د. خالد عبد الكريم – الناس نيوز :
ظاهرة المسيرات الشعبية تسيطر هذه الأيام على محافظات جنوب اليمن في رد فعل واضح لإعلان المجلس الانتقالي الجنوبي أحقيته تمثيل جنوب اليمن بكل مناطقه وأطيافه وحديثه عن تفويض منحه إياه شعب الجنوب، هذه المعطيات جعلته يعلن الإدارة الذاتية للجنوب في إبريل 2020 التي تراجع عنها بناء على مشاورات عقدت في الرياض مقابل الشراكة في السلطة والحكومة ومطالبته بحصة الجنوب في التشكيلة الوزارية الجديدة التي تمنح الجنوبيين نصف الحقائب الوزارية.
وكون المجلس الانتقالي الجنوبي في الأغلب يضم أتباعا من نطاق جغرافي محدود ، وجد بقية الجنوبيين أنفسهم ممن هم (خارج النطاق الجغرافي للانتقالي) يطالبون بحقوقهم ويرفضون ادعاء المجلس الانتقالي الجنوبي تفويضهم له ممثلا وحيدا لأبناء الجنوب، فجرى تشكيل كيان سياسي مواز أطلق عليه الائتلاف الوطني الجنوبي.
نظم هذا الائتلاف في الأيام الماضية مسيرات جماهيرية ضخمة في محافظتي أبين وشبوة طالبت بحق هذه المحافظات في تمثيل نفسها في الحكومة الجديدة وفي أي تسوية سياسية قادمة في اليمن وتنفي ادعاء التفويض، بل لا تفرق بين المجلس الانتقالي الجنوبي والميليشيات الحوثية باعتبارهم حاملي مشاريع انقلابية تستهدف بالدرجة الأولى الشرعية الدستورية، وبحسب بيان صدر عن مسيرة شبوة اعتبر القوى المناهضة للشرعية تسعى لفرض رؤيتها بقوة السلاح والاستقواء بالخارج وتمزيق الوطن بشعارات طائفية و مناطقية.
بيان مسيرة أبناء شبوة وهي المحافظة الغنية بالنفط والغاز تضمن تأكيدهم أن ادعاء المجلس الانتقالي الجنوبي احتكار تمثيل القضية الجنوبية ورفع لافتة التفويض الشعبي أمر يؤسس لحالة من الإلغاء والإقصاء ويقود للعنف والفوضى.
إذا نظرنا للخارطة السياسية في جنوب اليمن من حيث الدعم المناطقي للمكونات السياسية سنجد أن المجلس الانتقالي الجنوبي يحظى بأتباع في محافظة عدن ولكن قوته ومخزونه البشري في محافظتي لحج و الضالع ، و الائتلاف الوطني الجنوبي له مناصرون في عدن ولكن يطغى نفوذه في محافظتي شبوة وأبين.
لا نستطيع الجزم أن حضرموت و المهرة وسقطرى ضمن نفوذ المجلس الانتقالي الجنوبي أو الائتلاف الوطني الجنوبي، حيث أفرزت ظروف الحرب و انهيار أعمدة البلد تفكيرا سياسيا جديدا يتسم بالبراجماتية والمصلحة، خاصة وأن هذه المحافظات فيها آبار للنفط والغاز وتمتد على مساحة شاسعة لأكثر من 60٪ من مساحة اليمن وشريط ساحلي يصل إلى 495 كيلو مترا على المحيط الهندي .
فيما يتعلق بمحافظة حضرموت فهناك مؤتمر حضرموت الجامع و مرجعية قبائل حضرموت الوادي والصحراء هذان المكونان يطغى نفوذهما ويتسع في حضرموت مع دعوات بأصوات خافتة تطالب باستقلال حضرموت وإعادة سلطنتيها السابقتين الكثيرية والقعيطية اللتين سادتا قبل استقلال جنوب اليمن عام 1967.
أما محافظتا المهرة وسقطرى فهناك المجلس العام لأبناء محافظتي المهرة وسقطرى ويرأسه السلطان عبد الله بن عيسى آل عفرار وهو من سلالة سلاطين المهرة وسقطرى قبل نيل جنوب اليمن استقلاله، ولا تختلف مطالب المهريين والسقطريين عن جيرانهم في حضرموت .
في مناخ كهذا تزداد المخاوف من تنامي حدة النعرات المناطقية فهذه الظواهر المناطقية كانت سبب الإرهاصات التي شهدها جنوب اليمن أثناء مرحلة التجربة الثورية في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي حيث أسهمت تلك العقلية في تعاقبية الانقلابات العسكرية التي عصفت بجنوب اليمن .
المسيرات الجماهيرية في محافظتي أبين وشبوة أفضت إلى وجهتي نظر ، الأولى تعدها رادعا لجموح المجلس الانتقالي الجنوبي ليتراجع عن إعلان نفسه ممثلا وحيدا ومفوضا لكل شعب الجنوب، و يرضخ لتنفيذ بنود اتفاق الرياض مع خفض سقف المطالب والتقيد بتنفيذ الشق العسكري و الأمني من الاتفاق الذي يقضي بسحب قواته من عدن والمحافظات ودمجها ضمن قوات الجيش الوطني و قوات وزارة الداخلية.
بينما وجهة النظر الثانية تتخوف من نشوء صدامات مسلحة في مناطق التجاور بالأرياف وبعض المدن حيث يتوفر السلاح وتُغذى النعرات ، التخوف مرجعه استجرار ماضي التصفيات بالهوية و اللهجة، الذي ما زال عالقا في الأذهان.
- رئيس قناة عدن الفضائية الأسبق