دمشق – الناس نيوز ::
في تسجيل مصوّر نشره على حسابه على موقع “فيسبوك”، قال الصحفي السوري كنان وقاف، الذي خرج مؤخراً من سوريا بعد أن تعرض للاعتقال والملاحقة عدة مرات، إن “المكتب السري”، التابع لزوجة رئيس النظام في سوريا، أسماء الأسد، تفرض إتاوات كبيرة بالدولار على التجار، وبشكل خاص في دمشق وحلب، فضلاً عن تدخلها في الاقتصاد السوري بما يعود بالمنفعة إلى المقربين منها.
فمن هم أعضاء “المكتب السري”، وكيف يتحكم بالاقتصاد السوري؟
ذكرت صحيفة “فاينينشال تايمز” الأميركية، في تحقيق مفصّل، أن هذا المجلس الذي تقوده أسماء الأسد من داخل القصر الرئاسي يتولى مهمة الهيمنة والتحكم باقتصاد سوريا، لإثراء عائلة الأسد وتمكين نفوذها إلى جانب تأمين التمويل لعمليات النظام السوري.
ووفق شهادات أجرتها الصحيفة مع 18 شخصية على دراية بآليات عمل النظام، بينهم رجال أعمال ومديرو شركات وموظفون في منظمات إغاثية ومسؤولون سابقون في مؤسسات النظام، فإن أسماء الأسد عملت على مدار سنوات طويلة لبناء شبكة محسوبيات واسعة بالاعتماد على المنظمات الخيرية وغير الحكومية التابعة لها، مثل “الأمانة السورية للتنمية”، بينما تحكمت هي شخصياً بتدفق أموال المساعدات الدولية إلى سوريا.
وبالإضافة إلى ذلك، عملت أسماء الأسد على الإطاحة بجميع رجال الأعمال وأصحاب رؤوس الأموال ممن لا يدينون بالولاء لزوجها، وفككت، بالتعاون مع زوجها وشقيقه ماهر، طبقة التجار التقليدية في سوريا، وابتكرت أساليب جديدة تسمح باستثمار الحرب اقتصادياً لتكوين ثروة شخصية، وبات اسمها رمزاً يشير إلى هذا النظام الاقتصادي الجديد.
ترتكز قوة أسماء الأسد بشكل أساسي على “الأمانة السورية للتنمية”، التي أسستها عام 2007، واستغلت تجربتها في إدارة المنظمات غير الحكومية قبل الحرب، لإنشاء نظام فاسد يهيمن على المساعدات الإنسانية المتدفقة إلى البلاد بعد عام 2011.
ولأن شبكة أسماء الأسد تشغل جوهر هذا النظام المهيمن على المساعدات الإنسانية، لم يكن بإمكان أي منظمة غير حكومية العمل داخل سوريا من دون أن تنسق معها، بل إن أسماء الأسد كانت تجري المفاوضات داخل مكتبها في القصر الرئاسي مع المنظمات الدولية بشأن عقود عملهم في البلاد.
وقيّد النظام الذي فرضته أسماء الأسد وصول المساعدات إلى المناطق المتضررة، وحوّلتها نحو المجتمعات الموالية للنظام، وأصرّت على توظيف أقرباء المسؤولين في المنظمات الإنسانية، الأمر الذي ساعدها في استهداف منافسيها في مجال العمل الإنساني لضمان سيطرتها على أموال المساعدات، في حين حققت الشركات المرتبطة بـ”الأمانة السورية للتنمية” أرباحاً طائلة على مدار سنوات، بعد حصولها على مناقصات لمشاريع طرحتها الأمم المتحدة.
من هم أعضاء مجلس أسماء الأسد السري؟
فارس كلاس
أحد أبرز المقربين من أسماء الأسد، ومدير مؤسستها “الأمانة السورية للتنمية”.
ينحدر كلاس من مدينة حلب، وعمل سابقاً في قطاعات الاتصالات والنقل والشحن والسكك الحديد، وله شركاء، وأسهم في شركات، في الهند وجنوب أفريقيا.
فضلاً عن عمله إلى جانب أسماء الأسد، يمتلك فارس كلاس مجموعة من الشركات وأسهماً في شركات أخرى، ويشغل رئيس مجلس إدارة مؤسسة “الوطنية للتمويل الصغير”، ونائب رئيس مجلس إدارة “أوغاريت التعليمية”.
كما يشغل فارس كلاس منصب عضو في مجلس أمناء “جامعة المنار” الخاصة، التي أُسست بموجب مرسوم صادر عن رئيس النظام السوري في آذار 2016، في مدينة بانياس بريف طرطوس، في حين يقع مقرها المؤقت حالياً في مدينة اللاذقية.
لينا الكناية
مستشارة منصور عزام وزير الشؤون الرئاسية لبشار الأسد، وإحدى أبرز منسقي العلاقات بين القصر الرئاسي والقطاع الخاص، وتحمل الجنسيتين اللبنانية والسورية.
الكناية من مواليد 1980، وحاصلة على بكالوريوس في إدارة الأعمال من الجامعة الافتراضية السورية في 2019، وهي زوجة رجل الأعمال محمد همام المسوتي، المقرب من إيران، والمدرج على قائمة العقوبات الأميركية كأحد داعمي النظام السوري.
أسست الكناية شركة “ليتيا” المساهمة المغفلة، في العام 2019، وتمتلك أسهمها مع زوجها وأولادها، وتختص في مجال استيراد الصناعات التحويلية والمنتجات الطبية، والاستثمار في المجالات الصناعية والتجارية، والتعهدات والمقاولات، ودخول المناقصات والمزايدات وتمثيل الشركات والوكالات العربية والأجنبية، وفق معلومات تأسيسها في الجريدة الرسمية.
عملت الكناية سابقاً مديرة لمكتب أسماء الأسد بين عامي 2001 – 2008، واتهمتها وزارة الخزانة الأميركية عام 2020 بإدارة أنشطة تجارية وشخصية نيابةً عن أسماء الأسد.
وسبق أن أكد المبعوث الأميركي السابق إلى سوريا، جويل ريبورن، أن العقوبات فرضت على الكناية وزوجها لأنهما يعملان كوكيلين ماليين وجبهة مالية لأسماء وزوجها بشار الأسد.
وخلال عملها كمستشارة أسماء الأسد، كانت الكناية المسؤولة الإدارية عن مكتب “المتابعة”، وهو المكتب الذي كانت تصدر من خلاله أسماء الأسد التعليمات للقضاء والجهات التشريعية الأخرى، مثل الحجز على أموال رجال الأعمال، ومنح تسهيلات مالية واستثمارية لآخرين.
دانا بشكور
مديرة مكتب أسماء الأسد، شوهدت ضمن الوفد المرافق لأسماء خلال زيارتها وزوجها إلى الإمارات، يوم الأحد 19 من آذار 2023، في أول رحلة لأسماء الأسد خارج سوريا منذ عام 2011.
دانا بشكور من مواليد دمشق ومن أصول شركسية، وتحمل إجازة في الإعلام، استطاعت الدخول في مجال الاقتصاد والسياحة، كما تقول، تقدم بشكور محتوى عبر قناة تملكها على “يوتيوب”، تروج فيها للسياحة في سوريا.
كما تشغل بشكور منصب عضو مجلس إدارة وشريكة مؤسسة في شركة “ألفا إنكوربوريتد” محدودة المسؤولية، أُسست في عام 2020، وتعمل في قطاعات خدمات البرمجيات وتطبيقات الهواتف المحمولة والأنظمة الحاسوبية والشبكية والتسويق الرقمية، بالإضافة إلى عملها في إدارة المعارض وتمثيل الشركات، وتمتلك بشكور 20 % من أسهمها.
لونا الشبل
تعتبر لونا الشبل من أبرز الشخصيات في الدائرة المقربة من رئيس النظام بشار الأسد، وتشغل منصب مستشارته الخاصة والمسؤولة الإعلامية في القصر الجمهوري، وإحدى أكبر المسؤولين الصحفيين في حكومة النظام.
ظهرت لونا الشبل لأول مرة عبر برنامج “زوايا وأعمدة”، الذي كانت تعده ويُعرض على التلفزيون السوري، ويخرجه الراحل هشام شربجي، وفي عام 2003 انتقلت للعمل مذيعةً في قناة “الجزيرة” القطرية، قبل أن تستقيل منها في عام 2011، لتقف في صفّ نظام الأسد ضد ثورة السوريين.
بعد استقالتها من “الجزيرة”، ظهرت الشبل فجأة على شاشة التلفزيون السوري، متهمة القناة القطرية بخيانة الأمانة الصحفية، بسبب تلفيقها للأخبار التي تبثها حول الأحداث في سوريا.
تزوّجت الشبل من الإعلامي اللبناني سامي كليب الذي كان مذيعاً بقناة “الجزيرة” أيضاً، وبعد انتشار قصة البريد الإلكتروني المسرّبة لبشار الأسد، كان اسم الشبل بين أسماء الفتيات المذكورات فيه، ولم يكن زوجها سامي راضياً عن علاقتها مع سلطات النظام، وعندما تسرّب أمر الإيميلات الذي يتبادل فيه الأسد والشبل كلاماً حميمياً، انفصل كليب عن الشبل وأعلن طلاقهما رسمياً، وتزوجت بعده الرئيس السابق لـ”الاتحاد الوطني لطلبة سوريا”، والعضو السابق بمجلس الشعب، عمار ساعاتي.
ظهرت لونا الشبل ضمن الوفد الممثل للنظام المشارك في مؤتمر “جنيف 2″، في كانون الثاني 2014، في حين أدرجتها الولايات المتحدة وبريطانيا في قائمة العقوبات لقربها من بشار الأسد ودعمها له.
خضر علي طاهر
لمع اسم خضر علي طاهر لأول مرة في عام 2016، عندما أظهر براعة في حماية قوافل المهربين مقابل أموال يدفعها تجار التهريب لـ “الفرقة الرابعة”، التي اهتم بها ماهر الأسد شخصياً، كانت قادمة من العراق ومتجهة إلى دمشق دون أن يتدخل فيها أحد أو يكشف حمولتها.
يعمل خضر علي طاهر، الذي ينحدر من مدينة صافيتا بمحافظة طرطوس ويُعرف باسم “أبي علي خضر”، كوسيط محلي ومقاول للفرقة الرابعة التابعة لجيش النظام، والتي يقودها ماهر الأسد، شقيق رأس النظام.
في عام 2017، أسس طاهر شركة “القلعة للحماية والحراسة والخدمات الأمنية”، وهي شركة حراسة أمنية خاصة، تعتبر الذراع التنفيذي غير الرسمي لمكتب أمن الفرقة الرابعة، وهي مسؤولة عن توفير حماية قوافل الإمدادات للفرقة الرابعة.
سريعاً أصبح أبو علي خضر داخل الدائرة القريبة من ماهر الأسد، وسمح له هذا الوضع بمواجهة خصومه بشراسة، حتى أن قناة السورية الإخبارية اضطرت إلى حذف مقابلة لرئيس اتحاد غرف الصناعة السورية، فارس الشهابي، بعد أن قام بتسمية أبي علي خضر صراحة بمسؤوليته عن فرض إتاوات على المصانع الحلبية، بالإضافة إلى حادثته الشهيرة مع وزير الداخلية محمد خالد الرحمون في شباط من العام 2019.
نهاية 2019، كُلف خضر علي طاهر بمهمة استثمار صندوق أرباح “الشعبة الأمنية” وتبييض أمواله، فأنشأ 11 استثماراً على الأقل، في شكل شركات ومشاريع في قطاعات الاتصالات والمقاولات والمعادن والنقل والسياحة وتحويل الأموال والأمن.
ومن هذه الاستثمارات شركة اتصالات “إيماتيل”، التي أمرت أسماء الأسد بتأسيسها، بهدف خلق بديل لإمبراطورية رامي مخلوف، ابن خال رأس النظام، وكسر هيمنته في ذلك الوقت لسوق الاتصالات السوري عبر شركة “سيريتل موبايل”، وفق وزارة الخزانة الأميركية.
تمتلك شركة “إيماتيل” حالياً أكثر من 20 مركزاً ومكتباً في جميع أنحاء سوريا، وتبيع معدات الهواتف المحمولة وتوفر خدماتها، والمعدات الإلكترونية والاتصالات السلكية واللاسلكية، ويمتلك طاهر كامل الحصص في الشركة بنسبة 100 %.
كما استخدمت “الفرقة الرابعة” أبا علي خضر في دعم ورعاية المشاريع الاجتماعية المحلية في الساحل السوري، بالتعاون مع أسماء الأسد، وشملت هذه المبادرات “فريق معاً وسنبقى معاً”، ومؤسسة “بسمة شباب سوريا”، التي تهتم بشكل خاص بدعم عوائل قتلى وجرحى جيش النظام.
في تشرين الأول من عام 2020، تم إدراج طاهر ضمن قائمة العقوبات الأميركية، ضمن “قانون قيصر”، لتوجيهه عناصر ميليشياته لتحصيل الرسوم على الحواجز والمعابر الداخلية، التي تسيطر عليها “الفرقة الرابعة”، وتربط بين مناطق سيطرة النظام ومناطق سيطرة المعارضة، بالإضافة إلى المعابر مع لبنان، فضلاً عن إدراج شركاته كلها ضمن قائمة العقوبات.
يسار إبراهيم
بدأ اسم يسار إبراهيم في التداول لأول مرة منتصف العام 2018، مع تكليفه بمتابعة مكتب “الشهداء” في وزارة الدفاع، الذي يقدم مساعدات لذوي قتلى النظام.
ويعرف بأنه مستشار اقتصادي لبشار الأسد، ويدير إمبراطورية من الشركات بعد الاستحواذ عليها من أصحابها، تمتد على قطاعات اقتصادية عديدة مثل الاتصالات والبناء والعقارات والنفط والسياحة والأمن الخاص، بعضها مسجل في سوريا ولبنان، والبعض الآخر في جزر الكايمان التابعة لبريطانيا.
يمتلك يسار إبراهيم وشقيقته نسرين عشرات الشركات، منها شركة البرج للاستثمار، وشركة زيارة للسياحة، والشركة المركزية لصناعة الإسمنت، وشركة كاسل انفستمنت القابضة، ومؤسسة بازار، وشركة وفا للاتصالات، والعهد للتجارة والاستثمار، وتعمل هذه الشركات في معظم المجالات والقطاعات.
عُيّن يسار إبراهيم مديراً للمكتب المالي والاقتصادي في رئاسة الجمهورية، مع بداية الخلاف بين بشار الأسد وأسماء من جهة ورامي مخلوف من جهة أخرى، وينسب إليه فرض مبالغ على رجال الأعمال الجدد الذين ظهروا في فترة الحرب.
سبق أن استهدفته العقوبات الأميركية وقال عنه حينئذ، وزير الخارجية الأميركي السابق، مايك بومبيو، إن “استهداف إبراهيم جاء لجهوده في منع أو عرقلة حل سياسي للنزاع السوري الذي اندلع عام 2011″، مشيراً إلى أن إبراهيم استخدم “شبكاته في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه لإبرام صفقات فاسدة تثري الأسد، بينما يموت السوريون من نقص الغذاء والدواء”.