دارا عبدالله (*)
اتضحت تقريبًا الاستراتيجية الألمانية في مواجهة الأستاذ “كورونا”. التقليل قدر الإمكان من الاحتكاك البشريّ الجسديّ، مع الحذر الشديد من خطورة الأثمان السياسية والنفسية والروحية والاجتماعيّة الناجمة عن سجن الناس في بيوتهم. الحظر في ألمانيا ليس مطلقًا مثل إيطاليا أو إسبانيا أو كل الدول التي انتشر فيها الفيروس (15% من سكان العالم على الأقل في الحظر الآن). القوانين مصاغة بدقة رهيبة، تسمح لكلّ فَردَيْن أن يتحركا بحرية على مسافة 1.5 متر من فردَيْن يتحركان أيضاً بحرية. بمعنى: تنظيم الحركة في الفضاء العام، بدلاً من إغلاقه بالكامل. الرياضة واستنشاق الهواء والاستمتاع بأشعة الشمس، مسموحة، إذْ ستصبح هذه الأمور ذات معنى كبير في المستقبل القريب. بالإذن من المكتبات التي صارت مجانيّة، والمتاحف التي صارت إلكترونية، واللينكات التي تحتوي على مئات آلاف الأفلام، وحتّى فيديوهات الرقص في الشرفات.
لكن حبس كتل اجتماعيّة هائلة في بيوتها لشهور، هو أمر خطير جدًا، والبعض يراه مستحيلاً من دون حدوث فوضى عنف واضطرابات. مخيفٌ، بالنسبة إلي، نجاح التجربة الصينية في مواجهة الفيروس، حيث استخدم الحزب الحاكم قوّة الدولة والإجراءات الخشنة وموارد النظام الشمولي، لمحاصرة الوباء، مع سجن ملايين الناس في بيوتهم.
نحن نعرف أن أجساد الناس تعافت هناك، لكننا لا نعرف ماذا حصل لأرواحهم. لا تقرير يسأل فردًا صينيًا عن تجربته، وهو ممنوع بالمطلق من الخروج من بيته. في الأردن المخابرات تلاحق المصابين، والمخابرات الإسرائيلية تراقب المرضى في بيوتهم، وفي سوريا أعتقد أنّ النظام سيخفي المرضى قدر الإمكان. في الخطاب التاريخي الذي ألقته ميركل للناس، أكَّدت أولاً بأن ألمانيا دولة ديموقراطية، وبأن إجراءات الطوارئ هي إجراءات طوارئ فقط.
نجاح التجربة الألمانية سينقذ العالم من نجاح التجربة الصينية. سينقذ العالم من فكرة أن الديكتاتورية الحزبية هي الطريقة الوحيدة للبقاء البشري..
مدونة نشرها الشاعر السوري، المقيم في ألمانيا، دارا عبدالله، في صفحته الفايسبوكية.