ميديا – الناس نيوز ::
رصيف 22- أنيس المهنا – شهدت سوريا، في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، منعطفاً يُفترض أن يكون تاريخياً، بإجرائها أول انتخابات تشريعية بعد إسقاط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ ديسمبر 2024. جاءت هذه الانتخابات في ظروف استثنائية يعيشها بلد أنهكته سنوات الحرب الأهلية الطويلة، حيث تغيب السيطرة الأمنية على كامل المساحة السورية (التي تزيد عن 185 كيلومتراً مربعاً)، والوضع الاقتصادي ينزف تحت تضخّم جامح وفقدان الليرة السورية أكثر من 99% من قيمتها منذ عام 2011.
في هذا المشهد المعقّد، حاولت الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع، تقديم صورة للشرعية السياسية من خلال انتخابات برلمانية وصفتها بـ”التاريخية”، بينما يرى مراقبون أنّ الظروف الأمنية واللوجستية كانت عاملاً حاسماً في تحديد شكل النظام الانتخابي -غير المباشر- الذي تمّ اعتماده، في خطوة أثارت جدلاً حول مدى تمثيلها للإرادة الشعبية.
آلية الانتخاب وأرقام ذات دلالات
اعتمدت العملية الانتخابية على آلية غير مباشرة، حيث تمّ انتخاب ثلثي أعضاء المجلس (140 عضواً)، من قبل هيئات ناخبة محلية، بينما احتفظ الرئيس بحق تعيين الثلث المتبقّي (70 عضواً). وقد تكوّنت الهيئات الناخبة من أكاديميين وشخصيات مجتمعية، مع تخصيص 70% من المقاعد للأكاديميين والخبراء، و30% للشخصيات المجتمعية البارزة.
برّرت السلطة هذا النظام بالإشارة إلى التحديات والعراقيل اللوجستية بما فيها مشكلة النازحين واللاجئين وفقدان الوثائق الثبوتية، حيث أقرّت اللجنة العليا بعدم إمكانية إجراء الاقتراع في بعض المناطق.
ومن بين أبرز الملاحظات على مخرجات العملية الانتخابية، انخفاض التمثيل النيابي ومقاعد مجلس الشعب إلى 210 مقاعد بعد أن كان المجلس يضم 250 مقعداً في عهد النظام الساقط، في ما يؤشِّر على إعادة هيكلة المؤسسة التشريعية. وفيما بلغ عدد المرشّحين 1،578 مرشحاً، شكّلت النساء ما نسبته 14% منهم، وهي نسبة متواضعة لكنها كانت لتمثّل بداية كسر للهيمنة الذكورية التقليدية على المشهد السياسي لولا أنّ الأمر انتهى بفوز 6 نساء فقط في انتظار من يعيّنهنّ الشرع.
وبفعل الثغرات الأمنية، تأجلت الانتخابات في أجزاء من محافظتَي الرقة والحسكة (معدان ورأس العين وتل أبيض)، بينما بقيت جميع مقاعد محافظة السويداء شاغرةً “إلى حين توافر الظروف المناسبة” للاقتراع عليها.
صوت المرشحين وآمال الناخبين
في مشهد يعكس تنوّع الرؤى حول التجربة الانتخابية الجديدة، تعبّر المرشحة عن دائرة دمشق، سهير أومري، عن مشاعر مختلطة، مشيرةً إلى أنّ “هناك كفاءات عظيمةً بين المرشحين”، مستشهدةً بمقولة “إنّ الآلام المريرة تربّي الطاغية فينا”. وتضيف لرصيف22: “اليوم، في هذه التظاهرة الانتخابية، علينا أن نضع حدّاً لهذه الآلام”.
من جانبه، يقول المرشح عن أكراد دمشق، فراس نعمو، إنّ “أيّ نظام انتخابي في العالم أفضل من النظام الانتخابي في عهد الأسد الساقط”، مؤكداً أنّ الأكراد جزء من النسيج السوري، ومشيراً إلى أنّ الحكومة السورية تتحمّل ضغطاً سياسياً كبيراً، متمنياً تطبيق اتفاق العاشر من آذار/ مارس 2025، الذي وقّعه كل من الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، في أسرع وقت ممكن.
أما عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين وعضو مؤتمر الحوار الوطني، الشيخ عبد الرحمن كوكي، عضو الهيئة الناخبة، فيلفت إلى أنّ “هذه الانتخابات هي أول انتخابات حقيقية (في سوريا) منذ 60 عاماً”، مشيراً إلى أنّ “الشعب السوري لا يزال نصفه تقريباً مهجّراً والمدن مدمّرة، مع عدم وجود وثائق لكثير من السوريين”.
يضيف كوكي لرصيف22: “ما حدث ليس فريداً. كانت هذه الطريقة تُعتمد في كثير من الجمهوريات الأولى. اليوم، بقي 500 ناخب ترشّح منهم نحو 145، واجتمعنا في المكتبة الوطنية، وجرت نقاشات حامية بين المرشحين والناخبين لكن بودّ وبحرّية”. كما ينبّه إلى أنّ “هناك بعض الأخوة المرشحين للأسف لا يميّزون الفرق بين الحوكمة والإدارة، أو الفرق بين القانون والدستور، وبين الميزانية والموازنة، أو الفرق بين السلطة التشريعية والتنفيذية، فوضعوا في برامجهم الانتخابية خطط عمل تصلح لرئيس بلدية أو لدائرة خدمية”.
ويتابع كوكي بأنّ “هناك كثيرين لا يعرفون واجبات عضو البرلمان، فهناك تصحّر سياسي في سوريا بعد حكم 50 عاماً أو أكثر من الاستبداد”، مستطرداً: “أنا اليوم، كعضو هيئة ناخبة، انتخبت نخبة النخبة”، متوقعاً أن يشهد هذا البرلمان نجاحاً لافتاً للتكنوقراط.


الأكثر شعبية

ترامب يهدم جزءا من البيت الأبيض لبناء قاعة احتفالات “رائعة”…


