fbpx

الناس نيوز

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه
Edit Content
Generic selectors
Exact matches only
Search in title
Search in content
Post Type Selectors
Filter by Categories
آراء
أخبار
أستراليا
إدارة وتكنولوجيا
إعلان
اقتصاد
اقتصاد أستراليا
اقتصاد عالمي
اقتصاد عربي
تقارير وتحقيقات
ثقافة وفنون
حكايا
خبر رئيس
رياضة
رياضة أستراليا
رياضة عالمية
رياضة عربية
سياحة وسفر
سياسة أسترالية
سياسة عالمية
سياسة عربية
صحة
صور
عدسة
فن الناس
في الوطن الجديد
فيديو
كاريكاتير
لايف ستايل
متفرقات
مجتمع
مجتمع الناس
موضه

جريدة إلكترونية أسترالية مستقلة

رئيس التحرير - جوني عبو

نحو قراءة مأساة غزّة بعقلٍ بارد

د . نجيب جورج عوض – الناس نيوز ::

خلال الأسابيع المنصرمة، اشتعلت محطات الإعلام المسموع والمرئي، ووسائل التواصل الاجتماعي، وشبكة الإنترنت العنكبوتية، بأخبار الحرب الشعواء الدائرة في غزة وإسرائيل.

وانقسم الفضاء المرئي، والمسموع، والافتراضي، و الفضاء الواقعي الكوكبي، ناهيك عن مراكز ودوائر صناعة الأفكار والقرارات السياسية والدولية، إلى معسكرين: مؤيد أعمى لإسرائيل، يدافع عنها بشراسة وعدائية مطلقة لكل من لا يتعاطف معها، ومتعاطف بشدة مع فلسطين يدافع أيضًا بشراسة عما حققته حماس من إنجاز عسكري تاريخي ويرد على محازبي إسرائيل برد فعلٍ مضاهٍ في القوة والإصرار.

وراح أنصار كل فريق يمتحنون البوصلة الأخلاقية عند أنصار الفريق الآخر.

وتبدت بوضوح هيمنة الصوت المناصر لإسرائيل على الصوت المناصر لفلسطين في العالم الإعلامي والافتراضي على حد سواء، لدرجة أن بعض مراكز القوة في هذا العالم، تمكنت من تحجيم مساحة الصوت المسموح به للطرف المناصر لفلسطين لمصلحة إفساح كافة المجالات المتاحة إعلاميًا وإلكترونيًا وافتراضيًا للصوت المضاد.

لا بل ورحنا نرى عالم المشاهير في الفن، والرياضة، والثقافة، وحتى في الأكاديمية وساحات الثقافة والرأي أيضاً منقسمين بين من يدين الفلسطينيين، ويتعاضد مع إسرائيل، وبين من يدين آلة الحرب الإسرائيلية وعنفها المفرط ويتعاطف مع ما يكابده الفلسطينيون في غزة من ويلات.

المشهد، كما يراه المراقب اليوم، هو في الحقيقة عصفورية مُعَولَمَة ومستنقع من وحول السيكولوجية والشعوريات والعواطف والغرائزيات.

والحالة متفشية لدرجة أنه لا يمكن لمن يريد أن يفهم حقاً ما يحصل؟ ومن يقوم بماذا ومن مسؤول عن ماذا وماهية المشهد وطبيعة الصراعات وهوية الأطراف المتصارعة حقاً فيه أن يجدَ منبراً أو مساحةً للعقل والمنطق والموضوعية والسبر التحليلي المتأني، لا في الغرب ولا في الشرق.

ينبغي علينا في لحظةٍ ما، عاجلًا أم آجلًا، أن نتوقف ونتأمل فيما حدث، ويحدث، وسيحدث في (أو من) مأساة غزة الحالية، وينبغي علينا أن نفعل هذا بعيداً عن المشاعر والعواطف والسيكولوجيات والتحزُّبات والأيديولوجية.

وإذا وصلنا إلى فعل هذا يوماً ما، فأنني أقترح على الجمهور العربي، أن يحاول قراءة المشهد المأساوي على أربعة مستويات مختلفة لا ينبغي أبداً المزج بينها أو معاملتها وكأنها سياق واحد وهي : المستوى العسكري الميداني، المستوى السياسي التاريخي، المستوى الإنساني الأخلاقي، والمستوى الجيوسياسي الإقليمي والعالمي.

في الفترة الحالية، كل ما نسمعه من تحليلات وتعليقات ونشهده من مواقف شعبية ورسمية، محلية وعالمية، ما هو إلا خليطٌ هُيوليٌّ، غامض ومُشوِّش، بل وتضليلي، لأبعاد ونواحٍ مأخوذة من سياقات تلك المستويات الأربعة، تمزجها ببعضها البعض بطريقةٍ تزيد المشهد غموضًا وفوضوية وعبثية ستودي إلى نهلستية مدمرة. وعلى المرء أن يقارب تلك المستويات الأربعة بشكل منفرد، وأن يدرسها بروية وتدقيق ونقدي جريء بعيد عن التحزُّب والتحيُّز والتعاطف.

ويصعب فعل هذا الأمر بشكل كامل ومُسهَب وشامِل في مقال صغير مثل هذا. ولكن لا يضر أن نُسلِّطَ الأضواء على بعض النقاط التي تكوِّن القماشة الناظمة لكل مستوى في ذاته.

على المستوى العسكري الميداني، أعتقد أن من الأهمية بمكان، أن ندرك أن طرفي الحرب والمواجهة العسكرية في الميدان ليس إسرائيل وفلسطين.

وإنما الطرفان المتحاربات فعليًا وعملياتيًا هما اليمين المتطرف الديني الراديكالي في إسرائيل، حكومة بنيامين نتنياهو مع حلفائه المتشددين اليمينيين، من جهة، واليمين المتطرف الراديكالي الديني في فلسطين، حركة حماس والجهاد الإسلامي مع حلفائها المنبثقين فكريًا من إرث الإخوان المسلمين.

هذان هما بالتحديد طرفي التقاتل؛ الذي قام بعملية عسكرية ناجحة ومفاجئة (حماس)، والذي ردَّ على تلك العملية باكتساح عسكري وحربي تدميري يفوق التصور (حكومة نتنياهو). كما أن لكل طرف مناصريه العسكريين الذين يَمدونه بالعتاد والموارد، ويشاركون معه في إدارة العمليات العسكرية القتالية، بدءاً بالجيشين الأمريكي والبريطاني على جانب اليمين الإسرائيلي، وصولاً إلى قوات إيران وكتائبها وميليشياتها المقاتلة في العراق ولبنان وسوريا.

وأعتقد أنه إن أتيح للجمهور الشعبي المناصر لإسرائيل ولفلسطين محليًا وعالميًا أن يتوقفَ بعقلٍ باردٍ عند هذه الحقيقة، لربما تردد في دعمه المطلق وغير المحسوب لأي منهما، فهناك الكثير من اليهود حول العالم الذين لا يدعمون أبداً اليمين المتطرف في إسرائيل، ولا يمكن لهم أن يؤيدوه في سياساته كي يدعموه في معاركه. كما أنَّ المواطنين داخل إسرائيل مضطرون حالياً للسكوت وعدم التعبير عن ملامتهم لنتنياهو واليمين المتطرف وعدم تأييدهم لهم (حتى في قرارهم باقتحام غزة) لأنَّ البلد في حالة حرب والمدن الإسرائيلية تحت تهديد عسكري حقيقي سيؤذي الجميع ومن كافة أطياف المشهد العام الإسرائيلي.

على الجانب الفلسطيني، هناك الكثير من الفلسطينيين، ناهيك عن العرب، الذين لا يؤيدون مواقف وتوجهات ومقاربات حماس والتيارات اليمينية الفلسطينية أو العربية العسكرية والقتالية، وسيقولون لك إنهم لا يدعمون حماس بالتحديد في المشهد الحالي، وإنما يتعاطفون مع الفلسطينيين وحقوقهم التاريخية. هؤلاء أيضاً ستخف حماستهم الدفاعية الحالية في المشهد الشعبي لو أتيح لهم أن يقولوا إنهم يعرفون أن من ينخرط في الميدان العسكري هو في الحقيقة التيار اليميني الذي لا يتمتع بشعبية مطلقة أبداً في المشهد.

أما على المستوى السياسي التاريخي، فهناك طبعاً صراع إسرائيلي-فلسطيني بامتياز. ولكن هذا الصراع لم يأخذ دائمًا مناحٍ قتالية وعُنفيَّة وعسكرية، بل شهد استبدادًا من الطرف الأقوى سياسيًا وعسكريًا على الطرف الآخر وحقوقه.

ولهذا، فإننا حتى اليوم لا نزال نرى الفلسطينيين محرومين من حقهم التاريخي والطبيعي والقانوني، بأن يؤسسوا دولة ذات سيادة وديمومة وكينونة وحقوق وقدرة على الوجود والعيش، مقابل دولة أخرى أمعنت عبر العقود في تمزيق الأرض التي بقيت للفلسطينيين وتشظيتها لدرجة استحالة تأسيس دولة متماسكة عليها، وعملت على إضعاف السلطة الفلسطينية الشرعية المُنادية بالسلام والحل السياسي والتي تمثل الشعب الفلسطيني مقابل تقوية الطرف الراديكالي الصدامي والمتطرف (حماس)، بل ونسج تحالفات وشراكات مخفية معه من أجل خلق قواعد لعبة تكـافلية يستفيد منها كل من الحكومات الإسرائيلية اليمينية المتعاقبة واليمين الفلسطيني على حد سواء.

والحال، أن المدرك لهذا الواقع، لا يمكن إلا وأن يتعاطف مع الجانب الفلسطيني ويدعمه وينادي بحقوقه المدنية والدولية، وأن يدين السياسات الإسرائيلية المتطرفة التي خلقت وحشًا عدوًا لها أمام الرأي العام الإسرائيلي والعالمي، فدارت الأيام وفقدت القدرة على السيطرة عليه والتحكم بأفعاله. لا بل إن المتعاطفين من إسرائيل، ومن باب تعاطفهم معها لا غير، عليهم أن يدينوا حكومة نتنياهو وفريقه اليميني المتطرف أشد إدانة على هذا المستوى السياسي الصرف، وأن يُحمِّلوها (مثل غيرها من الحكومات اليمينية) مسؤولية وصول حماس إلى القدرة على تحقيق ما حققته من إنجاز عسكري على الأرض، وأن يلوموها لأنها لم تدعم وتتعاون مع السلطة الفلسطينية المعتدلة الرافضة للعنف والقتال والداعية للسلام والتفاوض السياسي.

أما على المستوى السياسي، فلا أعتقد أن أحداً عاقلاً وعقلانيًا وموضوعيًا، لم يمكنه أن يلوم الفلسطينيين لنضالهم التاريخي من أجل الحصول على دولتهم المستقلة والخاصة، ولا أن يتعاطف مع حكومات إسرائيلية يمينية متطرفة تهدد بسياساتها وأعمالها العمياء والقائمة على الكراهية المجتمع الإسرائيلي وأمنه قبل أي طرف آخر.

على المستوى الإنساني الأخلاقي، لا يمكن برأيي المتواضع لأي إنسان يؤمن بالقاعدة الأخلاقية القائلة بكرامة وقيمة وقداسة النفس البشرية والحياة عمومًا على هذا الكوكب، إلا أن يدين وبأشد العبارات، وأن يرفض بأقسى الوسائل الممكنة، المقتلة البشعة والمأساوية التي تعرض لها، ولا يزال، بعض المواطنين المدنيين العزل والأبرياء من كلا الطرفين وعلى حد سواء.

إن القيمة الإنسانية والأخلاقية لموت 1400 مواطن ومواطنة إسرائيلية لا يجب أن تقل عن القيمة الإنسانية والأخلاقية لموت ما يفوق الـ 8000 (حتى الآن فقط) مواطن ومواطنة فلسطينية، فقيمة الإنسان وقدسية الحياة لا يقررها العدد ولا الحجم. وما كل تلك الاجتهادات الإعلامية التي تغرقنا بمشاهد القتل والموت والدمار وبأرقام الضحايا من هنا أو هناك إلا مظاهر تنافس إعلامي وافتراضي وشعبي يقوم به كلا الطرفين (كل بحسب إمكاناته وقدراته التعبوية في صناعة الرأي، والتي تميل كفتها للجانب الإسرائيلي عالمياً) في قلب تنافسٍ لكسب الرأي العالمي وتشكيله. وعلينا أن ندين قتل المدنيين وأن نترحم ونأسفَ على الضحايا المواطنين الأبرياء معاً وبشكلٍ عادل وأخلاقي محايد، وإلا فإنَّ العالم برمته فقد بوصلته الأخلاقية وكشف عن توحشه وتحيونه المعولمان. وعلينا أيضاً أن لا ننكرَ أن حجم الدمار ومنسوب القتل والوحشية التي ترد بها آلة إسرائيل العسكرية على عملية حماس، وتجاه المدنيين وليس تجاه آلة حماس العسكرية، يفوق بكثير كافة الموازين والحدود البشرية والدولية ويثل حداً مت الإفراط تعجز العقول عن تبريره أو قبوله.

أما المستوى الجيوسياسي الإقليمي والعالمي، فهو برأيي المتواضع قاعدة وإطار ومنبع، بل وغاية، كل ما يجري في غزة. وحين ننظر للمشهد الجيوسياسي ونقرأ المأساة من زاويته، نكتشف، بقراءتي الخاصة، أن من يقف وراء المشهد برمته ومن دفع كلا الطرفين المتحاربين إليه هو الإدارة الديمقراطية لجو بايدن في البيت الأبيض.

وستكشف الأيام للباحثين والمحللين في المستقبل بأن من دفع حماس للقيام بعمليتها العسكرية وجرَّ نتنياهو وحكومته إلى تلك الحرب المفتوحة كان الأمريكي بالاتفاق مع إيران وتنسيق الأدوار معها.

وقد يبدو ما أقوله هنا ضربٌ من الجنون للكثيرين الذين ينطلقون من عداء قائم وحقيقي بين إيران وأمريكا ومن قناعة (صحيحة) بدعم مطلق وكلي وغير مشروط، بل وتبنٍّ علني وصريح، من أمريكا لدولة إسرائيل وانحياز لا تساهل فيه لها وعلى كافة الأصعدة.

ولكن، التحالف المطلق بين أمريكا وإسرائيل الدولتين شيء، وإرهاصات العلاقات بين الحكومات المتعاقبة في تل أبيب والإدارات الأمريكية المتعاقبة في البيت الأبيض هي أمر آخر تماماً. لنتذكر أن إدارة جو بايدن هي امتداد ونسخ لإدارة باراك أوباما، والتي كانت على خلاف وتضاد سياسي وفكري مع حكومة نتنياهو السابقة (ناهيك عن غياب الكيمياء الشخصية بين الرجلين)، وقد حاولت أيضاً أن تورط حكومة نتنياهو بل وتسقطها ولكنها فشلت.

اليوم، يتابع بايدن نفس سياسية البرود والخلاف والتضاد مع حكومة نتنياهو الحالية، بل ويزيد التوتر بينهما كل من هيمنة اليمين الراديكالي المتطرف جداً على الحكومة (الأمر الذي لا يحبه الديمقراطيون في أمريكا، لأنه يعني دعم اللوبي اليهودي اليميني للمرشح الرئاسي الجمهوري في الانتخابات القادمة)، من جهة، ورفض نتنياهو الصريح والصارم ومعه اليمين الإسرائيلي واليهودي في أمريكا للاتفاق النووي (وتحالف الشراكة الحقيقي المبطن فيه)، والذي أقامته إدارة أوباما، وتقاتل إدارة بايدن لإحيائه من جديد، من جهة أخرى.
العقل الأمريكي في الدولة العميقة لا يزال يعتمد على استراتيجية الفوضى الخلاقة في سياساته في منطقة الشرق الأوسط.

من هنا، وفي ضوء ما ذكرت في الأعلى، فإنَّ إدارة بايدن، برأيي، هي من دفع كل من إيران وحماس للقيام بالعملية العسكرية وبإشعال الحرب في المنطقة. أمر العملية الاستراتيجي العام جاء من دهاليز الدولة العميقة الأمريكية دون سواها وما كان على إيران سوى التنفيذ عبر أدواتها. أما أمريكا، فلم تتأخر بالحضور إلى المنطقة باستعراض قوة عسكري وبالبدء بإدارة اللعبة السياسية والاستراتيجية مباشرةً وعلى الأرض حالياً.

ولكن ما فائدة هذا لأمريكا؟ أمريكا تريد تسليم المنطقة سياسياً للطرف الإيراني كجزء من التفاهم الشفهي الذي حققه الطرفان قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا، والذي قد يكون أحد أسباب سن الروسي حرباً على أوكرانيا (وكذلك منح الروسي صلاحيات استلام ملفات أفريقيا مؤخراً). وقد تمت ترضية العرب بتسليمهم الملف الاقتصادي والمالي وبالتالي التقاسم في الإدارة بينهم وبين الإيراني. من بقي معارضاً لهذا ومُصراً على رفضه هو المدير الأصلي الأول للملفات السياسية في المنطقة: إسرائيل، والتي باتت الطرف الوحيد الذي لم تنجح الإدارة الأمريكية الديمقراطية (أوباما عراب الاتفاق النووي والآن بايدن من يسير في نفس الركب) بإقناعها بعد بالانخراط في الاتفاق على مستقبل المنطقة والمسمى شكلياً الاتفاق النووي
المشهد إذاً يحتاج إلى ظروف مُعينَّة تُجبر الإسرائيلي على الجلوس إلى طاولة تَفاوض مع الإيراني للتصالح وتسوية الخلافات وتقاسم الأدوار مع وكيل أمريكا السياسي الثاني في المنطقة. لا يوجد شيء أفضل من الحرب لفعل ذلك، وعلى نيران هذه الحرب أن تلسع حكومة نتنياهو واليمين مباشرةً في عقر دارها. وهذا ما يمكن فقط لحماس أن تفعله، فحزب الله بعيد وفي بلد آخر، أما حماس فهي من قلب العالم الفلسطيني نفسه. والحال أن حماس نفذت أمر العلميات الذي جاءها من إيران، ونجحت أمريكا في إدخال حكومة نتنياهو في حرب مفتوحة غير معروفة النتائج بعد. على أمل أن كل هذه الفوضى المدمرة ستنتهي بجلوس الطرفين الإسرائيلي والإيراني على الطاولة لبناء تفاهمات وتقاسمات أدوار ومسؤوليات. أما الثمن الذي ستدفعه إيران فهو إنهاد دور حماس (وربما إنهاء دور حزب الله العسكري إذا ما تم دفعه للانخراط في الحرب). في حين سيكون الثمن الإسرائيلي انهاء مسيرة نتنياهو السياسية ودحر اليمين المتطرف سياسياً من المشهد ولعقود قادمة وانخراط إسرائيل في اتفاق مع الفلسطيني ومع العرب (على رأسهم السعودية) ينتج عن تفاهماتها مع إيران ويكون آلياته التنفيذية.

إنَّ المستفيد الأكبر والأول والأعمق من كل هذا هو أمريكا، إن نجحت إسرائيل في تصفية دور حماس وتحجيمه إلى واقع سياسي محض، وستكون أمريكا قد ضمنت ضعف إيران في المشهد الفلسطيني (بل والعربي) وبالتالي أرضت إسرائيل (بعد أن نجحت في شيطنة اليمين الإسرائيلي وتشويه سمعته في الشارع الإسرائيلي، وهو الطرف السياسي الذي لا يستسيغه الديمقراطيون في أمريكا ولا يتفاهمون معه) وأعطتها دورها المعهود، دون أن تخسر تفاهمها مع إيران. وإن انفتحت الحرب على أكثر من جبهة، هذا سينهك إيران وأدواتها في لبنان وفلسطين وسوريا ويستنزفها بعمق، مما يجعل الإيراني يجلس على الطاولة ضعيفاً ومحدود التأثير، الأمر الذي يعني أنه سيدير ملفات السياسية تماماً كما تريدها أمريكا دون مشاكل أو إزعاجات.

لن تسمح أمريكا لإسرائيل بالهزيمة في هذه الحرب، فهذا يعني هزيمتها شخصياً وهذا مستحيل. إلا أنها لن تسمح لإسرائيل أيضاً بتدمير المشروع الإيراني كلياً ومسحه من الساحة العربية، فهذا لا يخدمها في محاولتها للجم وتدجين السعودية ودورها العالمي المتنامي والمتعاظم، وخاصة إذا ما نجحت في التطبيع مع إسرائيل في النهاية.

ولكن، وكونها المدير الرئيس للمشهد الحالي، فأمريكا (نعم، أمريكا!) هي من يقرر ما إذا كانت إيران ستعطي أوامرها لأدواتها بفتح جبهة سوريا أو لبنان أو لا، وإن سمحت بفتحها فهي من سيقرر ما سيكون حجم تأثير تلك الجبهات على إسرائيل وعلى توازن القوى في اللعبة. وأمريكا هي التي ستقرر ما إذا كانت إسرائيل ستجتاح غزة أم لا، وحجم وحدود وتأثير هذا الاقتحام إذا ما سمحت به. وأمريكا ستقرر من ستدخل سياسياً من دول العالم في المشهد ومن يلعب أي دور ومتى وأين وكيف.

المشهد الذي نتألم بعمق ونحن نشاهده في غزة ما هو إلا تراجيديا جيواستراتيجية بشعة ومدمرة ضحيتها هم الناس الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة، ولا حتى قيمة، في قلب تلك المعمعة الفوضوية والمدمرة والتي يمكن وصفها بكل شيء سوى بأنها “خلاَّقة”. فكرة أن خليقة وعالم جديدين ينشآن من دمار وأنقاض عالم وخليقة سابقين هي فكرة أبوكاليبتية شائعة جداً في أفلام الفنتازيا والخوارق الهوليودية منذ مطلع هذا القرن. ولكن تلك الفنتازيا هي مصدر دمار وموت ونهلستية فظيعة يدفع ثمنها الإنسان البريء في قلب هذا المشرق التعيس.

المنشورات ذات الصلة