يوجد حالة من الإجماع على أن الرئيسين هاشم الأتاسي وشكري القوتلي هما أشهر من حكم سورية في مرحلة ما قبل الوحدة مع مصر سنة 1958. هما الأكثر شعبية والأكثر متابعة بين جمهور الشباب اليوم، ولكن هل توقف أحد وسأل، بعيداً عن العاطفة: أيهما كان أفضل بالنسبة لسورية، وأيهما كان له إنجازات تذكر في تاريخ سورية الحديث؟
على الرغم من أنهما حكما في فترات متقاربة، ولكن الفارق العمري بينهما كان كبيراً، فالرئيس الأتاسي من مواليد عام 1874 أما شكري القوتلي فهو من تولد سنة 1891. وكان الأخير ينظر إلى الأول على أنه أبٌ روحيٌّ، وقدوة في السياسة والوطنية. فعندما تخرّج القوتلي من المعهد الملكي في إسطنبول سنة 1908، كان الأتاسي قد حقق شهرة واسعة في الدولة العثمانية، وكان يشغل منصب قائمّقام عجلون ثم بعلبك الهرمل. وكان الأتاسي قد تخرج من ذات المعهد سنة 1894، عندما كان القوتلي في الثالثة من عمره.
وهنا سرد مقارن للفوارق الرئيسة بين الرئيس شكري القوتلي والرئيس هاشم الأتاسي:
1. هاشم الأتاسي لم يتسلّم أي منصب وزاري في حياته، ولكن القوتلي كان وزيراً للدفاع والمالية خلال السنوات 1936-1938، في عهد الرئاسة الأولى لهاشم الأتاسي.
2.إضافة لتسلمه رئاسة الجمهورية مرتين، كان هاشم الأتاسي رئيساً للحكومة مرتين أيضاً (1920 و1949)، ورئيساً لمجلس النواب مرة واحدة (1919-1920) ورئيساً للجنة الدستورية مرتين (1920 و1928). حتى أنه رشح لرئاسة الحكومة بعد قضاء رئاسته الأولى، وقبل أن يبدأ ولايته الثانية، وكان ذلك خلال حرب سنة 1948، وحاول تشكيل حكومة ولكنه اعتذر بعد المحاولة. أمّا شكري القوتلي، فلم يتسلّم رئاسة الحكومة في حياته، ولا رئاسة البرلمان، ولم يُشارك في أي من اللجان الدستورية طوال حياته.
3. كان لشكري القوتلي عدة مشاركات حزبية، بداية مع الجمعية العربية الفتاة في العهد العثماني، ثم في حزب الاستقلال في مرحلة الملك فيصل الأول (1919-1920)، وأخيراً في الكتلة الوطنية التي دخلها سنة 1932 وكانت برئاسة الأتاسي. أما هاشم الأتاسي فقد انتسب فقط إلى الكتلة الوطنية التي قام بتأسيسها سنة 1928، وانتخب رئيساً مدى الحياة لها سنة 1932. ولم يكن الأتاسي يعتبر الكتلة الوطنية حزباً، بل مجرّد تجمع لأحرار البلاد وأعيانها الطامعين بتحرير سورية من الانتداب الفرنسي. وعندما تم تحويل الكتلة إلى حزب مرخص سنة 1947، اسمه الحزب الوطني، رفض الأتاسي الانضمام له معتبراً أن يبقى رمزاً جامعاً لكل السوريين، أكبر من أي حزب أو تجمع سياسي.
4. هاشم الأتاسي كان مقرباً من المحور الهاشمي في الوطن العربي، فهو رئيس حكومة الملك فيصل الأول في سورية، وصديقاً لفيصل بعد أن ولّي ملكاً على العراق سنة 1921، إضافة لصداقته القديمة مع الملك الأردني عبد الله الأول. وقد سعى الأتاسي لتحقيق وحدة فيدرالية مع العراق سنة 1949، والتي لم ترَ النور بسبب انقلاب أديب الشيشكلي. أما القوتلي فكان عدواً لدوداً للأسرة الهاشمية بسبب ارتباط ملوكها بالإنكليز، وقد عمل لعرقة طموحاتهم في سورية من الحظة الأولى التي تم انتخابه فيها رئيساً للجمهورية سنة 1943. وكان القوتلي مهندس التقارب السوري السعودي، المعارض للمشروع الهاشمي في الشرق الأوسط. وفي عهده ولد الحلف السوري السعودي المصري، الذي ظل قائماً حتى مقتل رفيق الحريري سنة 2005، على الرغم من بعض الانقطاعات.
5. هاشم الأتاسي لم يُعدل الدستور قط في حياته، بل أصر على احترامه على أنه مقدس، مثل القرآن والإنجيل. أمّا شكري القوتلي، فقد عدل الدستور لصالحه سنة 1947 ليتمكن من ولاية دستورية جديدة. وكان دستور عام 1928 (الذي وضعه الأتاسي) يمنع على رئيس الجمهورية ولايتان دستوريتان متتاليتان، ويجيز إعادة انتخابه فقط بعد قضائه خمس سنوات خارج الحكم. وكان الأتاسي يقول إن أي مرشح رئاسي سيمضي معظم سنته الأخيرة في الحكم تحضيراً وتنفيذاً لحملته الانتخابية، ولكن هذا الوقت هو ملك الشعب السوري وليس ملك رئيس الجمهورية. وكان الأتاسي يضيف أن أي رئيس في سدة الحكم سيجيّر مقدرات الدولة كافة ووسائل الإعلام لصالح حملته الانتخابية، حيث تكون له الأفضلية واليد العليا على أي مرشح أخر، وهو أمر لا يجوز، بحسب قول الأتاسي.
6.انخرط شكري القوتلي في العمل السياسي منذ مرحلة الشباب وكان رئيساً لفرع جمعية العربية الفتاة بدمشق، ما أدى إلى اعتقاله في زمن الحرب العالمية الأولى. أما الأتاسي فقد ظلّ موظفاً حيادياً طيلة الحرب ولم يدخل في الحياة السياسية إلى بعد سقوط الحكم العثماني في سورية سنة 1918. أي أنه لم ينتفض لا على السلطان أو على السلطنة، وبذلك لم يعتقل إلا مرة واحدة في حياته، وكان ذلك لمدة أسابيع قليلة في مطلع الثورة السورية الكبرى، عكس القوتلي الذي اعتقل مرتين، الأولى سنة 1916 والثانية في عام 1949، على أثر انقلاب حسني الزعيم عليه.
7. هاشم الأتاسي لم يقد حرباً في حياته، لا خلال رئاسته الأولى (1936-1939) ولا الثانية (1949-1951) ولا بعد عودته إلى الحكم سنة 1954. أما القوتلي فقد خاض حرب فلسطين سنة 1948 وحرب السويس سنة 1956.
8. الأتاسي لم يجتمع مع أي زعيم عالمي إلا شارل ديغول سنة 1941 (وكان ذلك قبل أن يصبح رئيساً لفرنسا)، ودوق إدنبرة الأمير فيلب، وذلك قبل ان تصبح زوجته إليزابيث ملكة لبريطانيا العظمى. أما القوتلي فقد اجتمع كثيراً مع الملك فاروق، ومع رئيس وزراء بريطانيا ونستون تشرشل، ومع جواهر لالنهرو، ومع نيكيتا خروتشوف، وصولاً للرئيس جمال عبد الناصر.
9.الرئيس القوتلي كان يحب التمجيد والتفخيم، وقد ألفت كتباً عن حياته وهو في الحكم، لم يمانعها أبداً، ومنها كتاب “الزعيم الرئيس شكري القوتلي” الذي طبع في القصر الجمهوري في الأربعينيات، و”تاريخ أمة في حياة رجل”، الذي وضعه الصحفي السوري عبد اللطيف يونس في نهاية الخمسينيات. ولكن هذا الأمر كان مرفوضاً رفضاً باتاً بالنسبة للرئيس الأتاسي.
10. كان شكري القوتلي لا يتقاضى راتباً من الدولة، ولكنه أنفق الكثير من جيبه الخاص، على الحكم وعلى الحركة الوطنية. كما أنه أنفق كثيراً على الصحف لكي تتصدر أخباره الصفحات الأولى منها، وهذا أيضاً ما لم يفعله الأتاسي أبداً الذي لم يكن يحب الظهور ولا الأضواء.
11. كلاهما تعرض لإساءات شتى من قبل العسكر، تركت جرحاً عميقاً في نفسيهما. القوتلي تم اعتقاله سنة 1949 ما جعله، وفي المرة الثانية في الحكم، شديد الحرص على عدم دخول في صدام مع الجيش. لذلك، قبل بأن يكون عبد الحميد السراج رئيساً للمكتب الثاني في عهده، ولم يعترض على سياساته البوليسية. وعندما توجه وفد من الضباط إلى مصر للمطالبة بالوحدة سنة 1958 (من دون علمه أو موافقته)، لم يعاقبهم بل أرسل وزير الخارجية لإضفاء شرعية على مفاوضاتهم، خوفاً من وقوع أي انقلاب عسكري في دمشق. أما هاشم الأتاسي وعندما دخل في مواجهة مع العسكر سنة 1951 فقد أحضر مهندس الانقلاب أديب الشيشكلي إلى مكتبه وصاح في وجه ثم طرده، رافعاً العصا التي كان يحملها في وجهه.
12. عائلة الرئيس القوتلي لم تعمل في السياسة قط، ولكن ابن هاشم الأتاسي نشط في العمل السياسي، نائباً ووزيراً ومؤسس حزب، قبل أن يشترك في محاولة انقلاب سنة 1956 أوصلته مخفوراً إلى سجن المزة العسكري. ولشدة نفوذ عدنان الأتاسي، كتب بعض النواب اسمه على أوراق الانتخابات الرئاسية سنة 1949، معتبرين أنه سيكون هو الرئيس الفعلي لسورية.
13. هاشم الأتاسي لم يُسافر خارج سورية خلال تواجده في الحكم، ولا حتى إلى لبنان، معتبراً أن في ذلك إنفاق غير ضروري. وكانت سفرته الوحيدة هي إلى فرنسا للتفاوض على مستقبل سورية سنة 1936، ولكن ذلك تم قبل وصوله إلى الرئاسة الأولى. أمّا القوتلي فقد زار السعودية مراراً وكل من مصر والأردن ولبنان، ثم موسكو سنة 1956 قبل أن يتوجه إلى شرق آسيا لزيارة الهند والباكستان. وعندما أفادت شركة الطيران السورية أن طائراتها لا يمكنها قطع مسافات طويلة، تم استعارة طائرة من الملك سعود لأجل هذه الزيارة التاريخية.
14. القوتلي لم يُقم في القصر الجمهوري وقد ظلّ يعيش في داره خلال فترة حكمه، إما في حي بستان الرئيس حتى سنة 1949 أو في شارع أبي رمانة في الخمسينيات. أما الأتاسي فقد انتقل إلى قصر المهاجرين بشكل كلّي سنة 1954 للعيش والعمل، وكان ذلك لأنه أول رئيس أرمل في تاريخ سورية، بعد وفاة زوجته سنة 1946.
15.كلاهما خاض انتخابات متعددة الأطراف مرة واحدة في حياته، وفاز بالتزكية في المرات المقبلة. الأتاسي ترشح ضد محمد علي العابد وحقي العظم وتاج الدين الحسني وغيرهم سنة 1932، ولكنه ترشح منفرداً دون أي منافسة سنة 1949. والقوتلي كان ترشحه من دون أي منافسة سنة 1943 وفي الانتخابات الأولى التي جرت في عهد الاستقلال سنة 1947. ولكنه دخل في انتخابات سنة 1954 ضد مرشح قوي ومتمرس، وهو رئيس الحكومة الأسبق خالد العظم.
أمير سعادة