لندن وكالات – الناس نيوز ::
تتكئ جوزفين رايت على طاولة عالية في إحدى الحانات بغرب لندن، وفي يدها كوب مشروب، وتجيب بمرح عن أسئلة مُحاوِرَتها، في حين أن الهدف من الاجتماع بالغ الجدية، وهو اختيار رفيقة السكن المثالية.
في غياب أي رجل، جمع هذا اللقاء نحو 60 مُشارِكَة دفعت كلّ منهنّ 7,50 جنيها استرلينيا (قرابة عشرة دولارات) على أمل حل المعضلة التي يمثّلها غالبا البحث عن سكن في العاصمة البريطانية.
يشارك الجميع في لعبة الأسئلة والأجوبة، سواء ضمن مجموعة أو على نحو فردي. ومن دون زخرفات ولا مقدمات ولا مضيعة للوقت، تشرع المُشارِكات في التحدث عن الأحياء التي يفضلنها، وكذلك عن المهن والأصول والهوايات. ويُفترَض بكل مشاركة أن تتحدث إلى أكبر عدد من المُشارِكات الأخريات خلال ساعتين.
ورغم هاجس السباق مع الوقت، يبقى الجو مريحا، وتكثر الضحكات على وقع صوت خلّاطات المشروبات في الحانة.
وعددت جوزفين رايت (25 عاما) أسماء الأحياء الثلاثة التي تفضّلها وهي “غرينتش ووولثمستو ولويشام” لمشاركة أخرى بالقرب من لافتة “إيست” East، اي شرق لندن، حيث ترغب في أن تعيش.
وتضع كلاهما سواراً أزرق، إذ تبحثان عن زملاء في السكن، لا عن مكان للإقامة في حد ذاته.
ويضع عدد أقل من المشاركات سوارا أرجوانيا يشير إلى أنهنّ يستأجرن أصلا مسكنا ويرغبن في تَشارُكِه مع أحد.
– من الطلاب إلى العاملين الشباب –
وأوضحت إحدى مؤسِسات “غيرليز غايد” Girlies Guide رايشتل مور (26 عاما) لوكالة فرانس برس أن “وجود أشخاص ثلاثينيين وأربعينيين يتقاسمون السكن أمر خاص بلندن”.
وهذه المجموعة التي تضم شابات على الشبكات الاجتماعية هي وراء هذا الحدث، في حين أن بعض الشابات يرنحن أكثر إلى العيش مع “رفيقات سكن” من الإناث.
فكثر من المشاركات لا يستطعن استئجار شقة في لندن بمفردهنّ، حتى بميزانيات تبدو مريحة تصل إلى 1500 جنيه إسترليني شهريا (1930 دولارا).
وقالت إيوانا، وهي متدربة يونانية تبلغ 22 عاما “إذا كنت تريد شقة بأكملها، فيتراوح إيجارها تقريبا بين 1500 و1800 أو حتى 2000 جنيه استرليني شهريا”، أو ما بين 1930 و2540 دولارا.
أما في السكن المشترك، فيمكن العثور على غرف بأقل من ألف جنيه”.
وبالنتيجة، لم يعد أسلوب الحياة هذا مقتصرا كما في السابق على الطلاب، بل استقطب العاملين الشباب الذين أصبح عدد أكبر منهم يستخدمونه منذ 15 عاما، على ما لاحظ الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد أنطونيو ميلي.
وأوضح الخبير أن “هذه الظاهرة جديدة”، معتبرا أن سببها نقص المساكن الذي يتسبب في ارتفاع الإيجارات.
وتعود هذه الأزمة بصورة اساسية إلى المعايير الصارمة المطبقة على تشييد المباني الجديدة، والتي تريد حكومة حزب العمال الجديدة التخفيف منها، في حين أن التفسير الآخر للأزمة يتمثل في الإيجارات السياحية.
– “حل وسط” –
في المتوسط، تنفق الأسر اصلا نحو 40 في المئة من دخلها على إيجارها، وفقا لأنطونيو ميلي، الذي يتوقع زيادات جديدة في السنوات المقبلة.
ويصبح تقاسم التكاليف هو الحل الوحيد. ومن هنا الاندفاع لزملاء السكن، لكنّ هذا الأمر يمكن أن يتحول كابوسا.
وقالت ميغن بروير (35 عاما) “يرسل المرء الكثير من الرسائل لكنه لا يحصل على الكثير من الردود”.
ويسعى بعض أصحاب المنازل الذين يحققون استفادة كبرى من هذا التهافت، إلى تحويل غرف المعيشة إلى غرف نوم، أو تقسيم غرف النوم إلى غرف عدة.
وقال أنطونيو ميلي “ما يوصف بغرفة نوم يمكن اعتباره غرفة تخزين في أي بلد آخر في أوروبا”. وأضاف “انتهى بنا الأمر بغرف بلا نوافذ، لا يتسع لها سوى السرير، وهي معروضة لقاء مبالغ خيالية”.
وعاشت رايتشل مور وميا غوميز، مؤسستا “غيرليز غايد” هذه التجربة قبل إطلاق لقاء “المواعدة السريعة” speed dating لإيجاد زميلة سكن.
وروَت ميا: “عندما زرنا المساكن، أخبرنا أصحابها أنهم استقبلوا 30 مجموعة أخرى في اليوم نفسه، على الرغم من أن الإعلان لم يكن نُشر إلا قبل يوم أو يومين”. واضافت “بتنا أسيرات المزايدات”.
لكن كثراً يرون أن العيش في لندن، بفرصها المهنية وحيويتها، يستحق بعض التضحيات.
وقالت جوزفين “سأضطر إلى تقليل مدخراتي، لكنني أعتقد أن هذا حل وسط جيد. أنا عشرينية، وأريد أن أعيش أفضل حياتي”.