د. محمد حبش – الناس نيوز ::
وفي موقف تاريخي قررت محكمة الجنايات الدولية إدانة ، رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو نتنياهو وشريكه وزير الدفاع السابق يواف غالانت بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وأمرت باعتقالهما على الفور.
ويسري هذا القرار كما هو معلوم على 124 دولة في العالم بينها ثلاثة دول من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، الصين وبريطانيا وفرنسا، إضافة على كندا وأستراليا والبرازيل وسائر دول الاتحاد الأوربي.
ووفقاً لقرار المحكمة فإن وصول أي من “الارهابيين ” المدانين إلى أي بلد من هذه البلاد فإنه سيواجه الترحيل إلى لاهاي حيث يودع السجن في محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
كما أن المحكمة ترحب بأي تصرف إضافي من الدول التي لم توقع على الاتفاقية إذا رغبت في الإسهام في تحقيق العدالة واعتقال المذكورين!!
القرار ليس تطوراً بسيطاً ولا هو إجراء شكلي، بل هو تحد حقيقي لأطماع الولايات المتحدة التي تبدو في موقف معزول، تتمسك بقرار الرب الذي يأمرها بدعم إسرائيل بشكل أعمى لأنها شعب الرب وصفوته من خلقه وأمته المختارة على العالمين، وليس في هذا اللاهوت الأمريكي أي مبالغة فهو بالحرف والصوت والصورة النص الدقيق لتصريح مايك جونسون زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي قبل شهور!!
ولن أستغرق في التحليل السياسي، بل أريد التحول إلى الجانب الإنساني من الأمر، فهو واحد من أعظم الأدلة على معنى الأسرة لاإنسانية التي نحلم أنها غاية الخلق وصورة العالم في صعوده الحضاري، حيث تعبر الخطوة عن تضامن دولي وإنساني فريد مع معاناة الشعب الفلسطيني المظلوم، حيث انطلقت المحكمة بطلب من دولة جنوب أفريقيا، وهي دولة بعيدة عن الشرق الأوسط الملتهب، لا تربطنا بها أخوة الإسلام ولا دم العروبة، ولا جوار المصالح، ولكنها وفاء الإنسان للإنسان، من شعب ذاق مرارة الظلم والأبارتيد وعانى من الشر والقهر، وأدرك ان الحقوق لا تموت وأن الإنسانية أسرة واحدة إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
ولا تتوقف الرسالة الإنسانية عند المبادرة الجنوب أفريقية، فقد نجح كريم خان مدعي محكمة الجنايات الدولية أن يقدم الأدلة الوافية على معاناة الشعب الفلسطيني ليس بالصراخ والعويل والزمجرة التي تعودناها، بل بتقديم الوثائق الحقوقية الصارمة أمام قضاة أوربا، وحقوقييها، وآمن إلى الغاية بأن الإنسان روح من الخير والعدالة، وان القضاة أنفسهم الذين يعاقبون باستمرار على الممارسات المعادية للسامية يحملون في جوانحهم الرغبة نفسها في الانتصار للمظلوم، والأخذ على يد الظالم.
لا أريد أن أستغرق في التفاؤل فلا تزال المدفعية لإسرائيلية تقصف بلا رحمة، ولا تزال لبنان وسوريا ( كلها مواقع إيرانية ) وغزة والضفة تحت مرمى النار الإسرائيلية ولا يزال نتنياهو يحظى بدعم غير محدود من الحزبين الأمريكيين، ولكنها بكل تأكيد انعطافة كبيرة ومؤثرة نحو مستقبل مختلف.
ولكن الجانب الأكثر وضوحاً في الإخاء الإنساني هو تضامن الشعوب المتحضرة مع المعاناة الفلسطينية وتسابق الدول المتحضرة للإعلان عن استعدادها لتسليم نتنياهو إلى سجن لاهاي حين يصل أراضيها، على الرغم من المصالح العميقة الضاربة في قلب الاقتصاد الاسكندنافي، وأخطبوط الكيد الإسرائيلي المحترف، فإن الدول الاسكندنافية تتالت في التعهد بتنفيذ قرار المحكمة، ومعنى ذلك بدون أي تحفظ ان أي تعاون مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بات مرفوضاً بالمطلق، ولا يمكن أن تمتد يد لمصافحته!!فالرجل له اسم واحد بعد اليوم وهو “الإرهابي” الفار من العدالة، وهناك 124 دولة تترصده على معابرها الحدودية لتحقيق العدالة بتسليمه إلى المحكمة في لاهاي.
لن يستطيع نتنياهو بعد اليوم أن يدخل إلى تلك العواصم الأوربية التي كان يعربد في برلماناتها وجامعاتها محاضراً عن الأخلاق والسلام، وباتت التهمة بالجريمة تلاحقه وهو في الحكم وتبشره بمصير ميلوسوفيتش ورانكو ميلازيتش وغيرهم من المجرمين الذين طنوا أن جيوشهم ومخابراتهم تعصمهم من أمر الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وجعلهم للناس نكالاً.
كرمى لعيون أطفال فلسطين ونسائها، وخيامها وشرادها، إنه تحول غير مسبوق في العدالة الدولية، ورسالة واضحة فحواها أن الإنسان أخو الإنسان، وأن الفائض الحضاري ينتج فائضاً أخلاقياً، وأن من حقنا أن نؤمن أن الله خلق العالم من أجل نهاية سعيدة .