ميديا – الناس نيوز ::
المدن – يوسف بزي – تقترح الدولة اللبنانية وسلطاتها المنتخبة، وجماعاتها السياسية، وطوائفها أيضاً، علاجاً صعباً وطويل الأمد، قوامه اللجوء مجدداً وطوعاً ومن غير مواربة إلى ذاك العقد الدستوري المتوافق عليه منذ اتفاق الطائف (1989)، بوصفه ملجأ مطمئِناً وعادلاً ومنصفاً للجماعات والأفراد. فهو يكفل النظام الديموقراطي من ناحية، و”حقوق الطوائف” من ناحية ثانية.
وهذا الاقتراح كما يقرّ به الجميع، لا غالب فيه ولا مغلوب، لا غبن ولا تهميش ولا انتقاص أو ظلم. بل ويشكّل (نظرياً) مثالاً متقدماً لتسويات تاريخية في بلدان الصراعات الطائفية والمذهبية والإثنية.
والسلطات اللبنانية “الجديدة”، إذ تحاول طي صفحات من الاقترافات التي نكبت النظام اللبناني ودستوره، في حقبتي “الوصاية” السورية والهيمنة الحزب اللهية، تتولى أيضاً مهمة علاج ما تراكم من كوارث نزلت في المؤسسات والمجتمع والبيئة والتعليم والصحة والاقتصاد.. وحتى الأخلاق العامة. والأصعب هو تعويض خسائر فلكية في الثروات المالية والبشرية، والفوات الحضاري الهائل، الذي أبعد لبنان مسافات شاسعة لا فقط عن الدول الطبيعية، بل حتى عما كان عليه في تسعينات القرن الماضي.
ومن المعلوم أن “العهد الجديد”، أتى انتخاباً وتكليفاً من رغبة وإرادة عموم اللبنانيين، بتلاقٍ نادر مع رغبة دولية ملحّة، وإجماع عربي، بعد سنوات بشعة وسوداء كادت تطيح بوجود الكيان اللبناني من أساسه، توجتها حرب “لا ميثاقية” ولا وطنية، وفوق هذا خاسرة على نحو فادح وقاصم.
وإذا كان العاقل والراشد يتحمل تبعات أفعاله، وعليه مراجعة ربع قرن مما اقترفت يداه، ومما اتُهم به، ومما تحمل مسؤوليته علناً، فأقل ما يتوجب على حزب الله أن “يتواضع” ويعترف (ولو همساً) بأخطائه الجسيمة وخطاياه الكبيرة، خصوصاً أن لا نية ولا قدرة ولا رغبة بمعاقبته. فسياسة الاحتضان والتواطؤ على اعتباره هو وبيئته “مكوّناً أساسياً للبلد”، وفق إنشاء سياسي دارج، تعني أن لا تبعات على الماضي، شريطة القطيعة معه والسير بما ترتضيه أغلبية لبنانية عارمة.
ولمّا كان حزب الله في العام 2006 -أثناء حرب “لا ميثاقية” أيضاً- يحثّ الحكومة ويخاطب الدول العربية ويناشد الدول الصديقة والأمم المتحدة من أجل وقف إطلاق النار، وقَبِل على عجل بالقرار 1701، بعدما نجحت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في تجنيبه وتجنيب لبنان كأس “الفصل السابع”.. وما أن تحقق مراده وأتت الهدنة التي أنقذت ما تبقى من عمران وبشر وبنى تحتية واقتصاد، وأنقذته هو عسكرياً، حتى أعلن “انتصاره اللهي”. وترجمة ذاك الانتصار ليست إلا غلبة بالعنف والسلاح والقوة على حكومة لبنان وبرلمانه، واستئنافاً للقتل المبتدئ عام 2005، كسياسة وحيدة بوجه اللبنانيين الموسومين بالخيانة والتخاذل، هكذا بملايينهم، أفراداً وطوائف، دفعة واحدة.
وما بين العنف والقتل والفوضى المقصودة والذهاب المتعمّد إلى تخوم الحرب الأهلية، والتعطيل بالقوة للحياة السياسية وتخريب الاقتصاد وترويع السكان، نجح في وضع شطر كبير من الطوائف والقوى السياسية في حال من “الذمية” والرضوخ، وأخمد رأياً عاماً معارضاً، وبدد نتائج انتخابات لأكثر من مرة.. وأفتتح عهد تسلطٍ لا شك فيه، أخذ لبنان إلى مسيرة من الانحطاط لا سابق له.
وها هو اليوم، وبعد صك الهزيمة التي وقّعها هو، بمعية وتدبير حليفه و”أخيه” نبيه برّي، وما أن “أخذ نفساً” من تلك الحرب المهلكة، يحاول العود إلى بدء اختبرناه عام 2006، أي حمل الهزيمة (كما الانتصار) وترجمتها انقضاضاً على اللبنانيين مجدداً، وعلى النظام السياسي الفاسد، وديموقراطيته المحتقرة، ووفاقه الوطني الكاذب، وأهله الماسونيين والمتصهينين، وفق ما يردده نواب الحزب وجمهوره وإعلامه.
وليس مصير البلد وسلامته وعافيته شأن الحزب، الذي ابتكر معتقداً جديداً، ساوى فيه الإيمان الشيعي ودمجه بديمومة الأنفاق والكاتيوشا والكلاشينكوف والعبوات الناسفة وكواتم الصوت. كما استطاع ببهلونة فكرية مدوّخة، إقران وجود الشيعة ومستقبلهم ببقاء الحرب والموت اليومي (و”متلازمة” الاستشهاد يعني الانتصار) إلى الأبد، من ناحية، وبقاء الحزب متسلطاً على لبنان كما كان عليه الحال المنقضي، ولو أن “التوجه شرقاً” و”زراعة الشرفات” كانا صفراً وما دونه، وفقراً مدقعاً لا نجاة منه. وهو أيضاً مزج على نحو صفيق وفاجر كل هذا الإدقاع والخراب بكلمة سحرية: الكرامة!
وإذا استثنينا “مناورات” نبيه بري اللغوية، ومقدرته على إدخالنا في دهاليزه التي لا تفضي إلا إلى غياب المعنى والتسويف، ليس لحزب الله مقدرة لا على شن حرب على إسرائيل ولا تفاديها أيضاً. كما أن طموحه بتقويض السلطة الجديدة، واستيلائه مجدداً على مفاصل القرار، دونه الويلات والكوارث من كل صوب. فلا هو بمستطاعه امتشاق السلاح جنوباً ولا شرقاً، ولا يقبل بتسليمه. وليس حتى الآن، بوارد أي “مقايضة”، على الرغم من إدراكه أن مصير لبنان فعلاً على المحك.
فما الذي يقترحه هذا الحزب؟
في السياسة، يقدم لنا حروباً إضافية ومستقبلية إلى يوم القيامة. في الاقتصاد، تعميق الإفلاس والعزلة. في الاجتماع، ضغائن طائفية أشد وأخطر. في الأمن، الخراب والفوضى والعنف.
الشكل الأخير الذي رست عليه “المقاومة” بعد تجارب ناجحة منذ العام 2008، هو “الموتسكيل”. خلاصة ثقافية سياسية أخلاقية عسكرية وتربوية. الموتسيكل الذي يريده الحزب تعبيراً عن رؤيته لمستقبل لبنان، ولشيعته. ورمزاً أخيراً للممانعة في أبهة صورها.


الأكثر شعبية


وقف إطلاق النار بين “قسد” وقوات وزارة الدفاع السورية في حلب…

بيرلا حرب ملكة جمال لبنان 2025
