الرياض – الناس نيوز ::
في العاصمة السعودية، تتوهّج كرة حمراء ضخمة خارج مكتبة الملك فهد الوطنية، وتضيء أعمدة ملونة ضفاف بحيرة في منتزه شهير، وتزيّن تصاميم أخرى على جدران من الطوب قلعة بنيت قبل 130 عاما… كلّها مشاهد من مهرجان “نور الرياض” الهادف الى تشجيع سكان المملكة على التعمّق في الفنون الجميلة.
وتسعى المملكة، في إطار خطة إصلاحات بدأت منذ سنوات، الى تقديم نفسها كوجهة سياحية وثقافية، ونظّمت في هذا الإطار في السنوات الأخيرة معارض لأسماء كبيرة في عالم الفن المعاصر، بينها “ديزرت إكس” في وسط جبال الحجارة الرملية في العلا في شمال البلاد غير المكتظ بالسكان.
أما مهرجان “نور الرياض” فيقام في 40 موقعا في العاصمة التي تضمّ أكثر من سبعة ملايين شخص، لم يعتد كثير منهم على زيارة معرض من قبل.
وتقول المنسّقة الفنية السعودية جمانة غوث لوكالة فرانس برس إنّ “أوضاعا اجتماعية واقتصادية مختلفة تتفاعل مع التركيبات… إنه أمر مدهش”، مضيفة “لسنا حقا شعباً نشأ مع الفن”.
وتتابع أنّ المشروع يستهدف “على وجه التحديد أولئك الذين لا يستطيعون حتى السفر. نحن نأتي بالفن إليهم”.
أما المنسّقة الفنية الأخرى في المهرجان غيداء المقرن فتقول إن التركيز على الأماكن العامة التي يتم ارتيادها بشكل كثيف يعني أنّ “هذه القطع الفنية تعرض في الأماكن العادية بالنسبة الى السكان”.
وتضيف “أعتقد أن هذا هو دور الفن: أن يأتي ويستفز لنرى كيف سيجري التفاعل معه”.
وتضمنت فعاليات إطلاق “نور الرياض” عرضا ضوئيا في منتزه استُخدمت فيه 2000 طائرة مسيّرة، وحفلا صاخبا في الصحراء خارج المدينة، حيث أُنشئت منصة لتنسيق الأغاني تحت هرم كبير متوهج مقلوب.
– تجنّب السياسة –
مساء السبت، تجوّل عادل شكر مع زوجته وشقيقتها بالقرب من تركيب ضوئي للفنانة غيزيلا كولون من بورتوريكو، مندهشا من الضوء الذي يلمع من بحيرة اصطناعية على مقربة منه.
وتساءل “الضوء … كيف وضعوه هناك؟ كيف يوزعون الضوء؟ إنه كالفن بالفعل”.
وكانت تجربة جديدة للمحلل المتخصص بالشؤون البحرية المتقاعد والبالغ 52 عاما، والذي يقول إنّه غير معتاد على ارتياد المتاحف والمعارض الفنية في الرياض.
وقال “ليس لدينا وقت. الرياض الآن مزدحمة للغاية. لا يمكنك التحرك بسهولة. ساعة الذروة باتت في كل الأوقات”.
وشارك أكثر من 130 فنانا من 40 دولة في مهرجان “نور الرياض” الذي يستمر حتى 19 تشرين الثاني/نوفمبر.
كما هو الحال مع مختلف المعارض الأخرى في المملكة، يثير المهرجان تساؤلات حول “التبييض الفني”، أو استخدام الفنون لتبييض صورة بلد يُعرف بإسكات المعارضين.
خلال الأشهر الأخيرة، تعرضت السعودية لانتقادات بسبب أحكام سجن طويلة جدا على امرأتين غرّدتا وأعادتا تغريد مواد تنتقد الحكومة.
وتقوّض هذه الأحكام الهدف المركزي لأجندة إصلاحات رؤية 2030 لولي العهد الأمير محمد بن سلمان: تلطيف الصورة الصارمة للمملكة.
وتتجنب منشآت “نور الرياض” في شكل عام توجيه رسائل سياسية، فيما يسلّط الكثير منها الضوء على ويلات تغير المناخ.
وأقر منسق المهرجان هيرفيه ميكائيلوف الذي عمل سابقا مع فنانين عالميين، بأن بعض الفنانين ربما كانوا متخوفين من المجيء إلى السعودية، لكنه قال إن أياً منهم لم يتعرض لضغوط من السلطات المحلية بشأن المحتوى الذي سيقدمونه.
وصرح ميكائيلوف لوكالة فرانس برس “بالتأكيد، إذا قبلت العمل هنا، عليك أن تقبل بالقواعد والوضع القانوني والسياسي”.
وأضاف “أعتقد أن معظم الفنانين الذين كنت أتحدث معهم أرادوا التأكيد على أن مهرجانا كهذا، هو أيضا بادرة سياسية، لفتح البلد على العالم”.