الناس نيوز – ميديا ::
جنوبية – حارث سليمان: تستمر حملة سياسية واعلامية تحرض على النازحين السوريين، بلهجة عنصرية متشددة، وترمي على كاهلهم مسؤولية الأزمات اللبنانية المتراكمة، والغريب في هذه الحملات وأطرافها أنها تنطلق من شخصيات وقوى سياسية، اتحفتنا خلال عقود من الزمن بنظريات عديدة، تؤكد عمق العلاقة وحتى التبعية العمياء لسورية الاسد، وذاكرة اللبنانيين لم تنس المصفقين لشعار “شعب واحد في بلدين”، أو “وحدة المسار والمصير بين سورية الاسد ولبنان”، خلال عشرات السنين، او مضامين الاتفاقيات والمعاهدات التي اُكرِهَ لبنان على توقيعها، والتي تضمنت اعتبار “أمن لبنان جزءا من أمن سورية”، واخيرا تبني نظرية المسيحية المشرقية، وربط أقليات المشرق العربي بحلف طهران دمشق. قد يطول استذكار أدبيات ونظريات صمغت اذاننا لمدة طويلة، ومازالت ثقيلة على اسماع غالبيتنا. لكن ما هو ضروري وجلي ومفيد هو توضيح جملة من النقاط الهامة:
اولا _ أن من هجر هؤلاء ومن كان سبب نزوحهم! هو نظام الأسد ومنظومة الممانعة وتحالف الأقليات، الممتدة من ناكورني كارباخ وحتى حارة حريك، المنظومة هذه ساهمت أطرافها كل بحسبه، في تهجير هؤلاء واقتلاعهم من بيوتهم ووصولهم الى لبنان، والمنظومة بكل أطرافها مسؤولة عن مأساتهم، سواء بالقتال الى جانب النظام ام بتبرير سياساته وإجراءاته، كما ان اطراف المجتمع الدولي مسؤولة بنفس الدرجة، عن عذابات هؤلاء، بتواطئهم وغض أبصارهم عن جرائم التهجير والترحيل، التي مورست خلال الازمة السورية. واذا كان هناك من تذكير بالقيم الإنسانية، ومعايير الحماية الدولية وحقوق المدنيين أثناء الحروب، فإن هذه الأطراف جميعا وبصنفيها، هي آخر من يحق له إعطاء دروس بالإنسانية، وبحقوق الإنسان وحماية الفئات الضعيفة أثناء الحروب.
ثانيا _ ان لبنان واكثرية شعبه لا مسؤولية عليهم، ولا ذنب لهم في المصير البائس الذي طال الشعب السوري، وإن زعم بعض المعارضة السورية بان دور حزب الله في سورية يتحمل وزره وتداعياته، الشعب اللبناني، قول فيه افتراء وسلبطة، وإلا كان واجبا على الشعب اللبناني، تحميل كل سوري مسؤولية ممارسات وارتكابات نظام الأسد، خلال وصايته على لبنان على مدى ثلاثة عقود. واما دعوات بعض الشخصيات السورية المعارضة للنازحين، لحمل السلاح بوجه السلطات اللبنانية، فهي دعوات مدانة ومرفوضة و تتسم بوقاحة سافرة…
ثالثا_ إن اعتبار كل المواطنين السوريين في لبنان نازحين لأسباب سياسية، لأنهم معرضون للخطر من قبل النظام، هو اعتبار خاطئ ولا يمت للحقيقة بأية صلة… والحقيقة هي أنه يمكن تصنيف وفرز السوريين الى ثلاثة فئات؛ الفئة الأولى هم مناصري الأسد وهؤلاء لا خطر عليهم، وعلى العكس هم يتمتعون بحرية الحركة ذهابا وايابا ويفتحون مصالح وتجارات وأعمال، ويخالفون القانون اللبناني الذي يفرض عليهم الحصول على إجازات عمل واقامات، ويحدد المهن والأعمال التي يسمح لهم القانون بممارستها، ولا يجب أن تتمتع هذه الفئة باية حماية انسانية او مساعدة او اغاثة، أو دعم دولي، لأنها غير مهددة وغير محتاجة…
الفئة الثانية وهم ساكنو المخيمات وهؤلاء قسمين ؛
القسم الاول وهم الاغلبية، ليس لديهم مشكلة مع النظام؛ هؤلاء يتسجلون لدى UNHCR كنازحين، ويستفيد أولادهم من مساعدة نقدية بالدولار, إضافة لمنحة تعليمية بواسطة ال unicef، كما يحصلون على حصص غذائية شهرية من منظمة الغذاء العالمية، ومن صناديق أخرى ومن مساعدات محروقات واغطية ودفعات موسمية فصلية، ويتمتعون بتغطية صحية واستشفائية كاملة، لدرجة أنهم يؤجرون بطاقاتهم الصحية ل لبنانيين لا يملكون تغطية صحية!.. لا اعتراض على ذلك، لكن هؤلاء لا يكتفون بما يحصلون عليه، بل يقومون اولا بتعدد الزوجات لان لكل عائلة اي زوجة مساعدة، ويكثرون من عمليات الانجاب لان لكل طفل مساعدة،
اضافة لذلك تؤمن الدولة اللبنانية المدارس لكل الأطفال السوريين مع ٢٠$ لكل طفل بدل نقل تمنحها اليونسيف، وتمول بالدولار $ أجور الاساتذة بعد الظهر، وعندما انهارت الأجور في لبنان انقطع الأساتذة عن دوام مدارس الأطفال اللبنانيين، ولأنهم يقبضون بالدولار $ بعد الظهر ، فقد الطفل اللبناني مدرسته، فيما استمر الطفل السوري يتعلم في المدارس اللبنانية، مع ذلك لا اعتراض على ذلك.!! الاعتراض أنَّ هؤلاء يقومون ببيع مواد الاغاثة، بتهريب المواد الغذائية والمحروقات بين لبنان وسورية، بممارسة ومزاحمة اللبنانيين على طوابير محطات الوقود وابواب الافران ويبيعون ادوارهم في الطوابير، ويزاحمون على مهن السواقين العموميين للسيارات والفانات ودون لوحات عمومية خلافا للقانون، اضافة لفتح دكاكين بقالة وخضرة وملاحم ومطاعم، و غير ذلك من مهن السباكة والبناء والزراعة ونواطير الابنية وخلاف ذلك من اعمال تخل بالامن …
ثمة من يقول أن العمالة السورية في لبنان قديمة وطبيعية، نعم لكن النازح نازح، ولا يحق له ان يكون في نفس الوقت نازح لأسباب سياسية يتمتع بالاغاثة، ولاجئ يستحق الحماية الانسانية، وعامل خلافا لقانون العمل والإقامة، ومستثمر ورجل أعمال دون قانون، ويجب أن نتضامن معه، وهو يرتكب كل هذه المخالفات! واذا كان هناك من ازمة اقتصادية تطال الداخل السوري، فقد ناء لبنان باحماله وفساد حكامه، وليس من العدل بشيء ان يتم سحقه، باثقال الازمة السورية المضافة، وعلى الدولة الاوروبية المتمدنة التي تعطينا دروسا في الإنسانية النظرية، ان تنتقل الى ابراز تجربتها العملية في استقبال النازحين السوريين، وتشغيلهم وتوطينهم في أوروبا
أما من يستحق التضامن والحماية والاغاثة، فهم الفئة الاخيرة التي هي معارضة لنظام الأسد، والتي لم تزر سورية منذ تهجيرها، والتي لا تملك امكانية العودة فعلا الى سورية، ولم تذهب الى السفارة السورية في لبنان لتجديد البيعة للأسد، نعم هذه الفئة تستحق الاغاثة والحماية والتضامن، وهي لا تشكل سوى ٢٠% من ٢ مليون سوري موجودين في لبنان.
رابعا_ من هي الجهة المسؤولة للقيام بوضع خطة، تنظم اصول التعامل مع النازحين السوريين، دون عنصرية ودون انفلاش، فتُصَنِّفَهُم إلى فئات مختلفة، وتطبق لكل فئة منهم التدابير والإجراءات الإنسانية والقانونية المناسبة… ويكشف السؤال هذا، مدى تخلي السلطات اللبنانية، عن واجباتها ومسؤولياتها سواء بسواء، اكان ذلك تجاه اللجوء السوري الذي تركت حبل غاربه منفلتا، ام بممارسة عبث متماد ولا مبالاة سافرة، تجاه شعب لبنان و في مواجهة تفاقم الأزمات في التعليم والصحة والخدمات وتسيير المرافق العامة.
خامسا_ إن الحملة التي اطلقتها وسعرت لهجتها، جهات محددة، كانت سببا في المأساتين السورية واللبنانية، لا علاقة لها بسعي مستجد من قبلها، لعلاج تداعيات النزوح السوري، بل هي متصلة بأمرين سياسيين بعيدين عن اي امر انساني او حرص سيادي لبناني: الأول، عودة العلاقات العربية مع نظام الأسد والدفع بإعادة تعويمه عربيا ودوليا، والنازحون هم ورقة تشهر في وجه الدول الأوروبية، التي تتشدد تجاه محاولات تعويم الأسد، اما الامر الثاني، فهو ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية في لبنان، فالنازحون يستجمعون ورقة إيجابية تعزز معركة فرنجية للرئاسة.
العنصرية لا تحل مشكلة النزوح، وتحميل لبنان فوق طاقته وإغراق شعبه في دياجير الأزمات لتعويم الأسد، ليس حقا لأي دولة او منظمة دولية حتى لو تغطى هذا الأمر بمعايير إنسانية وإغاثية.
تهريب المخدرات جريمة لا يصح دفع ثمن الكف عن ممارستها، والتهجير الجماعي والتطهير المذهبي هي جرائم حرب لا يصح إلا إنزال العقاب بمن ارتكبها.الجريمة تدان وتعاقب، ولا يمكن ان تصبح ميزة، أو سلعة يمكن بيعها أو مقايضتها والتربح منها…يوم تستتب المعاملات على معادلات على هذا النحو، فعلى الدنيا السلام!!