حوار محمد برو – الناس نيوز :
تضم تركيا اليوم ما يربو على ستة ملايين عربي، بين مقيمٍ ولاجئ، وسائح يكرر المرور في إسطنبول ليتمتع بجمالها، ويحمل في حقائبه من جناها ما يغني به حياته، وممن أعرفهم كثيرون لا تقلُّ مقتنياتهم من الكتب العربية في كل زيارة عن خمسة عشر كتاباً، الأمر الذي جعل من وجود المكتبات العربية ضرورةً مهمة، وعملاً ذا جدوى لأصحاب المكتبات.
في عام “2016” بادرت الشبكة العربية لافتتاح معرضٍ للكتاب العربي في إسطنبول وكان الأول من نوعه وكانت مغامرةً جميلة، تمَّت بالتنسيق مع دور نشر عربية وتركية.
وقد عُرض في هذه المهرجان الكتبي أكثر من مئة ألف كتاب بمشاركة خمسمئة دار نشر من 15 دولة عربية، إضافة إلى عدد من المؤسسات الإعلامية.
واليوم تتجول في إسطنبول لتجد مكتبات عدة متخصصة في الكتاب العربي بعضها يغلب عليه الطابع التراثي للكتب، وبعضها متنوع وغني في اختياراته ويهتم بالإصدارات الحديثة. تبقى مكتبة الشبكة العربية هي الرائدة في هذا الباب علاوة على كونها تهتم بشكلٍ كبير بكل ما هو حديث ومميز فتجد في وسطها ركناً كبيراً للإصدارات الحديثة، وهو يتجدد باستمرار.
وفي تطوافنا في فضاءات الكتاب مررنا بهذه المكتبة التي أضحت أحد معالم إسطنبول المقصودة حيث يحرص الزائرون والسياح العرب أن تكون في جدول اهتماماتهم ليحملوا منها إلى بلادهم ما أحبوا واختاروا من كتبها، كما أنها تحتوي ركناً للمطالعة، تجد عاشقي الكتب فيه وهم عاكفون على القراءة.
كانت لنا فرصة هناك للقاء الأستاذ محمد عبد العزيز الهجين (الخبير في مشتريات وتسويق الكتب) وكان بيننا هذا الحوار.
• حدثنا في البدء عن تجربة العمل في مكتبة الشبكة العربية في إسطنبول ، عن الصعوبات والمفاجآت والنتائج؟
القسط الأكبر من عملي هو إعداد ما يحتاجه القراء من عناوين، وفهم الطيف الكبير من القراء واختلاف أذواقهم يتطلب متابعة لكل أنواع العلوم الإنسانية والاطلاع على قوائم دور النشر، وتزويد المكتبة بهذا الكم الكبير من العناوين، الصعوبة بالنسبة لي هي تعرفي على جمهور جديد هو الجمهور السري والاهتمام بما يطلبه من عناوين لتوفيرها في المكتبة، وهناك الدعاية لهذه العناوين عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والنتيجة التي لمستها هي وجود قراء متشوقين للكتاب العربي في هذه المدينة، وينتظرون العناوين الجديدة بشغف، ولعله الحنين إلى بلداننا العربية نسربه عبر انتظار الكتاب.
• من أجواء عملك في مكتبة الشبكة العربية في إسطنبول من هو الجمهور الأكبر لعالم المكتبات العربية اليوم؟.
في إسطنبول، جمهور المكتبة هم شعوب الشتات العربي في تركيا، والأغلبية من السوريين بالطبع، ثم يأتي العديد من القراء من الدول العربية مثل اليمن والعراق ومصر وليبيا، وهناك الزائر الخليجي الذي يضع في جدول زياراته التعرف على المكتبة العربية في إسطنبول.
• برأيك ما مستقبل الكتاب الورقي في ضوء التحول الملحوظ إلى سوق الكتب الإلكترونية؟.
هناك حالة من الغرام ورومانسية الإمساك بالكتاب الورقي، والعديد من القراء ما زالوا مخلصين لهذه الأجواء ولفسحة زيارة المكتبة، ومن هؤلاء نضمن أن الكتب الورقية ستعيش طويلاً..
• ما هو أصعب سؤال من العملاء في المكتبة؟
أصعب سؤال هو طلب ترشيح عناوين لفئة الفتيان والمراهقين، فالمكتبة العربية فقيرة في الكتابة لهذا العمر، ومعظم الروايات موجهه للكبار، والبحث عن عناوين مميزة لهذه الفئة قليل وغير منوع. لكن دورنا دوما استقطاب القراء وتشجيعهم على اقتناء وقراءة الكتب ونحن نعمل وفق مبدأ من يتوقف عن القراءة يتوقف عن النمو ، لذلك اي قراءة ستكون مفيدة ، ثم تنمو مهارة الخيارات والتخصصات ، بعد ان تتوثق العلاقة مع الكتاب .
• هل كان للإجراءات التي فرضها تفشي فيروس كورونا دور في تراجع الإقبال على شراء الكتب؟ وكيف هو الحال الآن؟
كان الوباء كارثة على صناعة النشر في بيروت، وتأثر سوق الكتاب بهذا الإغلاق، خلت المكتبة من الزوار، وتوقفت حركة السياحة، ولم يكن المبيع عبر الإنترنت مميزاً، فالقراء يحبون زيارة المكتبة والتجول فيها والفرجة على الأغلفة وتصفح العناوين قبل الشراء.
• انتشرت ظاهرة الشراء الإلكتروني لنسخ ورقية يتم إرسالها عبر دول العالم؟
بالنسبة لمكتبتنا لم نستطع التحول إلى الإرسال لدول العالم فتكاليف البريد مكلفة خارج تركيا، لكن لدينا شحن للكتاب العربي إلى آخر مكتبة يصله فرع للبريد التركي على الحدود في الجنوب أو حتى في قبرص التركية.
• ما هي الكتب الأكثر انتشارا ومبيعا في المكتبات العربية اليوم؟
هناك أنواع من الكتب الأكثر مبيعا، بالنسبة للروايات يبدو أن إليف شافاك بقواعد العشق الأربعون تهدد عرش أحلام مستغانمي، وهناك كتاب أربعون للمذيع أحمد الشقيري، وبعض العناوين في التنمية البشرية مثل فن اللامبالاة وقلق السعي إلى المكانة، وهناك الروايات التي فيها مسحة رومانسية مثل في قلبي أنثى عبرية وأحببتك أكثر مما ينبغي، وبعض روايات الرعب وبالطبع روايات دان براون مثل روايته الأصل، وهناك الكتب التي تمس تجارب السوريين مثل حالات حرجة لهادي العبد الله وعطب الذات مذكرات برهان غليون، وسوريا الدولة المتوحشة لميشيل سورا.
• يعاني الناشرون العرب على وجه الخصوص من سطوة القرصنة وتحويل الكتب الورقية لنسخ بي دي إف يتم تداولها مجانا، وهذا مدمر لسوق النشر، كيف يمكن معالجة هذه المعضلة؟
كلما رآني صديقي أروج لكتاب ورقي ردد قائلاً “وال PDF من ورائهم محيط”، الحل هو زيادة دخول دور النشر لسوق الكتاب الإلكتروني وتقديم عروض بأسعار رخيصة تشجع على الشراء، والشكوى على المواقع التي ترفع الكتب التي صدرت حديثا، مما يهدد سوق النشر.
• هل تتعلم من القرّاء الزائرين للمكتبة؟
نعم بلا شك، القراء أصناف كثيرة منهم الذي يريد الأكثر مبيعا، والكتاب الذي عليه ضجة، ومنهم صنف من العملاء مميز وهو الباحث المتخصص في مجاله ومن هؤلاء الباحثين أسمع تقييم ومفاضلات لبعض العناوين كأنني في مجلة لقراءة مراجعات عن الكتب، وأسمع نقداً لبعض الترجمات أو شكوى من بعض السرد في الروايات، القارئ يشاركني انطباعاته وأتعلم منها.
• كيف تُصنف الكتب في المكتبة وبأي طريقة؟
لدينا العديد من طرق التصنيف، نضع الكتب التي وصلت حديثا في الواجهة ليراها القراء وحتى تغريهم أغلفة الكتب الجديدة، لكننا لدينا تصنيفات مختلفة لدينا تصنيف للدول التي يتم السؤال عنها كثيرا مثل تركيا والعثمانيين وسوريا والعراق وإيران، وتصنيف لبعض التخصصات مثل الاقتصاد والسير الذاتية والمذكرات (رفي المفضل تجدني عنده عندما تزورني في المكتبة) ورف للتنمية الذاتية وبعض الأرفف للروائيين الذين يكثر السؤال عن عناوينهم مثل باولو كويلو وربيع جابر وماركيز. وهناك التصنيف عبر جمع الكتب من خلال دور النشر. نصيحتي ألا يكتفي القارئ بالمعروض على الطاولات وأن يقف على الرفوف ويتأمل الكتب وعناوينها وهناك قد يجد كتاباً متميزاً ينتظره، ولم يغره الغلاف بل أغراه العنوان والفهرس.
تبقى الكتب والمكتبات إرث الحضارات التي دالت عطرها الذي لا تبلى جدَّته، وفكر وإبداع الأوائل والسابقين، وميدان تنافس المجتهدين.
وقد تفاخر شكسبير في إحدى مسرحياته بقوله ” هذه مكتبتي، وأية دوقية تساويها “.
وانا أشكر جريدة ” الناس نيوز ” الأسترالية الإلكترونية التي تلعب دورا حضاريا في عالم الإعلام الغربي الشرقي وكأنها الجسر الطويل لتبادل الثقافات والافكار .