برلين – الناس نيوز
أنجز مركزان حقوقيان سوريان دراسة أصدراها في كتاب، تلقي الضوء على واقع التعاون والتنسيق والتوظيف بين نظام الأسد والدولة الإسلامية ” داعش” في سوريا.
واتخذت الدراسة التي أطلقها المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية ومركز دراسات الجمهورية الديمقراطية محافظة السويداء مسرحا لإنجاز الدراسة لأن التعاون والتنسيق بين الطرفين كان واضحا في تلك المنطقة، ولأن هذا التعاون تم استثماره بشكل كبير لبث الطائفية والمناطقية، وبسبب تميز المحافظة طائفيا مما جعل لتعاون نظام الأسد مع داعش تأثيرا مزدوجا: تدميرا وترهيبا.
كتب الدراسة الباحثان السوريان يوسف فخر الدين وهمام الخطيب وأشرف على مراجعتها قانونيا محامي حقوق الإنسان المقيم في برلين أنور البني.
وتقول الدراسة إنه “من بين كلّ أدوات النظام المختبرة، لجأ ورثة السلطة إلى أسوئها، وأقلّها مناسبةً لمعالجة موضوعٍ معقّدٍ بظرفٍ معقّد. ومن هذه الأدوات كانت أداة الطائفيّة وإثارة الصراعات تطبيقًا لمقولة “فرّق تسد”، وهو ما عكس إحساسهم الشديد بعزلتهم وأقلويّتهم كحكمٍ معزولٍ عن الشعب؛ ولكنّه سلوكٌ نتج أيضًا من تكرارٍ أخرقَ لوصفةٍ مجرّبةٍ لطالما استخدمها حافظ الأسد وأعوانه لتدمير إرادة السوريّين واللبنانيّين والفلسطينيّين وللتدخّل في العراق.”
ونتيجة الحساسيّات التي تديرها “سلطة الأسد بين أغلبيّة سكّانها الدروز مع البدو فيها من جهةٍ ومع محافظة درعا من جهةٍ أخرى، تقدّمت إلى المبادرة فاعليّاتٌ أهليّةٌ تقليديّةٌ درزيّةٌ كان أبرزها، وأكثرها صدى، حركة مشايخ الكرامة التي عبّرت عن الأفكار الدفاعيّة التقليديّة للأغلبيّة السكانيّة في المحافظة.”
وفي ظلّ هذا المناخ، يتابع الباحثان، أخذ النظام بهدد مرارًا المحافظة بالإرهاب عبر رسائله المبطّنة، وأحيانًا الصريحة، ومنها ما جاء على لسان المستشارة الإعلاميّة في القصر الرئاسيّ، لونا الشبل، في لقاءٍ جمعها مع وفدٍ من السويداء بقولها: إذا لم يلتحق شباب السويداء بالجيش فإنّ “داعش” قريبةٌ منكم. بعدها، بدأ تنظيم الدولة الإسلاميّة يرهب مجتمع المحافظة، ليظهر بعدها إجماعٌ لدى شريحةٍ واسعةٍ من سياسيّي ومثقّفي المحافظة وكتلةٍ وازنةٍ من المجتمع الأهليّ، على أنّ “داعش” فزّاعةٌ لتخويف المحافظة وإخضاعها وعقابها في آنٍ، وأنّ سلطة الأسد استخدمته بدلًا من إطلاق الجيش والميليشيات العسكريّة عليها، كما فعلت في عموم مناطق سورية، لتأديب المحافظة وإعادتها إلى بيت الطاعة، تفاديًا لانهيار أكذوبة حماية الأقليّات التي تدّعيها وما يستتبعه ذلك من خسارتها أوساطًا ما زالت تصدّقها بين اليساريّين وغيرهم على الصعيد الإقليميّ والدوليّ.”
وأضاف الباحثان أن النظام رغب في تجنّب عداء الدروز خارج سورية؛ فمعظم سكّان المحافظة هم من هذه الأقليّة الدينيّة التي توجد في ثلاث دولٍ إقليميّةٍ (لبنان والأردن وفلسطين)، وفي المغتربات، ويمتدّ وجودها على الحدود الإسرائيليّة والأردنيّة، وهو موقعٌ ذو حساسيّةٍ بالغةٍ. ولكنّ خصوصيّة المحافظة بهذا الشأن لم تكن استثناءً، “فإطلاق سلطة الأسد الجهاديّين وقادتهم من سجونها بيّنت منذ البداية أنّها ستوظّف وجودهم لتخريب الثورة، وإرهاب السوريّين، وابتزاز العالم لإعادة تفويضها بحكم سورية على أنّها خيارٌ أقلّ سوءًا منهم. وهي وجدت مع الوقت مروحةً واسعةً من الاستخدامات الممكنة لهم، باختلافاتٍ وفقًا للمكان والمنطقة والظروف الدوليّة والإقليميّة ومعطيات الواقع العسكريّ على الأرض وخريطة السيطرة للقوى.”
وهكذا لم تتعامل سلطة الأسد ضمن الجغرافيا السوريّة مع ملفّ الجهاديّين بسويّةٍ واحدةٍ أو ضمن منهجيّةٍ ثابتةٍ؛ فتارةً كانت تسهّل انتشارهم وتمدّدهم وتصنع، أو تتغاضى عن، شريان إمدادٍ لهم ليكونوا بذلك أزمةً لخصومها ومعينًا لها في ضربهم وإنهاكهم، وصولًا إلى التنسيق معهم في بعض الأحيان، وتارةً أخرى تدخل معهم في مواجهة، لكن بعد أن تضمن أنّهم من تبقّى من خصومها.
وغالبًا ما بدت العلاقة بين“التنظيم وسلطة الأسد كـ ”العلاقة بين دولتين جارتين” بحسب ما درج على لسان ناشطين في المحافظة، على مثال ما كان من تعايشهما لسنواتٍ حين كان التنظيم في مناطقَ حدوديّةٍ بين سورية والعراق؛ حيث قاطعت بينهما المصلحة لإفشال الولايات المتّحدة، كلٌّ منهما لأسبابه. فسلطة الأسد – كما يرى البحث – “كانت تخشى أن يكون هدف الإدارة الأميركيّة التالي هو إزاحتها عن السلطة، بينما كان الحافز الرئيس للتنظيم (المتشكّل بقيادةٍ هي مزيجٌ من خبرة ضبّاطٍ عراقيّين بعثيّين سابقين من نتاج “الحملة الإيمانيّة ” التي أطلقها صدام حسين في تسعينيّات القرن المنصرم مع السلفيّة الجهاديّة) هو العداء للاحتلال الأميركيّ وإقامة دولة استبداده الإسلاميّة”.