سوزان المحمود – الناس نيوز ::
“قمر دمشق” هو الفيلم الوثائقي الجديد الذي أخرجه السيناريست والناقد السينمائي السوري نضال قوشحة، الذي يقدمه بمناسبة مرور مئة عام على ولادة شاعر سوريا والعالم العربي الأبرز في العصر الحديث ابن دمشق نزار قباني .
كانت إدارة مهرجان السينما العربية بشرم الشيخ قد اختارته لافتتاح دورة المهرجان الأولى، وبهذه المناسبة كان لجريدة “الناس نيوز الأسترالية ” الحوار الآتي مع مخرج الفيلم نضال قوشحة:
هل يمكنك أن تتحدث لقراء “الناس نيوز” عن فيلمك قمر دمشق ؟
“قمر دمشق” فيلم يمثل طموحاً قديماً جداً بالنسبة لي، أنا من الجولان السوري وأعتز جداً بذلك، لكنني من مواليد دمشق وعشت عمري كله فيها، كنت أشعر دائماً أن هذه المدينة أحبتني، و لي فيها ذكريات وأهل وأقرباء وأحبة وموتى دفنوا في تربتها، ولدت وتعلمت بها، وكنت دائماً أتحين الفرصة لأرد هذا الجمال بجمال وليس أنسب من مئوية شاعر دمشق وسوريا الأكبر في العصر الحديث نزار قباني، وأنا أزعم أن نزار قباني أكبر شاعر في إقليم الشام ، الشام بمعناها الواسع عبر التاريخ ، خاصة في موضوع الغزل والمرأة، والتغزل بمدينة دمشق، فكان لا بد من سانحة ما كي أرد هذا الجميل بجميل كما يقول القرآن الكريم و(هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، فكانت الفرصة مواتية بذكرى مئويته، أنضجتُ الفكرة وطرحتها على شركة إنتاج محلية سورية، وهي شركة سينمائية عريقة عمرها سبعين سنة ولبوا الدعوة مشكورين وأُنجز الفيلم وأصبح جاهزاً للعرض.
- تم اختيار (قمر دمشق) لافتتاح الدروة الأولى لمهرجان السينما العربية في شرم الشيخ في مصر؟ هل سيتجول الفيلم في مهرجانات أخرى؟
- نعم هناك توجه لوجود الفيلم ليس في الافتتاحات فحسب لكن داخل المسابقات الرسمية لعدد من المهرجانات. الفيلم مؤكد وجوده في مهرجانين حتى الآن وبدأنا المراسلات لعدد من المهرجانات الجديدة سيشارك فيها إما داخل أو خارج المسابقات الرسمية، أعتقد أنه سيشارك في 6 او 7 مهرجانات، نعمل على إيصاله لأوسع جمهور.
- ما الجديد الذي سيقدمه الفيلم الوثائقي حول شخصية الشاعر نزار قباني ؟
في الحقيقة أحد نواميس حياتي اليومية هو ما أطلق عليه اسم القيمة المضافة وهو قانون اقتصادي لا أدعي أنني اخترعته لكن أنا اطبقه على حياتي الشخصية، وبحكم أنني أدرّس مادة السينما غالباً ما ألح على الطلاب أن المادة التي لا تقدم قيمة مضافة للمستقبل يفضل الاستغناء عنها، لأكره التكرار وأتبع هذا بأدق تفاصيل حياتي إن كنت أقدم مادة فنية أو صحفية إن لم تقدم قيمة مضافة لا أكتبها، ولا أنشرها لذلك أزعم أن هذا الفيلم سيقدم مادة مضافة قيمة جداً وهامة، منها مثلاً، وهذا جاء على لسان د. محمد رضوان الداية أن نزار قد اخترع بحراً عروضياً جديداً، تصوري أن يقال أن شاعراً حديثاً في القرن العشرين بعد ما يقارب 1300 أو 1200 سنة من اكتشاف الفراهيدي للبحور الشعرية ال 16 يأتي شاعر دمشقي ويخترع بحراً جديداً. - رضوان الداية لديه الدليل العروضي الشعري الذي يثبت هذا الكلام ونحن أوجدناه في الكتاب الذي أصدرته الدكتورة مانيا سويد بعنوان قيثارة دمشق، وصدر عن دار سويد للطباعة والنشر في دمشق، وأنا أتوجه لها بالشكر، ما قاله في الكتاب موجود في الفيلم أيضاً، كيف أحيا نزار بحر الرجز وكيف اخترع بحراً شعريا جديداً، هذه قيمة مضافة بحق نزار وبحق فيلمنا عن نزار.
- الشق الثاني هل سيواجه مطبات مع العائلة والمحيط؟ لا أعتقد لأننا تعاملنا مع رمزية نزار قباني، ومع كونه قامة شعرية وأدبية كبيرة، الفيلم تكريمي ، بالعكس أعتقد أنهم سيكونون سعداء بوجود حالة تكريمية لقامة أدبية شعرية دمشقية عريقة، تخصهم، ونحن نغبطهم على أن شاعراً كبيراً مثل نزار قباني كان منهم وهو قيمة أدبية ملك البشرية كلها، تعرضنا في المادة الفيلمية لأمور لها علاقة بإبداعه أما حياته الشخصية وتفاصيلها فهي مساحة لم نقترب منها أبداً، وهي خاصة بالراحل قباني كانت موجودة بوجوده ورحلت برحيله ولا يحق لأحد ولا حتى نحن التدخل فيها.
- ينتج فيلم “قمر دمشق” من قبل شركة إنتاج خاصة “شركة الغانم للإنتاج السينمائي”، هل هناك آمال يمكن أن تعقد على عودة القطاع الخاص للإنتاج السينمائي في سوريا؟
صحيح الإنتاج الخاص هو الذي تولى تنفيذ هذا الفيلم وما قلته في سؤالك سوزان هو أمنية لنا نحن نتمنى دائماً أن يعود القطاع الخاص الذي ولدت معه السينما السورية عام 1928 في فيلم “المتهم البريء”، نتمنى أن يكون القطاع الخاص مكملاً فعالاً للسينما العامة في سوريا، هو جناح والقطاع العام جناح، ولا يمكن لسينما في سوريا أن تحلق إلا بهما، هل تعقد الآمال على عودة القطاع الخاص؟ آمل ذلك أحد أهداف تقديمي فيلم في القطاع الخاص هو توريطه الورطة الجميلة بأن أدفعه مع زملاء آخرين إلى إنتاجات خاصة نادراً ما تنتج السينما السورية الخاصة أفلام وثائقية فعلناها في هذا الفيلم أتمنى أن لا يكون الأخير. - هل يندرج هذا الفيلم ضمن مشروع محدد لتكريم القامات الإبداعية السورية، وكنا قد شاهدنا لك سابقاً فيلم “الريس” حول الكاتب الكبير حنا مينة؟ وما أهمية السينما الوثائقية بالنسبة لك؟
نعم هذا الفيلم هو جزء من مشروع يمتد إلى الحيز العربي وليس السوري، فحسب فعلاً تربطني علاقات مع مبدعين عرب في المجالات السينمائية والمسرحية والأدبية وحتى التشكيلية، في رأسي مشروع لضمها جميعاً بسلسلة أفلام كما في فيلم “قمر دمشق”، للوصول إلى تكريس هذه الأسماء فنياً وإبداعياً لأجيال قادمة، لأنها بذلت الكثير وأعطت الكثير أمثال نزار قباني، ولا يصح ولا يجوز أن لا نتحدث عنهم بشكل سينمائي وتوثيقي مبدع أيضاً، لأن هؤلاء قدموا الكثير ويجب أن نكون حريصين وغيورين على ما قدموه من خلال تثبيت ذلك بأفلام ورؤى فنية عالية المستوى وعالية الجدية للدور الكبير الذي أوجدوه في وجداننا العربي العام.
- تربطك علاقة طيبة مع عدد كبير من المبدعين السوريين والعرب، كيف تؤثر العلاقة الشخصية على عملك السينمائي، هل يمكن أن تحدثنا عن الفيلمين الذين أنجزتهما حول المبدعين الشاعر والناقد السينمائي بندر عبد الحميد والمخرج ريمون بطرس، ولماذا لم يأخذا طريقهما للعرض حتى الآن؟ .
- بالنسبة لسؤال العلاقة الشخصية هل تؤثر بالخيارات والتنفيذ طبعاً
- نعم العلاقة الشخصية تؤثر، أنا مثلاً كسينمائي لم أكن على مسافة قريبة من نزار قباني، لذلك استدعى مني جلسات وجلسات من البحث والدراسة والتحليل حتى وصلت إلى معلومات معينة، الأمر على خلافه كان مثلاً مع الأستاذ حنا مينا، الذي كنت ملازماً له كذلك بندر عبد الحميد، سافرنا معاً وتحركنا وعملنا معاً لذلك العلاقة الشخصية تساعد السينمائي على امتلاك مفاتيح الشخصية عندما يريد أن يشتغل على فيلم توثيقي، ليدخل إليها ويتعامل معها ليعرف متى يكون في مزاج جيد والعكس متى يكون منسرحاً بالأفكار متى يكون زاهداً في تقديم الكلام إلى آخره من تفاصيل شخصية، كما يستطيع أن يتعرف على شبكة المحيطين بالمبدع أيضاً، مثلاً من كان مقرباً ومن كان بعيداً إضافة إلى الشق العائلي.
- لا شك أن المعرفة الشخصية لها تأثير كبير بتقديم أفلام سينمائية عن شخصيات من المشاهير إضافة لفهمه بشكل أكبر لأنه يعرف ردود أفعاله وردود أفعال محيطه على أفعاله أيضاً، وأنا بحكم علاقتي المتينة مع عدد كبير من هؤلاء استطعت أن أكون داخل هذه الشخصية بالنسبة إلى بندر عبد الحميد في فيلم “غرفة السينما” وريمون بطرس في فيلم “قيثارة العاصي والسينما”، الحقيقة أنجزت هذين الفيلمين مع المؤسسة العامة للسينما التي قامت مشكورة بإنجازهما، ولكن لم يتح لاحقاً فرصة عرضهما، الحقيقة لا أعلم لماذا لم يعرضا حتى اليوم رغم مرور وقت طويل على إنجازهما، ربما تُجهز برمجة خاصة وربما بسبب وباء الكورونا والحجر الصحي في العالم كله ومنع الاختلاط والسفر والاجتماع هذه الأمور قد أثرت على ذلك، ولكن الفلمين منجزان تماماً وجاهزان للعرض.
- منجزك النوعي يتوزع بين الوثائقي والروائي، أين تجد نفسك أكثر؟
أنا أميل للسينما الوثائقية التي ظهرت بها السينما أولاً سنة 1895 مع الأخوين لوميير، عندما وثقا وصول القطار أو خروج العمال من المصنع كانت هذه المشاهد وثائقية، والوثائقية ليست أبداً بأقل حال من الروائية، بالعكس أنا أراها أنضج وأصدق، بالوثائقية يذهب الشخص مباشرة إلى الفكرة لا تلميحاً ولا إشارة ولا ترميزاً بينما بالروائية يُقولب ذلك بحوارات تنطق بها شخوص ويحتاج إلى أجواء اصطناعية بينما الوثائقي يذهب مباشرةً إلى الفكرة، أنا أميل إلى السينما الوثائقية كما عمر أميرلاي رحمة الله عليه، كثيرون من أيام فلاهرتي المخرج الوثائقي الشهير القديم الذي أسس لسينما وثائقية عالية الجودة، أنا أتبع هذا الخط، أحب السينما الوثائقية جداً وخاصة الحديثة منها التي تدمج بين عدد من أشكال السينما وأحياناً الروائية، حتى أنني أعمل في أفلامي الوثائقية على إيداعها بنية روائية بشكل أو بآخر وحدث ذلك في “قمر دمشق”، أما عن إمكانية وجودي في فيلم روائي طبعاً أنا أطمح لتقديم فيلم روائي في العام القادم إن شاء لله، عندي هكذا مشروع بعد ما يزيد عن عشرة أفلام وثائقية صار لا بد لي من تقديم فيلم روائي، هنالك حالياً نص بين يدي أعمل عليه بهدوء شديد قريباً سأبدأ بالبحث عن فرص إنتاجية له، آمل أن أصل إلى مُنتج يتبنى هذا الفيلم، وهو يتحدث عن المرأة في البيئة المشرقية ووضعها ككيان اجتماعي، في مجتمع لا يعطيها حقوقها حتى الآن.
- كيف ترى واقع العمل السينمائي اليوم في الداخل السوري بعد سنوات الحرب والحصار الطويلة، من حيث الإنتاج والتوزيع والعرض؟
- بالنسبة للواقع السينمائي السوري في الداخل لا شك أن سوريا اضطربت بكل تفاصيل حياتها بعد الحرب التي دارت فيها، والسينما إحدى هذه المفردات لكنها لم تقف جامدة بالقطاعين العام والخاص وخاصة في المؤسسة العامة للسينما، فقد قدمت أفلاماً طويلة وقصيرة ومنحاً لشباب وقدمت مهرجانات وفعاليات مختلفة اذا كنت تقصدين ما يتعلق بالإنتاج السينمائي قدمت طبعاً العشرات من الأفلام خلال هذه الفترة، وكما العادة نجح بعضها وبعضها أخفق وهذا شأن طبيعي في أي حركة سينمائية في العالم، السينما السورية في مرحلة الحرب اتسمت بشكل عام بأنها عالجت أجواء الحرب، وأنا أتفهم أنه ليس من الممكن تجاوز واقع حرب ما وقعت في بلدٍ ما، ولكن أيضاً لست مع الانغلاق على هذه الفكرة فهنالك مشاكل كانت موجودة قبل الحرب ومازالت ويجب بشكل أو بآخر تسليط الضوء عليها، هنالك مشاكل السكن ومشاكل في وجود حوامل الطاقة وجود تشوهات نفسية بشرية، وجود نرجسيات وفشل في العواطف وقصص الحب والزواج وتكوين أسرة والنظر إلى الرجل أو المرأة أو الأطفال، هنالك الزواج والطلاق إلى آخره، هنالك عشرات المشاكل التي يمكن الحديث عنها في السينما السورية لكن انكفأت المواضيع لمصلحة معالجة موضوع الحرب وأتمنى أن تعود لتوسع دائرة اهتماماتها.
- قدمت عدداً كبيراً من المقالات النقدية في السينما والمسرح، كيف ترى واقع النقد الفني في العالم العربي اليوم؟
- طبعا إيضاح بسيط، أنا أميز هنا بين النقد والانطباعات والمواد الإخبارية الصحفية. والنقد أيضاً مستويات هنالك نقد السينما وهنالك نقد أفلام، وهنالك تحليل سينمائي، والأمر ليس واحداً في الحالات الثلاث، الأمر معقد لكن النقد السينمائي موجود، أنا ضد فكرة أن النقد العربي السينمائي غير موجود، لا أبداً السينما العربية موجودة والنقد العربي موجود، إنما بنسب أقل مما هو شائع، هنالك انطباعات يكتبها البعض خاصة بوجود المدونات، هؤلاء يخلطون أحياناً الحابل بالنابل، فهم ليسوا نقاداً لسينما، هؤلاء انطباعيون سينمائيون يكتبون آراء شخصية غير مؤسسة على معرفة سينمائية، من يكتب النقد أو التحليل السينمائي يجب أن يكون مدركاً لنظرية السينما، ويعرف ماهية السينما، ماذا يعني الضوء في السينما والصوت في السينما وما هي البنية السمعية والبصرية فيها، ويجب أن يكون لديه اطلاع على المدارس السينمائية التعبيرية الألمانية والواقعية الاشتراكية والموجة الفرنسية الحديثة والواقعية الإيطالية ثم المدارس العربية ثم المدرسة السوفييتية، والمدرسة الشرق آسيوية كيروساوا وغيرها، وسينما إيران وسينما أفريقيا وأمريكا اللاتينية، موضوع النقد السينمائي موضوع واسع يتتطلب تخصص .