د . سامي مروان مبيّض – الناس نيوز :
هل تعرفون هذه السيدة؟ إنها ملكة أفغانستان ثريا الطرزي، بنت الشّام. ولدت في دمشق سنة 1899 لأب من أصول أفغانية وأم حلبية من آل فتال، كان والدها يعمل مؤذناً في الجامع الأموي بدمشق .
تعلّمت القراء والكتابة عند الخجا، ثم دَرَست على يد المحدّث الأكبر الشّيخ بدر الدين الحسني (والد الشيخ تاج الدين الحسني).
عاشت طفولتها وصباها المبكر في دمشق قبل أن تزور أفغانستان لأول مرة في حياتها لتتعرف على ولّي العهد الأمير أمان الله خان.
أحبها الأمير وتزوجها لتصبح ملكة أفغانستان بعد توليه العرش سنة 1926. كانت أول ملكة مسلمة في العصر الحديث تشارك في المناسبات الوطنية إلى جانب زوجها، وكانت بجواره في رحلات الصيد وفي ركوب الخيل، وقد منحتها جامعة أوكسفورد البريطانية العريقة شهادة فخرية سنة 1928 لدورها في جعل تعليم البنات إلزامياً في أفغانستان.
لا نعرف إن كان لثريا دور في إرسال وفد نسائي من كابل إلى دمشق سنة 1930، للمشاركة في المؤتمر النسائي الشرقي الأول الذي عُقد في قصر العظم داخل سوق البزورية.
كان الوفد الأفغاني مؤلفاً من سيدة تُدعى معصومة خانم وأخرى اسمها يسرا أديب خان، نزلتا ضيفتين على صفوت خانم زوجة جميل مردم بك في داره الكائن في سوق البورص، المتفرع عن سوق الحميدية. المعروف أن الملكة ثريا كانت صديقة صفوت خانم، التي كانت تصغرها بسنتين، وقد حافظت على علاقة طيبة معها حتى وفاتها في روما سنة 1968.
وهل كان هناك علاقة بين آل الطرزي بدمشق وعائلة العلامة الدكتور سعيد الأفغاني؟ هو أيضاً دمشقي المولد والهوى، ابن مهاجر أفغاني مقيم في دمشق، ولكنه أصغر من الملكة ثريا. درس في مكتب عنبر ثم في جامعة دمشق، وأصبح عميداً لكلية الآداب ورئيساً لقسم اللغة العربية في الستينيات.
وفي منتصف الحرب العالمية الأولى، أُسِرَ الضابط الدمشقي نصوحي البخاري، رئيس الفيلق العاشر في الجيش العثماني حينها، الذي أصبح رئيساً لوزراء سورية سنة 1939. اعتقل ونُفي إلى سيبيريا فتمكن من الهرب إلى أفغانستان، وحلّ ضيفاً على معارفه في كابل، ولا نعرف إن كان ذلك عند الأمير وزوجته قبل أن ينتقل إلى الصين ومن ثم إلى اليابان، ليعبر المحيط إلى الولايات المتحدة ثم يعود إلى إسطنبول ومن ثم دمشق.
وفي سنة 1929، قررت سلطة الانتداب الفرنسي نفي المونولوجيست الدمشقي الشهير سلامة الأغواني إلى كابل، بسبب انتقاداته المتكررة لسياساتها في سورية. الخيار الأفغاني كان ملفتاً، لأن معظم المبعدين السياسيين يومها كان مصيرهم إما مصر أو فلسطين، وكانت مدينة كابل أبعد منفى قد يخطر ببال أهالي دمشق.
ظلّ الأغواني في كابل حتى صدور عفو خاص عنه من قبل رئيس الجمهورية محمد علي العابد سنة 1932، وقد تحدث عن تجربته الأفغانية في إحدى سهراته الغنائية في سينما دمشق يوم 18 مايو/أيار 1950، والتي كانت بدعوة من مديرية الشرطة والأمن العام.
وفي سنة 1943، وبعد انتخابه رئيساً للجمهورية قام الرئيس شكري القوتلي بمراسلة ملك الأفغان محمد ظاهر شاه (الذي توفي سنة 2007). طلب منه الرئيس القوتلي مساعدة سورية على نيل استقلالها، ووعد الملك بالتوسط لدى القوى العظمى، نظراً لعلاقته الطيبة مع حكام البيت الأبيض والكرملين آنذاك .
هكذا كانت العلاقة السورية الأفغانية في زمن مضى، قبل أن يكون هناك طالبان في كابل، وقبل ثمانية عقود من الاحتلال الأمريكي. وهكذا يجب أن نذكرها اليوم، بعيداً عن المشاهد المرعبة القادمة من كابل، برفق، لأن هذا البلد العريق لم يكن دوماً مربطاً للمصائب والفتن والتطرف، بل كان بلد خير وسلام وضيافة حسنة.