ميديا – الناس نيوز ::
العربي الجديد – بشير البكر – ليس في وسع الإدارة السورية الجديدة أن تواصل العمل بفلسفة “من يحرّر يقرّر”، وقد كشفت حصيلة عدة أشهر أن المردود العام متواضع، وهناك ارتفاع لمؤشّر المشتكين والمحتجين، ينذر بتراجع تدريجي للرصيد الإيجابي، الذي جنته بفضل إسقاط نظام بشّار الأسد.
ومن يتابع وسائل الإعلام ووسائل التواصل من الداخل والخارج يجد أن هناك حالة من عدم الرضى في طريقها لتشكيل تيارات معارضة، قد تلعب دوراً في إعاقة تقدّم التحوّل الجديد الواعد محلياً وعربياً ودولياً. وتتمحور الانتقادات حول جملة من الملاحظات.
أولاً، ضعف الخبرة في إدارة الدولة. وهذا أمر يجد بعض المبرّرات، ولا أحد من السوريين يطالب الحكومة أن تكون كاملة الأوصاف بين يوم وليلة. وعلى هذا، ليس هناك ضير من أن تتعلم الأساليب بالممارسة، شريطة أن تمتلك الاستعداد، وتتحلى بالتواضع. وكما حذّر أكثر من صاحب رأي حريص على النجاح، فإن التجريب، وارتكاب الأخطاء ترفٌ ضارٌّ جداً في هذه المرحلة. ويحضر هنا شأن اختيار أشخاص ليسوا على قدر من الكفاءة، في مواقع متقدّمة، ومثال ذلك وزير الثقافة محمد ياسين صالح. وكان من الأفضل تعيين شخصية على صلة بالكتابة أو المسرح أو السينما.
وتشكّل الضجة التي أثارها بظهوره في مضافة شخصية قبلية إشكالية جرس إنذار للقيادة، كي تعيد النظر بالقرار، وتتراجع عنه قبل فوات الأوان، وألا تكرّره في تعيينات أخرى.
ثانياً، الاستئثار بإدارة الدولة، من خلال إسناد الوزارات الأساسية كالخارجية والدفاع والداخلية والعدل لشخصيات من هيئة تحرير الشام، لا تملك تجربة كافية في العمل الحكومي، وبعضها غير متخصّصة في الميادين التي تشغلها، وليس في سجل الآخرين سوى أنه قيادي في “الهيئة”، وهذا لا يكفي، بل لا يمكن الرهان عليه لبناء مؤسّسات فاعلة، وتقديم صورة إيجابية عن سورية الجديدة، التي يهم حاضرها ومستقبلها جميع أبنائها على اختلاف توجّهاتهم السياسية، والفكرية، والطائفية، والعرقية.
ثالثاً، ضعف الفاعلية في التعاطي مع المطالب الخارجية، وفي مقدمها قائمة الشروط الأميركية، التي تسلمتها الحكومة السورية، وردّت عليها. والملاحظ عدم تحقيق الإدارة السورية نتائج جوهرية، بدليل عدم حصول أي تقدم في قضية رفع العقوبات الأميركية، التي تتوقف عليها تلقي مساعدات مالية عربية ودولية، وتسهيل وصول المستثمرين إلى سورية. وهنا يتوجب التوقف أمام مسألتين مهمتين: الأولى، عدم تقديم تنازلاتٍ تتعلق بالسيادة، والموقف من إسرائيل. والثانية، ما لم تتمكّن الحكومة من إدارة هذه الأزمة بنجاح، فإن الإقبال الغربي والعربي نحو سورية لن يتقدّم إلى الأمام، كما أن تصفية التركة السياسية التي تركها نظام الأسد لن يتم وفق حسابات الإدارة، وسيظل أمر استكمال الوحدة الداخلية يراوح في مكانه في الجنوب والشرق. ولن تتمكّن الدولة من إبطال مفعول الألغام السياسية التي تهدّد وحدة البلد، إلا من خلال تحصين الجبهة الداخلية على أسس سليمة، تعتمد على توسيع قاعدة المشاركة في الحكم، والقرار، واحترام التنوّع، والتعدّد.
رابعاً، تأخّر إطلاق مشروع العدالة الانتقالية، وتشكيل الهيئة الخاصة بها. وتعزو أوساط قانونية سورية سبب ما حصل من تجاوزات إلى عدم بدء محاسبة مسؤولي النظام السابق، سواء الذين جرى اعتقالهم، أو الفارّين داخل سورية وخارجها. وقد أدّى هذا الخلل إلى نمو نزعة الثأر، وتحصيل الحقوق بوسائل غير قانونية، تهدّد السلم الأهلي. ومن دون شك، لو تمت المسارعة في إقرار هذا المسار على أساس إحقاق العدالة، لتم حقن الكثير من الدماء في الساحل، ووقف الاعتداءات التي يتعرّض لها الأبرياء بسبب استشراء نزعة الانتقام والكراهية ضد المكوّن السوري العلوي.

