالمئة، فيعتبر أن النمو كان سلبيا في تلك السنة.
- العدالة: وهي ضمان حدّ أدنى من العدالة في توزيع الدخل القومي، بحيث يتمّ التركيز على الطبقة الوسطى، مع ضمان حريّة الملكية الخاصة والاستثمار. والعدالة الاجتماعية نظام اقتصادي – اجتماعي يهدف إلى إزالة الفوارق الاقتصادية الكبيرة بين طبقات المجتمع، وتسود في العدالة في كافة مناحيه، بدلا من انحصارها في عدالة القانون فقط، وتوفّر معاملة عادلة وحصّة تشاركية من خيرات المجتمع.
- التنمية البشرية: وهي عملية توسيع القدرات التعليمية والخبرات للشعوب والمستهدف بهذا هو أن يصل الإنسان بمجهوده ومجهود ذويه إلى مستوى مرتفع من الإنتاج والدخل، وبحياة طويلة وصحية بجانب تنمية القدرات الإنسانية من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم وزيادة الخبرات. وقد بدأ مفهوم التنمية البشرية يتضح عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية وخروج البلدان التي شاركت في الحرب مصدومة من الدمار البشري والاقتصادي الهائل وخاصة الدول الخاسرة. ومنذ هذا التاريخ بدأت الأمم المتحدة تنتهج سياسة التنمية البشرية مع الدول الفقيرة لمساعدتها في الخروج من حالة الفقر التي تعانى منها مثل ما قامت به مع كل من: بنجلاديش وباكستان وغانا وكولومبيا وكثير من الدول الأخرى، مستغلة في ذلك خبرات البلاد التي أصبحت متقدمة لاتباعها هذا المنهاج.
- الاستقرار: بما يعني انخفاض نسبة التضخّم. والتضخم هو الارتفاع المتزايد في أسعار السلع والخدمات، سواء كان هذا الارتفاع ناتجا عن زيادة كمية النقد بشكل يجعله أكبر من حجم السلع المتاحة، أو العكس أي أنه ناجم عن زيادة في الإنتاج فائضة عن الطلب الكلي، أو بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج، فضلا عن الدور المغذي للتوقعات التضخمية.
القاعدة السياسية للشرعية:
تقوم على القاعدة السياسية للشرعية على ستّ ركائز: النظام والاستقرار والحريات الأساسية والمساءلة والشفافية والاستجابة.
- النظام هنا يعني انعدام العنف أو تدنّي نسبته على أقلّ حد معقول. فما دام العنف سمة اجتماعية أو سياسية فإن الشرعيّة السياسية للنظام ستكون معدومة. وسواء أكان العنف اجتماعيا أو سياسيا، من قبل الأفراد أو المجموعات، أو من قبل الدولة تجاه المواطنين كما في الأنظمة الدكتاتورية، فإنه سيلغي شرعية الحكومة مهما كانت. طبعا هنالك حدّ من العنف الذي ينبغي استخدامه لمواجهة الجريمة والخارجين عن القانون، ولكنّه عنف تحتكره الدولة ولا ينبغي أن يتعداها إلى الأحزاب والقوى والعصابات، ويتمّ استخدامه في ضوء القانون وحقوق الإنسان.
- الاستقرار: بناء على دراسة مقارنة للنظم الديمقراطية في بلاد مختلفة يمكن القول إنه لا يمكن تحقيق الديموقراطية بغير استقرار سياسي. نعرف من التاريخ المعاصر أن هناك عوامل متعددة قد تؤدى إلى حالة عدم الاستقرار السياسي. ولعل مؤشر العنف السياسي من اهم المؤشرات الدالة علي عدم الاستقرار السياسي، وعندما تزداد هذه المؤشرات بشكل كبير فان الدولة تسير نحو عدم الاستقرار السياسي، ما يؤدي إلى عرقلة السعي نحو التوجه الي الديمقراطية لأكثر من سبب وأهمها عجز النظام السياسي عن استيعاب القوي الجديدة في المجتمع بشكل سلمي ووجود حركات هدامة تؤثر علي التطور السياسي.
- الحريّات الأساسيّة: وهي حريّة الحركة والاجتماع والاحتجاج والتعبير والترشّح والتصويت، إلخ.
- المساءلة: وهي القدرة على تقديم إجابة واستحقاق اللوم وتحمل المسؤولية وتوقع تقديم حساب. ولا يمكن أن توجد المساءلة إلا مع الممارسات المحاسبية المناسبة، بمعنى آخر، غياب المحاسبة يعني غياب المساءلة.
- الشفافيّة: وهي تعني الانفتاح والاتصال والمحاسبة وعدم حجب المعلومات. عندما تخطو النظم الديمقراطية خطوة نحو الامام فهي تستخدم الشفافية كوسيلة لمحاسبة مسؤولي الحكومة ومكافحة الفساد. فعندما تكون الاجتماعات الحكومية مفتوحة للإعلام والجماهير وهناك فرصة لأي شخص لمراجعة وتدقيق ميزانية الحكومة وجدول عملها المالي، ويكون هناك مجال للحوار ومناقشة القوانين والتعليمات والقرارات، يعتبر نظام الحكم حينها شفافاً، وتضيق الفرص أمام الحكومة في إساءة استخدام السلطة لمصلحة مسؤوليها. والمعروف أن الأنظمة الديمقراطية المعاصرة تقوم على هذه الاسس من مشاركة الناس والاعلام. وهناك عدة طرق للتأثير في القرارات على مختلف مستويات الدولة لمن يريد ذلك. وبذلك لم تعد الانتخابات والاستفتاءات الشعبية الوسيلة الوحيدة للجماهير لكي تحكم نفسها. فالديمقراطية تعمل بلا انقطاع، وفيها تُستخدم الانتخابات في النظام الديمقراطي فقط لإحداث تغيير كبير في المسار السياسي.
- الاستجابة: الانظمة الديمقراطية قادرة، أكثر من أي شكل آخر من أشكال الحكم،على أن تفي بالاستجابة لحاجات عامة الشعب، فكلما كبر وزن ورأي الشعب في توجيه سياسة البلاد، كلما زادت إمكانية أن تعكس هذه السياسة شواغله وتطلعاته. فحسب القول المأثور الذي شاع في أثينا “الإسكافي خو الذي يصنع الحذاء ولكن وحده لابس الحذاء يستطيع أن يدل على موضع الألم في قدمه “.