ممدوح حمادة – الناس نيوز
كل شيء تحت السيطرة فسعادة وزير الداخلية يبعث الرعب في نفوس الجماهير، والملك على ثقة تامة بأن كل أفراد رعيته يحبونه وينحنون له حتى في المنام، وسعادة وزير الدفاع الذي تثقل الأوسمة صدره يبعث الرعب في حكومات دول الجوار والحدود آمنة، وهو على ثقة تامة أن أيا من جيوش هذه الدول لن يتجاسر على التفكير بالاعتداء على حدود مملكته، ولو فكر مجنون من حكام هذه الدول بإعلان الحرب عليهم فسيكون هذا سببا كافيا لانهيار معنويات جيش ذلك المجنون، باختصار فقد كان كل شيء في أمان واطمئنان.
الأمر الوحيد الذي كان يبعث الامتعاض في نفس جلالته هو ذلك الولد العاق الذي أنجبه، والذي سيؤول إليه العرش بعد رحيله، وقد كان الملك يعتبر ولي عهده ولدا عاقا ليس لأن الأمير تمرد على أبيه أو أبدى سوء خلق تجاهه، فهو كان على استعداد أن يفدي الملك بأرواحه السبع إن توفر لديه مثل هذا العدد من الأرواح، وكان أيضا يبدي كل آيات الطاعة والاحترام، ولم يكن أمير من أمراء الجوار يتمتع بمثل هذا الإخلاص لوالده كما هو حال ابنه، غير أنه كان يعتبره عاقا لأنه أجرودي، لا ينبت في وجهه شعر، كيف سيحكم فيما بعد مملكة يتوسط علمها شاربان معقوفان كقرني ثور؟ سؤال محير حقا، وليس له عند الملك جواب، إن حاشيته لا تسخر من ولي العهد الآن، ليس إخلاصا منها ولا تعففا عن السخرية، وإنما مهابة له، وهو رغم حقده على ولي العهد لأنه أجرودي، فإن عاطفة الأبوة الكامنة في أعماق نفسه كانت تمنعه من إرسال الأمير إلى السجون التي لا يعود منها أحد، والتي كان يرسل إلى غياهبها كل من سولت له هرموناته أن يكون أجروديا، أو كل من ارتكب جريمة سياسية حيث يتم حلق شاربيه على الملأ ويرسل إلى هناك، وكانت حلاقة الشاربين أشد وطأة من السجن في ذلك الوقت، وقد حاول الملك العثور على وسيلة لكي ينبت الشعر في وجه وريث عرشه، فدعا الأطباء الذين وصفوا له المراهم ودعا المشعوذين الذين جعلوه يقوم بطقوس غريبة يندى لها الجبين ليس أسوأها دهن الشاربين بروث الوحوش ودماء الجرذان ونخاعات القرود الساخنة، ولكن ذلك كله كان بدون جدوى، ولكي يخرج من هذا الصراع الذي كان يدور في داخله قرر الملك أن يترك الأمر للزمن، (فليكن بعد موتي ما يكون) هذه كانت العبارة الأخيرة التي راودت الملك في خصوص هذا الموضوع ثم تناساه بعد ذلك تاركا الأمور تسير كما لو أن كل شيء طبيعي، ولكي لا يعود للتفكير في هذا الأمر فقد كان يتحاشى مقابلة ابنه الذي لم يفهم سبب تهرب أبيه من مقابلته.
وبما أن اللحظة الخاتمة لحياة كل فرد لا بد لها أن تحين، فقد لفظ الملك أنفاسه الأخيرة في بداية فصل الربيع الذي كان أثقل الفصول عليه بسبب حساسيته لغبار الطلع الذي يسبب له سعالا حادا، وكان من الطبيعي أن ينصب ولي العهد ملكا بدلا من أبيه لكي تبدأ مرحلة جديدة من حياة المملكة، سماها المؤرخون لاحقا (مرحلة الأجرودي).
الشوارب المنتصبة المعقوفة في معظمها نحو الأعلى، والتي كانت تثير الفخر والثقة في نفس أبيه، كانت تثير في نفس الملك الجديد التقزز والخوف والقلق، وكان يتهيأ له أحيانا وهي تروح وتجيء أمامه، إنها شلايا من الذئاب تنتظر الفرصة المناسبة لكي تنقض عليه وتمزقه إربا، أو عقارب تدور حوله في طقس سمي منتظرةً الفرصة المواتية لبث سمها في عروقه، وكم كان يتمنى لو أن النار تشتعل في هذه الشوارب فلا تبقي على شعرة منها، وكثيرا ما كان يتخيل المنظر ويسمع هسيس النار التي تأكل تلك الشوارب ويشم رائحة احتراق الشعر، وفكر كثيرا في إصدار فرمان ملكي يقضي بحلق الشوارب، ولكن مستشاريه نصحوه بعدم الإقدام على مثل هذه الخطوة، لأنه من غير المستبعد أن يستغلها دعاة الجمهورية الذين ينشطون في السر لكي يطيحوا بالنظام الملكي من أساسه، ولأن الأجرودي لم تكن لديه رغبة كبيرة بأن يكون آخر ملوك سلالته فقد اقتنع بكلام المستشارين الذين اقترحوا بدورهم خطة بديلة عليه، خطة تعمل على التخلص من ظاهرة الشوارب بشكل تدريجي وعلى نار هادئة، عبر فرمانات متعاقبة تحط من هيبة الشوارب على أن تحول الشارب إلى عبء على صاحبه.
أول فرمان أصدره الملك للحط من شأن الشوارب هو فرض شكل موحد لشوارب الموظفين في كل مصلحة من مصالح الدولة، فالعاملون في مصلحة العقار لهم شوارب على شكل خط رفيع فوق الشفة العليا، ومعلمو المدارس لهم شاربان على شكل مثلثين قائمين تفصل بينهما مساحة خالية صغيرة، أما رجل الشرطة بشاربيه على شكل مستطيل، وأبدع في تخيل أشكال الشوارب، تاركا فقط شوارب ضباط الجيش معقوفة إلى الأعلى كما كانت، وذلك لهدفين، الأول ضمان حياديتهم تجاه القرارات وجعلهم يشعرون بالتميز عن غيرهم وهذا أمر يرضي غرورهم، على أمل أن يستفرد بهم لاحقا بشكل من الأشكال، وهكذا تدخلت الدولة لأول مرة في موضوع الشوارب التي كانت في السابق ولقرون عدة المجال الحيوي الوحيد لكي يعبر المواطن فيها عن نفسه ويظهر تميزه عن الآخرين.
الكثيرون ذرفوا الدموع أمام المرآة وهم يقصون الذيول القرنية لشواربهم، ويحفون جزءا عزيزا منها لكي تلائم الشكل المحدد في الفرمان ولكن الجميع في التالي خرجوا على الشوارع وقد نفذوا القرار الذي نص عليه الفرمان الملكي.
لم يكن اختيار فئة الموظفين عبثا من قبل الملك، فالموظف الذي يقبض راتبه من خزينة الدولة من جهة، ورشوته من جيب المواطن من جهة ثانية، دون أن يبذل أي جهد فعليا، لم يكن مستعدا للتضحية بدخله العالي من أجل كتلة من الشعر فوق شفته العليا، ولكي يتابع عمله على رأس وظيفته كان عليه أن يلتزم بالقرار، ومن ناحية ثانية فإن توجيه الإهانة لشوارب الموظفين كان سيشفي غليل الرعية ويجعلهم يشمتون بهم وفي نفس الوقت يولد شعورا بالحب تجاه الملك الجديد، وهذا ما حصل فعلا، فقد شعر معظم المواطنين بالسرور لهذا القرار ولم يخفوا ابتساماتهم في اليوم التالي وهم ينظرون إلى الأشكال الجديدة للشوارب التي انتشرت في شوارع البلد خلال فترة ذهاب الموظفين إلى عملهم، وكانت الشوارب العقارية أكثر الشوارب إثارة للضحك.
ولكن الرعية لم تكن تعلم أن النوايا السيئة كانت تزحف نحو شواربها، فبعد إذلال الموظفين بفترة وجيزة صدر فرمان آخر جعل الجميع يضعون أيديهم على شواربهم، فقد قرر الملك فرض ضريبة على الشوارب، وتوقع أن يحلق نصف رعيته بعده شواربه غير مأسوف عليها، ولكن ولدهشة الملك فقد تشكلت الطوابير أمام مكاتب الضرائب في صباح اليوم التالي كل يريد دفع الضريبة قبل حلول مساء اليوم وهي المهلة التي تحلق الشوارب بعدها إن أوقفت المرء دورية ولم يكن يحمل القسيمة التي تثبت أنه دفع الضريبة.
المستشارون قالوا للملك إن المواطنين أخرجوا مدخراتهم، وإن الكثيرين منهم لن يدفعوا الضريبة في الشهر القادم، عدد قليل فقط من الأشخاص لم يتمكن من دفع الضريبة فحلقوا، ولكنهم ندموا، حيث كان الناس في الشوارع إما يسخرون منهم أو حتى يبصقون في وجوههم، مما جعلهم يرتدون لثاما يسترون به ما أصبح يشبه العورة بعد حلق الشاربين.
خلال هذا الشهر ارتفع عدد السرقات، فلم يبق بنك أو محل صاغة إلا وتعرض لمحاولة سرقة، وقد أكد كل الذين ألقي القبض عليهم أن الدافع للسرقة هو دفع الضريبة التي أصبحوا عاجزين عنها، وبطبيعة الحال فقد كانت العقوبة إضافة على السجن حلاقة الشاربين وحرمانهم من حق إطلاق الشوارب لمدة حدها الأدنى خمس سنوات وحدها الأقصى خمسة عشر عاما، حسب حجم المبلغ المسروق أو بشاعة الجريمة.
في الشهر التالي بعد موعد دفع الضريبة كثر عدد الملثمين، وأصبح من الواضح للملك ومستشاريه أن الذين تمكنوا من الاحتفاظ بالشاربين هم أولئك الذين نجحوا في عمليات السطو، والميسورون من الرعية، وهؤلاء سيدفعون كل شهر ولن تشكل الضريبة لهم أي مشكلة، ولذلك كان لا بد من الفرمان الثالث، الذي حجم الضريبة فيه متناسب طردا مع حجم وشكل الشاربين، فالشاربان المعقوفان للأعلى تم اعتبارهما رفاهية يجب دفع ثمن تستحقه، والشاربان الكثان حُدد لهما مبلغ كث، أما أقل مبلغ فكان على الشاربين المتهدلين، ولذلك فقد تهدلت الشوارب آليا شهرا بعد شهر.
ولأن اللثام أصبح يعني تلقائيا أن صاحبه حليق الشاربـين وبالتالي أصبح يشغل منزلة أدنى من منزلة بقية أفراد المجتمع، تشبه منزلة الخصيان في مجتمعات الرجال، فقد أنتج التفكير الشعبي طريقة يمكن من خلالها حل الموضوع، وذلك عبر الشوارب المستعارة، وهكذا راجت هذه الصناعة، ولأن الحواجز والدوريات كانت تملأ الشوارع في حملة ما تعارف سكان القصر على تسميتها ب (مكافحة الشوارب)، فقد كان الشخص يلقي باللثام على وجهه كلما اقترب من الحاجز، وبعد أن يتجاوز الحاجز يخرج شاربيه من جيبه ويلصقهما على شفته.
ومع الزمن ظهرت موديلات للشوارب أصبح الرجال يلاحقونها كما تلاحق النساء الموضة، وفي الكثير من الأحيان كنت تجيء مع شخص واحد دزينة شوارب، يرتديها بحسب الحالة التي هو فيها، فمع حبيبته يرتدي شاربي الفرسان، وفي الوظيفة شاربي الجلاد، وإلى آخره.
الملك بعد أن تم اكتشاف الحيلة، أصدر فرمانا يمنع فيه مزاولة مهنة صناعة الشوارب وبيعها ولبسها، وفرضت عقوبة بالسجن على من يضبط في جيبه شاربان مستعاران تشبه عقوبة متعاطي المخدرات، ومن يضبط في جيبه أكثر من شارب كانت تفرض عليه عقوبة المُروج، أما الذين يمارسون البيع والصناعة، فقد كانوا يعاملون معاملة مزوري العملة ومرتكبي الخيانة العظمى، ولذلك فقد تم حل الموضوع بطرق مختلفة، بحيث لا يحل الشخص شاربيه في جيبه، فكان أصحاب البيوت يمتلكون أطقما من الشوارب يقدمونها لضيوفهم لكي يرتدونها أثناء الزيارة، وفي الأندية وغيرها من الأماكن العامة راجت مهنة تأجير الشوارب التي يحصل عليها المواطن عند دخوله ويسلمها عند خروجه.
عيون الملك المبثوثة في كل مكان، بما فيهم المخبرون المتنكرون (حليقو الشوارب) سرعان ما أبلغوا الأجهزة المختصة بالموضوع، وهكذا بدأت عمليات المداهمة، ومن أجل تربية القرود السود بكل من سولت له نفسه الاحتيال على فرمانات الملك، فقد أعلنت حالة الطوارئ على كل ما يخص الشوارب، فكل شخص تُضبط في بيته شوارب مستعارة يحكم عليه بالسجن وعلى عائلته بنتف الشوارب، وعلى سكان بنايته بالحلاقة، أما الذين يؤجروها فأخذ يزج بهم من دون محاكمة ودون السماح لهم بالتواصل مع العالم الخارجي، ويقال إن بعضهم كانت تتم تصفيته هناك، كما كانت تتم مصادرة أملاكهم المنقولة وغير المنقولة هم وأقاربهم من الدرجة الأولى، ولهذا أصبح كل من يقتني شاربين مستعارين في بيته أو يزاول مهنة التأجير شخصا منبوذا يستحق المعس تحت مداحل البلدية.
بهذا الشكل يمكن القول إن الملك انتصر على الشوارب وأصبحت الشوارب المستعارة بضاعة من يقتنيها أو يحملها كمن يحمل أو يقتني قنبلة موقوتة، فتم التخلي عنها، ولكن الوطنيين الشرفاء ما كانوا ليرضخوا لهذا الظلم، فقد أسسوا حزبا سريا تكاثر أعضاؤه كما يتكاثر الفطر، وانتمى إليه إضافة لكل المحاليق، الكثيرون ممن يسمح لهم وضعهم المادي بالاحتفاظ بشواربهم، بدافع وطني بحت، ومع الزمن أخذت المدينة تستفيق على بيانات تملأ الجدران وأعمدة الكهرباء صادرة عن حزب الشوارب، في البداية كانت تطالب الملك بالتراجع عن فرماناته التي أصدرها بخصوص الشوارب، ثم أخذت تطالب بالإطاحة بالملك وإقامة جمهورية الشوارب.
حجم جماهير الحزب والأسماء التي احتوت عليها تقارير المخبرين أثارت الرعب في نفس الملك، خاصة أن بين المنتمين إليه ضباطا كبارا تأتمر بأوامرهم عدة فيالق من الجيش والقوات المسلحة، ومن نافل القول أن بعض الأسماء لم يكن لها علاقة بالحزب واحتوت عليها تقارير المخبرين لغايات شخصية، فرئيس الأركان مثلا زج باسمه من قبل مخبر يعمل ضابطا في أحد أجهزة الأمن لأنه لم يزوجه ابنته، و غني عن القول بأن أشخاصا مثل قائد الأركان تتم تصفيتهم بأبشع الطرق لمجرد أن تحوم الشبهات حولهم، وهذا ما حصل، فقد وجدت جثة الجنرال مرمية على مجمع قمامة المدينة مشوهة تملأها الكدمات، وحصل الضابط الآنف الذكر على ابنة الجنرال ولكن كسبيةٍ هذه المرة وليس كزوجة.
المستشارون نصحوا الملك بعدم خوض معركة مع هذا الحزب الوليد، فهو في أوج قوته، ولا يستبعد أن يطيح بالملك في حال خطر لأحد قادته دعوة الجماهير للثورة، خاصة وأن الكثيرين من الجنود والضباط يمكن أن يتعاطفوا معه، ولهذا كان لا بد من خطة محكمة تطيح بهذا الحزب.
وهكذا بعد جلسة مستمرة للمستشارين فيما يشبه الاستنفار، اقترح أحد أعضاء المكتب السياسي في الحزب أن يتم تصميم شعار يزين علم الحزب ومنشوراته ويحتل رأس صفحة الجريدة التي يصدرها ، وأعجب الجميع بالفكرة وبالشعار الذي قدمه العضو المذكور، وهو عبارة عن شاربين معقوفين للأعلى، وكادت الموافقة على الاقتراح تتم برفع الأيدي لو أن عضوا آخر في المكتب لم يبد اعتراضه، بحجة أن الشعار المقترح لا يختلف بشيء عن الشعار الملكي، وأن الحزب يدعو لجمهورية الشوارب، وبالتالي فإن الشوارب الجمهورية يجب أن تتهدل باتجاه الجماهير لا أن تتعالى على هذه الجماهير بعقفها للأعلى، أثار الانتقاد حفيظة العضو صاحب الاقتراح الأول الذي أكد أن شعار الحزب الذي يقترحه لا يشكل تعالياً على الجماهير وإنما يعبر عن الفخر والاعتداد (وما شابه من الكلمات التي تعبر عن نفس المضون) نشب خلاف كاد يستخدم فيه الأعضاء قبضاتهم، مما دفع الأمين العام لرفع الجلسة واقترح مناقشة الأمر في اجتماع اللجنة المركزية.
أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية أدركوا أن من يقر شعاره في الاجتماع القادم ستكون له مكانة خاصة في الحزب وفي التاريخ، ولذلك جاء كل ومعه شعاره الذي كلف رساما بتصميمه له لكي يبدو على أفضل صورة، وهكذا ظهر شارب على شكل مربع فوق الشفة العليا ادعى صاحبه أنه يمثل الوسطية في الحزب وأكد أن خير الأمور أوسطها، ولكن آخر رد عليه بجملة كاد يغنيها كصباح فخري قائلا: (شارب مقصوص الجناح شارب لا خير فيه)، واقترح شاربا على شكل دائرة يمثل بحسب رأيه اتحاد القيادة في الحزب مع الجماهير التي هي جزء من الذقن بحسب تحليله، ولكن مقترحه رفض، ورفضت جميع المقترحات الأخرى التي تم تقديمها، ورفعت الجلسة وعين موعد قادم بعد شهر يتم خلاله استمزاج الشارع وقواعد الحزب.
خلال ذلك الشهر قام كل من أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي بحملة تجييش لصالحه بين صفوف الحزب، وتمكن كل منهم من جمع أنصار ومؤيدين له، وفي اجتماعات حزبية كثيرة في عرض البلاد وطولها نشبت معارك بين الأنصار المختلفين سالت فيها دماء وحطمت أنوف، ويمكن القول أن كلاً منهم عندما حضر إلى الاجتماع الذي تم تعيينه بعد شهر، جاء بصفته أمينا عاما لحزب جديد وليس كعضو في اللجنة أو المكتب، حقا، لدى الملك مستشارون عباقرة.
في معمعة الصراع الأيديولوجي بين ذوي الشوارب المستعارة مختلفة الأشكال، يمكن القول بأنه لم يبق قائد لم يسقط من أعين الجماهير، ولذلك فعندما خرج الملك على هذه الجماهير بشاربين مستعارين كخنجرين ينبثقان من تحت أنفه، وخلفه ظهر المستشارون يرتدون شوارب من نفس الموديل، وأعلن عن تشكيل حزب الشوارب الوطني الديمقراطي، ولم تشرق شمس صباح اليوم التالي حتى كانت نسبة تسعين بالمئة من جماهير أحزاب الشوارب قد التحقت بحزب الملك، خاصة وأن أي عضو ينتسب إلى حزب الملك يحصل على شوارب بالمجان، ولسنا بحاجة لتعداد الميزات الأخرى التي يحصل عليها أصحاب الشوارب الملكية.
ولكي لا تشعر بقية الأحزاب بالغبن مما قد يدفعها لتوحيد صفوفها من جديد، فقد أعلن الملك، ولأول مرة في تاريخ المملكة، عن إجراء انتخابات برلمانية يشارك فيها الجميع، ثم ظهرت قوائم المرشحين التي عرف فيها الشعب ما معنى كلمة تحالفات، حيث انضم عدد من الأحزاب السابقة إلى حزب الملك مشكلين معه حلفا لخوض الانتخابات البرلمانية، وفي الوقت عينه تشكلت تحالفات أخرى ولكنها لم تحصل على أكثر من واحد بالمئة من الأصوات، فوصل عن بعضها نائب واحد دخل التاريخ، بينما بقي الكثير منها خارج اللعبة البرلمانية.
ولكي لا يبقى أحد خارج سيطرة اليد الملكية فقد دعا الملك الأحزاب الساقطة في الانتخابات للمشاركة في الوزارة الجديدة التي أراد لها الملك حسب الصحف المحلية، أن تمثل كافة قطاعات المجتمع، فانضم هؤلاء للوزارة عن طيب خاطر، وسارت الأمور على ذلك النحو ردحا من الزمن لم نعرف ما جرى بعده.
أهم شيء في الموضوع أن الشوارب المستعارة أصبحت هي الشوارب الوحيدة المسموح بحملها، ولذلك فقد كان على كل شخص حين يمر بحاجز أو دورية أن يرفع شاربيه للدلالة على عدم وجود شوارب حقيقية تحتها، ومع الزمن ولكي لا يبقى هذا الطقس يحمل في ثناياه شيئا من الإذلال، فقد أصبح الناس يتبادلون التحية برفع الشوارب، وعندما يمر أحدهم قرب الآخر يرفعان لبعضهما الشاربين ثم يعيدان لصقها، وعندما يريد أحد أن يبدي إعجابه بأحد آخر يقول: “يرفع له الشاربان”!
1990