يروت – دمشق – القدس – طهران – واشنطن – الناس نيوز :
صنفت وزارة الخزانة الأميركية في تموز 2015، رجل الأعمال اللبناني علي عبد النور شعلان، الملقب بـ”الميسّر”، والذي تربطه صلة وثيقة بحزب الله، كأحد أهم المشتبهين المزعومين في شراء الأسلحة لكل من الحزب ونظام الأسد. وبفضل سنوات خبرته الطويلة في شراء الأسلحة، ظهرت تقارير عدة أعقبت انفجار مرفأ بيروت العام الماضي، تشير إلى دور محتمل لشعلان في تمويل شراء نترات الأمونيوم. ويعود اليوم مركز “ألما للبحوث والتعليم” الإسرائيلي، لإماطة اللثام لأول مرة بالتفصيل، عن دور شعلان الجوهري ومسيرته الطويلة مع حزب الله.
رجل نقل السلاح
يذكر تقرير المركز الإسرائيلي أن شعلان (61 عاماً)، هو رجل أعمال لبناني، معظم أعماله تتمركز بشكلٍ أساسي في سوريا، وله علاقات وثيقة مع شخصيات بارزة في حزب الله. وقد استطاع بفضل خبرته الطويلة في الحصول على أسلحة لكل من حزب الله ونظام الأسد، بلعب دور مركزي في برنامج اقتناء أسلحة حزب الله خلال الحرب الأهلية السورية، حين عمل بموجب توجيهات قدمها فيلق القدس الإيراني. لذا، أضحى يُعتبر الوسيط الرئيس لشبكات تهريب الأسلحة لحزب الله، والرجل الأول في التنظيم فيما يتعلق بشراء ونقل الأسلحة والمتفجرات.
وفي السياق، يعّرف طال بيري، رئيس قسم البحوث في مركز “ألما للبحوث والتعليم”، وضابط المخابرات السابق في الجيش الإسرائيلي، شعلان، بأنه يمتلك مهارات متعددة في شراء ونقل الأسلحة والمركّبات الكيماوية. وله دورٌ حاسم في شراء الأسلحة للحزب منذ سنواتٍ عدة، إضافةً إلى لعبه أدواراً بالغة الأهمية تخدم الحزب إياه.
الدروع التجارية
قدرة شعلان على إخفاء منشآت إنتاج الأسلحة في المصانع المدنية، وشبكة التهريب الخاصة به، وابتكار طرق جديدة للتهرب من العقوبات، جعلت منه شخصاً لا يُعوّض في شبكة أسلحة حزب الله. من هنا يكشف بيري “اكتشفنا أثناء تتبعنا لنشاطات شعلان أنه أنشأ في كانون الثاني 2021، دروعاً تجارية بديلة. لا علم لنا أنها تخضع لعقوبات”.
دخلت شركة شعلان، حسب المركز الإسرائيلي، في شراكة مع رجال أعمال وشركات أخرى لتأسيس شركتين هما “تكنو كوبر Techno Cooper” و “كوبتيك Kopteck”، لتصنيع وتجارة الكابلات الكهربائية. وكان الهدف من تأسيس هاتين الشركتين مواصلة التحايل على العقوبات الأميركية، والاستمرار بالنشاط التجاري للمحور الإيراني تحت غطاء الدروع التجارية. أما مؤسسو الشركتين فهم: أسعد معاد، محمد أيمن السادات، عماد الدين سلو، “مجموعة شركات الأبرص” وحسن عبد الرؤوف محفوظ (الأخيران هما شريكان في كلتا الشركتين، والباقون شركاء فقط في الشركة الأولى “تكنو كوبر”).
وتُعد “الأبرص للتجارة” شركة كبيرة ذات سمعة هائلة في صناعة الكابلات، ومقرها الرئيس في دمشق. وأبرز المسيطرين عليها (يمتلك كل منهما 20 في المئة من الأسهم) هما محمد علي بن زكريا الأبرص وعبد الله علي الأبرص، فيما يمتلك حسن عبد الرؤوف محفوظ حصة 25 في المئة في “كوبتيك”، و 12.5 في المئة من أسهم “تكنو كوبر”.
مصنع حسياء
ويضيف تقرير “ألما” أن شعلان عمل في أحد المصانع التي يمتلكها في مدينة حسياء الصناعية جنوب حمص (تُسمى “مصانع الشرق الأوسط”)، على إنتاج مكونات صواريخ دقيقة التوجيه. ولكونه يخضع للعقوبات الأميركية منذ عام 2015، أدار شعلان الموقع تحت الاسم الحركي “ياسر محمد”. وقد تم قصف المصنع المذكور آنفاً بتاريخ تشرين الثاني 2017 من قبل المقاتلات الإسرائيلية.
وتعقيباً على وجود مصنع حسياء الذي يشكل الغطاء للأنشطة العسكرية، قال بيري: “نستطيع أن نؤكد مما تمكنا من جمعه، أنه كانت هناك أنشطة إيرانية مكثفة للغاية، فيما يتعلق بإنتاج الصواريخ الموجهة بدقة. وكان هناك مصنع ينتج مكونات دقيقة للصواريخ، مدمجة في مصنع مدني للنحاس والمعادن يملكه شعلان”.
صلة “ظرفية” بانفجار بيروت؟
وإلى جانب ما تقدم، ربط تقرير “ألما” أنشطة شعلان بالانفجار المدمر الذي حدث في الرابع من آب 2020 في مرفأ بيروت، إذ اعتبر المركز أنه في الأشهر التي سبقت الانفجار، بدأت الشركات الدولية المرتبطة بتوريد نترات الأمونيوم العمل مع نظام الأسد وحزب الله، وأرسلت نترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت، الذي انفجر لاحقاً.
ويوضح التقرير ذلك بالقول “وجدنا مؤشرات ظرفية على أن كميات نترات الأمونيوم المخزنة في مرفأ بيروت كانت مخصصة لنظام الأسد، الذي كان يسعى للالتفاف على العقوبات التجارية والنفطية الأميركية والأوروبية، وحظر استيراد المواد المتفجرة المفروضة عليه منذ عام 2012. وإحدى الطرق المحتملة لتجاوز نظام الأسد تلك العقبات، كانت باستخدام نظام المشتريات الذي يتبعه حزب الله عبر شعلان”.
وأضاف التقرير “من أجل وصول الشحنات في نهاية المطاف إلى النظام السوري، أرسلها الموردون إلى مرفأ بيروت موجهة إلى شركات وهمية لحزب الله دأبت على تغيير هويتها بانتظام. ثم ما لبث أن حرص حزب الله على إيصال الشحنات أو بالأحرى تهريبها مباشرة إلى سوريا”.
وإذ يؤكد التقرير أنه تم ربط شعلان كأحد المشتبه بهم الذين تم الكشف عنهم في الشبكة، بسبب سمعته كشخصية مهمة في شبكة مشتريات حزب الله وعلاقاته الوثيقة مع شخصيات بارزة في الحزب إياه، يستدرك بالشرح “ليس لدينا معلومات محددة عن تورط شعلان في قضية نترات الأمونيوم في مرفأ بيروت. في تقديرنا، من المحتمل جداً أن شعلان، بصفته شخصية محورية في مشتريات حزب الله ونقل الأسلحة والمكونات، قد شارك بالفعل في عملية شراء مهمة جداً للحليفان، أي نظام الأسد وحزب الله”.
تاريخ طويل مع الحزب
بالعودة إلى الماضي، نجد أن نص العقوبات الصادر عن وزارة الخزانة الأميركية يشير إلى دور شعلان في مساعدة حزب الله في الحصول على الأسلحة والمعدات، وكذلك الأمر في شحن العتاد إلى سوريا، بين عاميّ 2009 و2010. ففي تشرين الثاني 2009، نسق شعلان مع حزب الله والمسؤولين السوريين بشأن شراء وتسليم آلاف البنادق إلى سوريا. وفي عام 2010، كان شعلان في مركز الوساطة في صفقة تجارية تضم حزب الله ومسؤولين سوريين وشركات في بيلاروسيا وروسيا وأوكرانيا، فيما يتعلق بشراء وبيع الأسلحة. كما حصل في عام 2010، وفق نص العقوبات، على أطنان من مادة “أنهيدريد Anhydride”، التي تُستخدم في إنتاج المتفجرات والمخدرات، لاستخدامها من قبل حزب الله.
كما حددت وزارة الخزانة الأميركية حينذاك الشركات التي أنشأها شعلان، فكشفت عن اسم شركة “أورينت ستار Orient Star”، وثلاثة من الدروع التجارية التي تم إنشاؤها لتمكين أنشطته، وفرضت عليها عقوبات.
وحسب تقرير “ألما”، يمتلك شعلان 99 في المئة من شركة “أورينت ستار Orient Star”، التي تأسست عام 2016 بعد عامٍ واحد من فرض عقوبات أميركية عليه. ويقع المقر الرئيس للشركة في ضواحي دمشق وتحديداً في حي “دف الشوك” جنوب دمشق، على الحدود الإدارية بين دمشق وريفها التابع لمنطقة يلدا. أما نسبة الواحد في المئة المتبقية فتعود لرجل يُدعى فرس نزار صندوق (41عاماً)، يصفه المركز الإسرائيلي بأنه شريك مؤسس في ثلاث شركات أخرى وهي “شركة تلاقي للتجارة” و ” توفق” و” نجم الحياة”. لكنه يمتلك حصة 1 في المئة وحسب في كّلٍ منها.
وأشار التقرير إلى أن هذه الشركات الثلاث تخضع لعقوبات أميركية ويسيطر عليها محمد قاسم البزال (نشر برنامج “مكافآت من أجل العدالة” التابع لوزارة الخارجية الأميركية قبل بضعة أيام عن جائزة مالية تصل إلى 10 ملايين دولار، لقاء معلومات عنه)، وهو مواطن لبناني يخضع أيضاً للعقوبات الأميركية، ومتعاون مع حزب الله وإيران بتسهيل استيراد الوقود.
ويصف بيري في الختام، شعلان بكلماتٍ قليلة تلخص مدى أهميته، قائلاً “يعلم فيلق القدس الإيراني أنه عندما يحتاج إلى نقل أسلحة إلى موقع معين فإن شعلان سيفعل ذلك. يمكن لشعلان إنشاء المواقع في منطقة مدنية، ومنحها أسماء رمزية، وتنفيذ الخطة. وهذا يجعله خطيراً ومدمراً”.
التقرير نشر في ” المدن ” تحت اسم : سامي خليفة . نظراً لأهميته نعيد نشره هنا .