الناس نيوز – ميديا:
منذ تكليف الدكتور بشر الخصاونة برئاسة الوزراء، كثرت التحليلات والتوقعات التي تراوحت بين من أمِل بتغييرات كبيرة في النهج وأسلوب إدارة الدولة، وبين من فقد الأمل نهائياً في أن تؤدي أي تشكيلة حكومية إلى مثل هذه التغييرات، وخصوصاً في ظل الظروف الحالية.
وكتب صديق الدكتور الخصاونة مروان المعشّر، وزير الخارجية الأردنية الأسبق، مقالة يعرف بها برئيس الحكومة الجديد.
ووصف المعشر الخصاونة بأنه “مثقف، منفتح، نظيف اليد، له خبرة طويلة في الدولة الأردنية”.
وترأس الخصاونة الفريق القانوني الأردني حين أعد الأردن وثيقة قانونية لمحكمة العدل الدولية في لاهاي ضد جدار الفصل الإسرائيلي. كان لهذه الوثيقة أثر كبير في قرار المحكمة ضد جدار الفصل العنصري، وما زال ذلك الجهد من أكثر الإنجازات التي أعتز بها في وزارة الخارجية خلال تلك الفترة.
ويرى المعشر أن أي قراءة دقيقة لطريقة تشكيل الحكومات في الأردن تؤدي إلى استنتاجين واضحين: الأول، أن هذه الطريقة لم تتغير إلا نادراً على مدى العقود الماضية، والثاني، إن المزاج الشعبي العام يطالب في نفس الوقت بحكومة صاحبة مشروع واضح مبنية على أساس محاصصات جغرافية وإثنية ودينية لا تُعطي مشاركة المرأة أهمية كبرى. ولا يجيب المزاج العام عن معضلة كيف لأي حكومة أن توفق بين المشروع الواضح والمحاصصة؟ كما لا يجيب أيضاً عن حقيقة عدم وجود حوار وطني جاد حول كيفية التطوير والخروج بمشروع واضح له مصداقية شعبية وأدوات تنفيذ فاعلة.
ولا مجال لتطوير مشروع واضح إن لم يقم على أساس تشاركي بين كافة أفراد المجتمع رجالاً ونساءً، أو إن لم يخضع لامتحان انتخابي شعبي وفق قانون انتخاب عصري يتيح للأحزاب السياسية طرح مشاريعها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، على أن يلفظها أفراد الشعب أو يضع أصحابها في سدة الحكم لتنفيذ تلك المشاريع. ما يحصل اليوم أن الحكومة، أي حكومة، تُشكل وفق اعتبارات عدة تجمع الشمالي والجنوبي، والشرق أردني مع ممن هو من أصول فلسطينية أو شركسية أو شيشانية أو عدا ذلك، والمحافظ مع الليبرالي والإسلامي، وغير ذلك من بوتقة فيها كل أنواع التعددية دون أي تجانس فكري أو مشاركة حقيقية للمرأة تؤدي إلى خلق فريق عمل وزاري حقيقي. ثم يُطلب من هذا الفريق، الذي لا يوجد في أحيان كثيرة تناغم حقيقي بين أفراده، اجتراح المعجزات من خلال برنامج، يُدعى بخطاب الثقة، يُعد على عجلة ويحتوي على عناوين عريضة لا تتطرق في أغلب الأحيان إلى معايير تنفيذ البرنامج الوزاري، تأخذ الحكومة الثقة على أساسه ثم يتم وضعه جانباً.
ويضيف المعشر أن هذه باختصار طريقة تشكيل الحكومة في الأردن، والتي عمل بموجبها وصفي التل كما د. بشر الخصاونة وأغلب من جاء على رأس الحكومات المتعددة. نظلم أي رئيس وزراء، مهما تضمنت تشكيلته من أشخاص أكفاء منتجين نظيفي اليد، حين نطلب منه تغييراً ملموساً في مستوى معيشة المواطن وأسلوب إدارة الدولة بينما نتجاهل الأسس التي يجب أن تُشكل على أساسها الحكومات والتي وحدها القادرة على إحداث التغيير المنشود.
إن كان للأردن إحداث نقلة نوعية في أسلوب إدارة البلاد ومواردها، فقد حان الوقت للتوافق على أسس جديدة يتم بموجبها:
اعتماد تشريعات قانونية حديثة على رأسها قوانين الانتخاب والأحزاب تنتج عنها قوائم حزبية تطرح برامج تنافسية، يُغربل أعضاؤها على أساس الكفاءة والمقدرة، وتأتي إلى السلطة كما تخرج منها عن طريق صناديق الاقتراع.
السعي إلى حصول أعضاء الحكومة على شرعية شعبية من خلال عملية انتخابية يكون الشعب فيها مصدر السلطات كما ينص على ذلك الدستور، ويصبح الحكم على البرامج الوزارية والشخوص المعنية بتنفيذها مناطاً بالشعب.
تمتُع الحكومة بولاية عامة حقيقية تتقلص تبعاً لذلك الضغوطات الخارجية في تحديد شخوص أعضائها، ويعظم التجانس الفكري بين أعضائها من فرص نجاح تنفيذ برنامجها الوزاري الذي أتاح لها الوصول لسدة الحكم.
لن يتم ذلك بين ليلة وضحاها. لذا، ففي هذه المرحلة، من الصعب توقع المعجزات من هذه الحكومة أو أي حكومة تأتي غير منبثقة عن العناصر المذكورة أعلاه. وإن يكن الحال كذلك، فلعله ليس من المستحيل، بل من أضعف الإيمان، أن نتوقع من الحكومة، أي حكومة، العمل الجاد للبدء بوضع اللبنات الأساسية وتأسيس السكة اللازمة للوصول لحياة حزبية نيابية سياسية حقيقية، وإن احتاج ذلك لعقود من الزمن.
وأمل المعشر ألا يقتنع الخصاونة بما يقوله العديد من المسؤولين حوله بأننا لسنا جاهزين للحياة الحزبية، وأن يؤسس لجو منفتح تشاركي يعكس مكونات المجتمع الأردني بكافة عناصره على أساس الكفاءة، ويساهم في توسيع قاعدة صنع القرار وردم هوة الثقة بين المواطن والمسؤول ويأخذ خطوات عملية في هذا الاتجاه. إن فَعل ذلك دولة الرئيس، سيسجل له ذلك، وسيحصل على احترام وتقدير شعبي كبيرين، حتى لو لم تنجح الحكومة في معالجة كافة التحديات الاقتصادية والصحية الكبيرة التي تنتظرها.